عن التثنية والاشتراع - حامد الجرف - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 2:37 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن التثنية والاشتراع

نشر فى : الخميس 2 نوفمبر 2023 - 9:25 م | آخر تحديث : الخميس 2 نوفمبر 2023 - 9:25 م
تثنية على الصيحة بالحق التى جاءت بمقالة السياسى العروبى المخضرم السيد عمرو موسى، والتى أمسك فيها بمفصل إنسانى وسياسى وفقهى وقانونى هام ينبغى التمسك به والبناء عليه وموالاة تأكيده، لا لفضح حالة ازدواجية المعايير، والتى أراها نتيجة طبيعية لتركيبة النظام الدولى وتفاعلات مكوناته علينا التعاطى معها وإن لم نقبل بها، ولكن لفضح تقنيات المغالطة بالادعاء الكاذب والمفضوح بأن اعتداءات إسرائيل على غزة من قبيل الدفاع الشرعى وفقا لميثاق الأمم المتحدة، وبأن ما أقدمت عليه حماس هو من قبيل أعمال الإرهاب التى تبيح لإسرائيل رده تأسيسا على حقها فى الدفاع المدعى به.

فأما عن الأمر الأول، فقد تواضعت سائر الأمم والحضارات على قيام حق الدفاع الشرعى للمعتدى عليه منذ فجر حضارة الإنسان، إذ من الطبيعى أن يكون من حق من أُعتدى عليه أن يدفع العدوان غير المشروع عن نفسه وليس من العدل ولا من المصلحة أن يُجرد المُعتدى عليه من تلك المكنة أو تكبل يداه فى مواجهة عدوان عليه. ولذلك فإنه يعد من قوانين الفطرة وأصول القانون الطبيعى، فالمشرع المعاصر دوليا كان أو وطنيا لم ينشئ ذلك الحق وإنما أقره ونظمه. ويفترض قيام ذلك الحق سبق العدوان غير المشروع، لذلك فلا قيام لحق الدفاع الشرعى فى مواجهة من كان هو فى حالة دفاع شرعى حتى إن الفيلسوف الألمانى هيجل يقول فيه، إذا كان العدوان غير المشروع يمثل خروجا على القانون فإن حق الدفاع الشرعى هو رفض لذلك الخروج وتطبيق مباشر للقانون المُخترق بفعل العدوان.

كما وأن الشرائع الدولية والنظم المقارنة تعرف فى مقام بيان المسئولية وتحديدها شرط «اليد النظيفة» لإمكان تمسك المدعى بما يدعيه، فلا يستفيدن المرء من خطئه وهذا هو مقتضى ذلك الشرط.

فإن كان ذلك كذلك وكانت غزة والضفة أراضى محتلة وفقا للقرار الأممى رقم 242 ــ حتى لو أخذنا بصياغة اللورد كارادون المنحازة فى إسقاطه أداة التعريف من النص الإنجليزى للقرار رغم بقائها فى باقى نصوص صياغته باللغات الأخرى ولجميعها حجية واحدة ــ وكانت إسرائيل مسئولة بصفتها سلطة احتلال عن مخالفاتها لاتفاقيات جنيف الأربعة وللقانون الدولى الإنسانى فى مواجهة الشعب الفلسطينى المحاصر بالحديد والنار والتجويع والقهر، ومسئولة كذلك عن سياسات التسويف والمماطلة فى إتمام تسوية عادلة للقضية الفلسطينية بناء على قرارات الشرعية الدولية المتمثلة فى قرار التقسيم رقم 181 وهو السند الشرعى الوحيد لوجود إسرائيل ذاتها وللقرار 242، وكانت بأفعالها اليومية حصارا وتجويعا وملاحقة واغتيالا واعتقالا وهدما تمارس العدوان اليومى الممنهج ضد الشعب الفلسطينى الذى تلتزم بموجب احتلالها أراضيه وفقا للمواثيق الدولية بالتزامات تتوالى انتهاكاتها لها؛ فإن عدوانها يكون قائما وحالا بما يتيح لأى مواطن فلسطينى وكذا لفصائل المقاومة المنظمة أيا كانت أيديولوجياتها أن تقدم على رد ذلك العدوان وردعه إعمالا لحقها فى الدفاع الشرعى. وإسرائيل بعدوانها الدائم والمتجدد إنما تسعى لنقض أساس وجودها وأعنى قرار الجمعية العامة للتقسيم رقم 181 لسنة 1947 والذى ورد به نصا «تنشأ فى فلسطين الدولتان المستقلتان العربية واليهودية... إلخ»، وكذا لنقض قرار مجلس الأمن رقم 242 والذى ألزمها «بانسحاب إسرائيل من الأراضى التى احتلت فى النزاع الأخير». ومن المؤكد أن من سعى فى نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه. فما بالك وذلك السعى يجىء بالتضافر مع العدوان المستمر والممنهج إخلالا بالتزاماتها هى كسلطة احتلال.

• • •

نأتى للوجه الآخر من الأمر وأعنى شيطنة المقاومة وتخطئة مسلكها فى الدفاع الشرعى بمقولة أن حماس ولاعتناقها أيديولوجية إسلامية تعد جماعة إرهابية بما يجيز ملاحقتها واستهداف مقاتليها ومقراتها والنشطاء المؤيدين لها. صحيح أن حماس إسلامية التوجه، ولكن ذلك لا ينفى عنها كونها حركة مقاومة، ولا عن مقاتليها أنهم من أبناء الوطن الفلسطينى ممن يحق لهم مباشرة حقهم الفردى والجماعى فى الدفاع الشرعى، أما كونها إسلامية التوجه فذلك منزع أيديولوجى فى ممارسة السياسة الوطنية، فالأمور بمقاصدها لا بمسمياتها، وإلا لجاز القول بأن كل ما هو إسلامى هو إرهابى بالضرورة، وذلك فى ذاته ــ حتى لو قال به بعض المستغربين ــ هو قمة العنصرية وغاية الجهل وذروة سنام المغالطة. فالأصل فى الصفات العارضة العدم كما يقول المناطقة وما حماس إلا حركة مقاومة بالأساس أيا ما كانت عقيدتها الدينية أو توجهها الفكرى، كما وأن فعلها على الأرض فى جولة 7 أكتوبر وما بعدها هو عمل مقاوم فى كل تجلياته، ولذلك تقوم تقنيات المغالطة بالدور الأهم فى عملية شيطنة المقاومة مقرونة باستلاب الحجة بالادعاء بأنهم هم فى حالة دفاع شرعى وهو أمر لا يستغرب على من سرق الأرض أن يسرق الحجة من بعد. وتتبدى تقنيات المغالطة فى اعتماد المحددات والصفات بديلا عن الحقيقة والجوهر. فحماس حركة مقاومة مسلحة وهى على ذلك حركة تحرر وطن أيا كانت هويتها الفكرية التى لنا أن نختلف أو نتفق معها بعد ذلك، أى عندما يحين أوان الفرز بين التوجهات الأيديولوجية فى ممارسة السياسة الوطنية أى فيما بعد التحرر. ثم ألم تكن أغلب الجماعات اليهودية قبل 48 حركات دينية متطرفة تمارس ما كانت تدعيه بحرب تحرير وطنية؟! أليس من بين مكونات المجتمع والدولة فى إسرائيل الآن جماعات دينية بالغة التطرف والعنصرية توجه حقدها ونارها على المجتمع الفلسطينى بأسره؟! حجتهم داحضة إذن وعليهم غضب.

أما مجتمع الدول فله أن يأخذ ما يشاء من مواقف، وليصطف إلى جانب الشيطان كما يشاء، وليدعمه كما يريد، ولكن ليس له أن يدعى بمشروعية موقفه بما يخالف لا مبادئ الإنسانية وقواعد الأخلاق فحسب بل شرعية الأمم ذاتها التى يقوم وجوده عليها. عليه أن يتوقف عن أغاليطه، فليس الأمر حالة دفاع شرعى تدعى لتستمر نغمتها تتردد لتشرعن بقاء الاحتلال وبقاء القهر.

• • •

لقد هُزمت إسرائيل واستبان هزالها الداخلى كدولة ديكتاتورية استبدادية عنصرية تدعى ديمقراطية زائفة وكسلطة احتلال غاشمة ليس لها من شرعية سوى شرعية القوة وفرض الأمر الواقع، والتى تكرس حلول العدوان المُجيز للدفاع الشرعى لأبناء الوطن المحتل أيا كانت عقائدهم وانتماءاتهم.
أما من لا يفعلون ويسوءهم أن يفعل غيرهم على حد عبارة أستاذنا الكبير الدكتور طه حسين، ومن يلوكون الهزيمة ويسوءهم أن ينبلج الفجر على يد غيرهم، فليس لهم منا إلا الدعاء، إذ يدك منك وإن كانت شلاء.
حامد الجرف قاضٍ مصري سابق
التعليقات