الزحف نحو المجهول.. عالم ما بعد 2020 - فيس بوك - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الزحف نحو المجهول.. عالم ما بعد 2020

نشر فى : الأحد 3 يناير 2021 - 9:00 م | آخر تحديث : الأحد 3 يناير 2021 - 9:00 م

نشر الكاتب لبيب قمحاوى مقالا على صفحته الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعى فيسبوك، أورد فيه خواطره بشأن شكل الحياة فى عالم ما بعد كورونا... نعرض منه ما يلى:
سوف يدخل عام 2020 تاريخ البشرية باعتباره العلامة الفارقة بين عالمين أحدهما قديم نعرفه، والآخر جديد لا نعرفه. لا أحد يعلم بالضبط ما فى جعبة عام 2021، وإن كان الجميع ينشد فيه الخلاص من وباء الكورونا وتبعاته. ولكن الأمر لم يعد محصورا بالوباء بقدر ما أصبح يتعلق بأثر ذلك الوباء على طبيعة الحياة وأنماطها والعلاقات بين البشر.
إن ما يميز وباء الكورونا عما سبقه من أوبئة ألمَت بالعالم والبشر هى فى عالميته بحكم سهولة وسائل التواصل والتنقل وبالتالى سرعة وعالمية انتشار ذلك الوباء، وهنا تكمن خطورته. الإجراءات المرعية ومنها التباعد الاجتماعى والامتناع عن التواصل والحميمية هى فى واقعها محاولة للحد من الآثار الوبائية. أما الصعوبة فتكمن فى محاولة إدارة عجلة التاريخ إلى الوراء والتوقف عن السماح للبشر بالتواصل الحميمى السهل.
الحقيقة المؤلمة أنه بغض النظر عن مصير جائحة الكورونا التى ألمت بالعالم أجمع، فإن هذا العالم الذى عشناه ونعرف ثناياه وخباياه لن يعود كما كان، لا فى طبيعته ولا فى أولوياته. وإذا كان هنالك من يعتبر أن فى ذلك خسارة لا تعوض، فإن مثل هذا الاستنتاج قد لا يكون بالضرورة صحيحا كل الصحة أو مخطئا كل الخطأ. الخسارة هى فى ذهن الأجيال التى عاشت عالم ما قبل الكورونا وفرحت وحزنت، وخافت واستكانت، ونجحت وفشلت، ولكنها بقيت أسيرة الخوف من المجهول القادم الذى نعلم بعضه، ولكننا نجهل معظمه ومعظم أبعاده. أما الأجيال الجديدة فإن قناعاتها ما زالت قيد التشكيل، وقد تنسجم جزئيا أو كليا مع ما هو قادم من تغييرات.
عالم ما بعد الكورونا ما زال مجهولا بالنسبة لنا، ولكن المؤشرات تشير إلى أنه سوف يكون أقل إنسانية وأقل حميمية وأكثر فردية وانعزالا وبرودا فى عواطفه. التباعد الاجتماعى الناتج عن وباء الكورونا وما تبعه ونتج عنه من عمل عن بعد، ودراسة عن بعد، وجامعات عن بعد، واختلاط وتخالط عن بعد، قد حَوَّلَ الإنسان من كائن اجتماعى إلى كائن انعزالى.
الحياة التى نعرفها ابتدأت تفقد معناها وكذلك الموت. لا فرح للناس ولا عزاء لهم أيضا. الحياة فقدت طعمها اللذيذ والموت فقد طقوسه وروحانياته ورهبته. لقد ماتت الحياة التى نعرفها ومات معها أيضا الموت كما اعتدنا عليه.
نحن فى الحقيقة بصدد عالم موحش فى طبيعته وفى علاقاته الإنسانية. ما هو مصير الحب والمحبة والصداقة وهى أسمى العواطف الإنسانية التى تحكم العلاقات بين البشر فى ظل عالم متباعد؟ هل يوجد حب عن بعد مثلا، وما هو مصير علاقات المحبة والتواصل بين البشر وبين الأقارب ضمن إطار العائلة؟ ما هو مصير الصداقة وهل ستبقى كما نعرفها؟ وما هى البيئة الحاضنة للصداقة فى ظل عالم متباعد؟
الحرية التى ينشدها الجميع سوف تصبح أقل أهمية ووضوحا ضمن أجواء الانغلاق والتباعد. فالحرية مع أنها ممارسة يومية إلا أنها تبقى فى جوهرها قضية معنوية ونفسية ووجدانية. ومع أن الأمرين مترابطان، إلا أن الشق المعنوى هو الأساس كونه يمس روح الإنسان وقناعاته ومبادئه. وقد يكون فى التمادى فى تطبيق التباعد الاجتماعى بظواهره المختلفة المدخل لبطش وجبروت الدولة وبما قد يجعل من رؤية «جورج أورويل» فى كتابه الشهير «1984» واقعا قابلا للتحقيق عندما يصبح الفرد الإنسان خادما للدولة عوضا عن كونه مواطنا فيها. وقد نشهد عزوفا متزايدا عن ممارسة حق التصويت فى الديموقراطيات التاريخية إما نتيجة لفقدان الفرد للاهتمام بالشأن العام، أو نتيجة لقناعته بعدم جدوى ذلك فى ظل حياة التباعد والانعزالية.
العالم الآن وإن كان يبكى حزنا على نفسه وحسرة على ما فقد، وخوفا ووجلا مما هو آت، إلا أن الأمور قد لا تكون بالسوء الذى نخشاه. وقد يكون ما نحن فيه شىء أقرب إلى آلام المخاض المرافقة لولادة عالم جديد نجهل ماهيته، وإن كانت المؤشرات تشير إلى أنه سيكون عالما باردا وقاسيا مقارنة بالعالم الذى عرفناه. المستقبل قد لا يكون بنفس السوء بالنسبة للأجيال الجديدة من البشر. فهذه الأجيال ستكون نتاج العالم الجديد بكل سلبياته وإيجابياته، وقد ترى تلك الأجيال فى عالمها الجديد ما ينسجم أكثر مع مفاهيمها وتطلعاتها وأولوياتها.
هذه تساؤلات وخواطر تنتظر الإجابة من بشر عاشوا فى عالم جميل ولكنهم أساءوا إليه فى سلوكهم ونمط استهلاكهم وحولوه إلى عالم قبيح مجرد من العواطف خاليا من الإنسانية المبنية على التكافل ووحدة المصير. صحوة البشر على ما فعلوه بأنفسهم ولأنفسهم قد تكون فيها البداية لإعادة بناء عالمنا الجميل الذى جعلناه قبيحا. الحل يكمن فى عودة الاحترام للطبيعة وتوازنها وللعلاقات الإنسانية الجامعة لأبناء البشر فى عالم ساده العنف والأنانية واللامبالاة.

التعليقات