«صلاح سالم» الكاتب والمفكر الحر - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«صلاح سالم» الكاتب والمفكر الحر

نشر فى : السبت 3 يونيو 2023 - 9:55 م | آخر تحديث : السبت 3 يونيو 2023 - 9:55 م

(1 )
بكثير من القبول والرضا تم تلقى الإعلان عن أسماء الفائزين بجوائز الدولة لهذا العام 2023 فى دوائرها الأربع التشجيعية والتفوق والتقديرية والنيل، فثمة شعور عام بأن معظم الجوائز (وإن لم يكن كلها!) ذهبت إلى مستحقيها، فمن يمكن أن يعترض على اسم المرحوم الدكتور محمد عنانى الذى حصل على جائزة النيل فى الآداب (وإن كانت بعد رحيله بأشهر!) ومن يمكن أن يعترض على أسماء النقاد الشباب والباحثين فى العلوم الاجتماعية والإنسانية ممن حصدوا التشجيعية عن بحوث ومؤلفات محترمة جديرة بالتقدير والتكريم.

ومن بين الأسماء الأبرز التى حصدت جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية لهذا العام اسم الكاتب والباحث المرموق صلاح سالم الذى يتحفنا بمقاله الأسبوعى فى (الأهرام) وبمطالعاته وقراءاته واستبصاراته المثيرة للإعجاب والمثيرة للتأمل والداعية دوما لمزيد من البحث والقراءة.
كان من حظى ولى الشرف أن أسعد بزمالة العزيز صلاح سالم فى اللجنة العليا لمكتبة الأسرة، لأتعرف عليه عن كثب بعد أن تعرفت عليه لسنوات طويلة من مقاله القيم فى (الأهرام)، ومن كتبه ومؤلفاته، ومن بحوثه العميقة الرصينة، وأن أسعد بمجاورتى له فى قاعة الاجتماعات بالهيئة العامة للكتاب أثناء اجتماعات اللجنة بصحبة الأصدقاء والزملاء الأعزاء.

(2 )
كنت أتابع بكثير من الشغف مقاله الأسبوعى فى (الأهرام)، وأحرص على قراءة مقالاته أكثر من مرة، وأن أحتفظ بها أيضا لقيمتها المعرفية والفكرية، وربما كانت مقالاته واحدا من المحفزات الشعورية (أو اللا شعورية ربما!) لاتخاذ هذا النموذج المعرفى ــ فى القراءة والكتابة ــ مثالا يحتذى واعتبار المسار الذى اختاره (والذى جمع بين عمق الثقافة والتكوين المعرفى الأصيل والكتابة فى الصحف الموجهة لقارئ عام دون أن يتخلى عن شرط المنهجية والمعالجة الرصينة والقدرة على بسط الأفكار وتحليلها ونقدها) مسارا جديرا بالمتابعة.

منذ البداية، أدركت أن صلاح سالم يمثل حالة خاصة فى الصحافة والثقافة المصرية، فهو قد تخرج فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، لكنه وفى الوقت ذاته قد آمن بوحدة المعرفة الإنسانية، وبأن «الإنسانيات» ليست جزرا منعزلة ولا تخصصات معزولة منغلقة تنكفئ على ذاتها (كما أريد لها ولدارسيها طوال عقود للأسف)، وأن دارس الاقتصاد أو السياسة أو الاجتماع كى يكون أصيلا فى درسه عميقا فى بحثه لا بد له أولا أن يؤسس معرفته باللغات (الأم والأجنبية) وأن يكون اتصاله بالفلسفة وعلم النفس والآداب والفنون ومناهج الاجتماع والنقد والدراسات الثقافية بل وحتى كرة القدم يجب أن يكون اتصالا عميقا مؤسَّسا، يضمن له مراكمة طبقات من المعرفة، تثرى تصوراته وأفكاره وتمده بما يلزمه من أدوات وإجراءات ومقارنات ونصوص تمكنه من درس الظواهر التى يتصدى لها، وأن يكتب عنها بسلاسة وعمق فى الآن ذاته، وأن يقدم خلاصة معارفه وقراءاته وبحوثه لقارئ عام شغوف يعتبر مقاله الأسبوعى نافذة حيوية ومهمة تذكرنا بنوافذنا المعرفية الأصيلة فى عقود مضت (زكى نجيب محمود وجمال حمدان نموذجاه الأثيران فى العلوم الإنسانية فى هذا المجال) .

(3 )
وثمة خصيصة أخرى لفتتنى إلى كتابات القدير صلاح سالم، وهى القدرة الفذة على الانتقال من أصعب الموضوعات وأعقدها إلى أبسطها وأيسرها، فلم يكن أبدا الذى يقع أسير أفكاره يتلظى بنارها فتحرقه وتحرق قارئه (كما هو الشأن فى كثير مما نقرأ الآن) بل هو دائما مسيطر على أفكاره قادر على التعبير عنها وبسطها فى الحيز المخصوص والمساحة الممكنة، ذلك أنه لا يكتب إلا بعد أن يستوفى القراءة عما يكتب أو يريد أن يكتب عنه.

يكتب عن الناصرية مثلما يكتب عن الظاهراتية، وعن فلسفة الأديان وعن الحداثة، ويكتب عن نقد الفكر العربى وأصحاب المشروعات الفكرية ونقدها، مثلما يكتب عن تيارات الإسلام السياسى ومخططاتها وبراجماتيتها، ويكتب عن جمالية كرة القدم ومحبته وتقديره لبعض أساطير اللعبة، كما يكتب عن هموم الطبقة الوسطى بذات البراعة والتمكن التى تجعله يكتب محللا لمشروع مفكر وفيلسوف بقيمة حسن حنفى أو يشتبك بكل شجاعة مع مستجدات الأحداث والظواهر وقضايا الوطن الاجتماعية والسياسية والفكرية، ويقدم رؤيته وتحليله لها فى جدة واقتدار.

(4)
وأخيرا هو صاحب مشروع فكرى ثقافى مكتمل، وليس مجرد كاتب، أو صاحب مقالات تنشر كيفما اتفق. هذا المشروع وسمه الناقد والمفكر الراحل جابر عصفور بأنه محاولة لتأسيس اعتزال معاصر. بما يعنيه ذلك من إعادة قراءة تراثنا لاستعادة عناصره وقيمه الموجبة التى تتصادى مع «العقلانية» و«احترام الآخر» و«التسامح» والنظر إلى الوجه المشرق الحضارى للإسلام من حيث هو ثقافة وحضارة ومدنية.. (للحديث بقية).