حماس والإخوان وتبييض جرائم إسرائيل - محمد سعد عبدالحفيظ - بوابة الشروق
الأحد 3 أغسطس 2025 11:58 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

حماس والإخوان وتبييض جرائم إسرائيل

نشر فى : الأحد 3 أغسطس 2025 - 8:10 م | آخر تحديث : الأحد 3 أغسطس 2025 - 8:10 م

فى اليوم ذاته الذى كان فيه أعضاء الحركة الإسلامية فى إسرائيل يتظاهرون أمام السفارة المصرية فى تل أبيب، مرددين مزاعم حكومة اليمين الصهيونى بأن «مصر هى التى تحاصر غزة»، كان العقيد أفيخاى أدرعى، المتحدث باسم جيش الاحتلال، يتجول فى عدد من القرى الدرزية جنوب سوريا، ويتلقى الأحضان والقبلات من بعض شيوخ ووجهاء الطائفة.

ربما يبدو لأول وهلة أنه لا رابط بين الحدثين اللذين تناقلتهما المنصات الإخبارية مساء الخميس الماضى؛ فلكل منهما سياقه وظرفه، إلا أن توسيع زاوية الرؤية لمسافة أبعد من الـ250 كيلومترًا، التى تفصل تل أبيب عن ريف دمشق، يكشف لنا صورة أكبر، ويضع الواقعتين فى إطار واحد؛ «مشهد محكم الإخراج، تسعى إسرائيل من خلاله إلى غسل سمعتها وتخفيف وطأة الضغوط الدولية المتصاعدة عليها، بعدما حاصرتها صور المجاعة والمجازر التى ترتكبها فى غزة، ودفعها الرأى العام العالمى إلى الزاوية».

ورغم التناقض الظاهرى بين صور ميدان «بازيل» فى تل أبيب، حيث مقر السفارة المصرية، وصور أدرعى وهو يعانق وجهاء الدروز فى جنوب سوريا ـــــ كما نشرها زميله المتحدث باسم الجيش نداف شوشانى ــــــ إلا أن السؤال الذى سيتداعى إلى الذهن واحد: «كيف تحول الصديق إلى عدو؟ وكيف أصبح العدو صديقًا؟».

شوشانى أرفق صور صديقه أدرعى بتعليق دال: «عندما تمنع إسرائيل مجزرة بحق أقلية من المدنيين الأبرياء، لا تسمع شيئا، وعندما تدافع عن نفسها فى حرب بدأتْها جماعة إرهابية، لا نسمع سوى اتهامات باطلة بالإبادة الجماعية».

هذا بالضبط ما تسعى إسرائيل إليه، حرف البوصلة، وتزييف وجه الصراع، وتغيير قناعات الرأى العام الدولى الذى بات يتعامل مع دولة الاحتلال باعتبارها كيانا منبوذا، وبدلًا من أن يتم تحميل المسئولية للفاعل الأصلى، المجرم الذى يمارس القتل والتجويع والتطهير العرقى، تُلقى التهمة على أطراف أخرى – منها الدولة المصرية – التى لا تزال رغم كل شىء، أكثر الدول العربية تمسكًا بدعم القضية الفلسطينية، أما حكومة بنيامين نتنياهو التى يتباهى أعضاؤها بجرائمهم، فتقدم نفسها على أنها «الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط»، التى تراعى الأقليات وتحتضن المضطهدين فى دول الجوار، وتمنح المتظاهرين مساحة للاحتجاج ضد الدولة المسئولة عن «حصار الفلسطينيين فى غزة» وترفض خروجهم من معبر رفح إلى الجهة الأخرى حسبما زعم نتنياهو فى أكثر من مناسبة.

أن مشاركة أعضاء الحركة الإسلامية الشمالية فى إسرائيل ـــــ أحدُ أجنحة جماعة الإخوان ــــ فى التظاهر أمام السفارة المصرية فى تل أبيب، وترديدهم نفس سردية رئيس الوزراء الإسرائيلى وأركان حكومته، يجعلهم يقفون فى نفس الخندق مع العدو الذى فشل فى تبييض صورته أمام الرأى العام الدولى، وبدأ يواجه ضغوطا رسمية من دول استخدمت ورقة «الاعتراف بالدولة الفلسطينية» حتى تجبره على وقف المجازر.

عندما يقف الشيخ رائد صلاح ونائبه كمال الخطيب، وهما من القيادات المؤسسة للجناح الشمالى من الحركة الإسلامية، على ذات الضفة التى يقف عليها نتنياهو وبن غفير، ويكرران ذات المزاعم، وهما العالمان بخفايا السياسة، ينبغى أن نقف ونتأمل. فهناك خيط يجرى شده على مسرح كبير، يمتد من ميادين تل أبيب إلى عواصم عربية وأوروبية، شهدت اقتحامات متزامنة للسفارات المصرية بتحريض مباشر من جماعة الإخوان وأنصارها فى الخارج.

الأزمة أن الجماعة، ومن يقفون خلفها، لا يدركون أن تصفية حسابهم مع النظام المصرى على حساب القضية الفلسطينية لن يخصم من رصيدهم المتهافت وحسب، بل سيخصم من رصيد القضية، فإذا كانت النتيجة الواضحة ــــ حتى الآن ـــــ من عملية «طوفان الأقصى» هى إعادة إحياء القضية وربط أجيال جديدة من الشباب المصرى والعربى بفلسطين وشعبها ومقاومتها، فإن ما يجرى قد يرتد بالسلب بعد تشتيت انتباه الشارع المصرى بتلك الصغائر.

بنهاية العام الماضى، شاركت عددا من الكتاب الصحفيين فى لقاء مطول مع خليل الحية، نائب رئيس المكتب السياسى لحركة حماس. خلال اللقاء تحدث الرجل بإسهاب عن دور مصر الداعم للقضية الفلسطينية ولفصائل المقاومة رغم الخلافات السياسية والفكرية. طلب الحية حينها أن ندعم مؤسسات وأجهزة الدولة المصرية، لأنها ـــــ بحسب تعبيره ـــــ تفعل الكثير والذى لا ينشر فى منصات الإعلام.

بعد عام تقريبًا، جمعتنى جلسة أخرى بقيادى بارز فى الحركة، فوجدته متحاملا على القاهرة وسلطتها، رغم أنه فى ذات الجلسة طلب أن نصبر على النظام السورى الجديد الذى يقوده الرئيس الجهادى الإسلامى السابق أحمد الشرع ولا نحمله أكثر مما يحتمل!

ما الذى تغيّر؟ وما الذى دفع حركة أعلنت سابقًا انفصالها تنظيميا عن الإخوان إلى تغيير موقفها وخطابها الذى عبر عنه الحية فى كلمته الأسبوع الماضى؟.. هل تغامر حماس بعلاقاتها مع الدولة الوحيدة فى الإقليم التى، رغم كل التغيرات، لم تغيّر عقيدتها المنحازة للحقوق الفلسطينية والمعادية لإسرائيل؟.. وهل من العقل أن تتبنى الحركة سردية المحتل الذى يتهم مصر بـ«حصار غزة»، بينما يغلق هو كل معابرها الأخرى بالحديد والنار؟

محمد سعد عبدالحفيظ كاتب صحفي وعضو مجلس نقابة الصحفيين
التعليقات