مصر: إلى اليسار - عمر الشنيطى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر: إلى اليسار

نشر فى : السبت 3 أغسطس 2013 - 9:10 ص | آخر تحديث : السبت 3 أغسطس 2013 - 9:10 ص

لكل نظام اقتصادى تحيزاته وهى التى تشكل الخيارات الاستراتيجية لهذا النظام. فالنظام الاشتراكى يعظم من دور الدولة فى توجيه النشاط الاقتصادى ويعمل على تقليل الفجوة بين طبقات المجتمع. بينما يعطى النظام الرأسمالى مساحة أقل للدولة فى توجيه النشاط الاقتصادى ولا يمانع وجود فجوة كبيرة بين الطبقات. ويأتى النظام المختلط بين هذا وذاك ليوازن بين أهداف النظامين الاشتراكى والرأسمالى فى آن واحد.

وقد شهد الاقتصاد المصرى تطورا كبيرا خلال العقود السابقة حيث تبنى الاقتصاد تصورا اشتراكيا يميل إلى أقصى اليمين فى عهد عبدالناصر فتضخم دور الدولة فى النشاط الاقتصادى وتم تأميم الشركات.

أما فى عهد السادات، اتجه الاقتصاد يمينا متبنيا اتجاها رأسماليا مع سياسية الانفتاح الاقتصادى. ثم جاء عهد مبارك استمرارا لسياسة السادات، فزاد التوجه اليمينى وضعف دور الدولة الاقتصادى خاصة مع تطبيق برنامج الخصخصة. ولم تشهد الفترة الانتقالية منذ ثورة يناير ٢٠١١ تغييرا يذكر فى توجه الاقتصاد مقارنة بعهد مبارك.

●●●

الآن وبعد الـ٣٠ من يونيو، يقف الاقتصاد أمام مفترق طرق ما بين الاستمرار فى التوجه يمينا أو تغيير الاتجاه والتوجه يسارا. وفى ظل الوضع السياسى الحالى وتتابع الأحداث فإنه من المرجح أن يتوجه الاقتصاد يسارا. وهناك سبعة عوامل رئيسية تدعم ذلك:

أولا: شهدت السنوات الأخيرة التى سبقت ثورة يناير ٢٠١١ تفاوتا كبيرا فى دخول الطبقات المختلفة فازداد الأغنياء غنى والفقراء فقرا. وقد بات ذلك واضحا فى شعور الناس بعدم عدالة التوزيع.

ثانيا: قامت ثورة يناير ٢٠١١ وعلى رأس مطالبها «العيش» و«العدالة الاجتماعية» حيث توقع الشعب الثائر تغيرات كبيرة فى توجه الدولة من خلال اصدار قوانين عادلة فى هذا الإطار. لكن ذلك لم يحدث خلال الفترة الانتقالية.

ثالثا: شهد العام الماضى تنصيب أول رئيس مدنى منتخب والذى واجهته الكثير من التحديات السياسية والاقتصادية التى انتهت بعزله. لكن بعيدا عن الشق السياسى، فإن العام الماضى شهد تدهورا اقتصاديا تحملت آثاره الطبقات الفقيرة فى المجتمع بسبب التضخم الناتج عن تدهور سعر صرف الجنيه.

رابعا: المشكلة الاقتصادية الأكبر التى ظهرت خلال العام الماضى هى عدم قدرة النظام الحاكم على تقديم تصور واضح لإدارة الاقتصاد، إلى جانب الاضطرابات السياسية التى لم تتوقف، فأبقى النظام الحاكم على التوجه الاقتصادى دون تغيير حتى بدا وكأنه امتدادا لسياسات مبارك الاقتصادية.

خامسا: أبرزت الأحداث والمواقف السياسية فى العامين الماضيين صحوة ملحوظة للتيار اليسارى على اختلاف مجموعاته ورموزه. وسيلعب هذا التيار ــ خاصة الجزء الثورى منه ــ دورا معارضا للنظام. والتيار اليسارى بطبيعة طرحه لديه القدرة على كسب تأييد الشارع ولذلك سيكون على النظام استيعابه.

سادسا: النظام الجديد يزعم أنه يكتسب شرعيته من الشعب ولذلك سيكون فى حاجة لتقديم بعض المكاسب السريعة لهذا الشعب والذى ينتظر الكثير بعد تدهور وضعه الاقتصادى والاجتماعى حيث يتطلع لرؤية تحول فى توجه الدولة الاقتصادى.

سابعا: الجيش المصرى ليس فقط مؤسسة عسكرية بل منظومة كاملة، حيث يمتلك ويدير عدة أنشطة اقتصادية مؤثرة. ومع تنامى دور الجيش السياسى بعد ٣٠ يونيو، فإنه من المتوقع أن يبرز دوره الاقتصادى أيضا، سواء من حيث الإنتاج أو التوزيع. وهذا التوجه يزيد من دور الدولة الاقتصادى، حتى لو من خلال أحد مؤسساتها وليس مباشرة من خلال الوزارات المعنية.

●●●

هذه العوامل تجعل من المرجح توجه الاقتصاد يسارا فى الفترة القادمة استيعابا للشعب الساخط الذى ينتظر مكاسب سريعة بعد تراكمات عقود تبعهما عامان من الألم. وتبنى توجه يسارى لا يعنى أن هذا هو التوجه الأفضل للاقتصاد على المدى البعيد أو التوجه المفضل لدى النظام الجديد، لكنه سيأتى انعكاسا للوضع السياسى المعقد لكى يعمل كصمام أمان سياسى واجتماعى على المدى القصير.

مع ذلك وعلى الرغم من توقع توجه النظام الاقتصادى يسارا إلا أن سيولة الوضع تفرض الكثير من التساؤلات:

أولا: مع رجوع رجال مبارك للسلطة من جديد ومع العلم بتوجههم اليمينى، فهل سيدركون المتطلبات السياسية والاجتماعية فيتجه النظام يسارا لاستيعاب مطالب الشارع ومنح الشعب مكاسب سريعة؟ أم سيتشبث النظام بفكره اليمينى فيخرج الناس عليه حتى يدرك أهمية تغيير التوجه؟

ثانيا: إذا أدرك النظام أهمية التوجه يسارا، فإلى أى مدى سيطبق ذلك التوجه؟ وهل سيتبنى النظام تصورا اشتراكيا كاملا؟ أم سيحافظ على توجه الاقتصاد اليمينى مع إضافة نكهة يسارية فى ما سيؤدى إلى نظام مختلط؟

ثالثا: هل التوجه اليسارى سيكون تصورا أصيلا سيتبناه النظام لعقود قادمة؟ أم أنه سيكون مناورة تكتيكية قصيرة المدى لاستيعاب الوضع السياسى فقط؟

رابعا: إذا أدرك النظام أهمية التوجه يسارا وبدأ العمل على ذلك بشكل موسع، فكيف سيتعامل مع رجال الأعمال خاصة المنتمين للنظام القديم والذين يشكلون أحد ركائز هذا النظام العميق؟

●●●

الخلاصة أن التراكمات الاقتصادية التى عانت منها مصر لعقود ما قبل ثورة يناير ٢٠١١ والتطورات السياسية التى شهدتها مصر منذ تلك الثورة وحتى الآن تجعل من المرجح تغير التوجه الاقتصادى إلى اليسار لمواكبة واحتواء الوضع.

وهذا التوجه قد لا يكون الأفضل لمصر اقتصاديا على المدى البعيد، لكنه قد يكون ضرورة سياسية واجتماعية على المدى القصير. وعلى النظام الجديد ــ أيا كان توجهه ــ استيعاب هذا الوضع المعقد الذى سيحتم عليه التوجه يسارا إلى جانب تحديد طبيعة التوجه الجديد وتدبر كيفية إدارة هذا التحول بشكل فعال.

عمر الشنيطى المدير التنفيذي لمجموعة مالتيبلز للاستثمار
التعليقات