هامش للديمقراطية.. مراجعات ضرورية لمؤسسات الدولة - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 10:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هامش للديمقراطية.. مراجعات ضرورية لمؤسسات الدولة

نشر فى : الثلاثاء 3 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 3 سبتمبر 2013 - 8:00 ص

نعود إلى البدايات: إذا كانت الدولة الوطنية تمثل شرط وجود للتنظيم الديمقراطى، فإن التزام مؤسساتها والنخب المسيطرة عليها بقيم الحرية والمساواة وسيادة القانون والمواطنة والمدنية والحيادية وحقوق الإنسان يعد شرط ضرورة لاستقرار التنظيم الديمقراطى أو للتحول باتجاه الديمقراطية. التزام القيم هذه هو الذى يباعد بين الدولة وبين الاستبداد بالمجتمع ومواطناته ومواطنيه، ويفصل بين مؤسساتها وبين التوحش الذى يفقدها جوهر العدل وشرعية الرضاء الشعبى. وفى مصر التى تعثرت بها خلال الفترة الممتدة من ٢٠١١ وإلى اليوم عملية التحول الديمقراطى، تحتاج الدولة ومؤسساتها ونخبها إلى ممارسة النقد الذاتى والمراجعة فى أربعة سياقات رئيسية.

١. قبول مبادئ الإصلاح الديمقراطى والحكم الرشيد ومحاربة الفساد: فقد أورثتنا عقود السلطوية الطويلة مؤسسات دولة وأجهزة تنفيذية وإدارية محدودة الالتزام بقيم الحرية والمساواة وسيادة القانون والحيادية وتعانى من استيطان الفساد وانتشار انتهاكات حقوق الإنسان وغياب الشفافية والمساءلة والمحاسبة. ومنذ ثورة يناير ٢٠١١، قاوم الكثير من مؤسسات الدولة وأجهزتها، عبر النخب وشبكات المصالح والفساد، جهود الإصلاح الديمقراطى والدفع باتجاه الحكم الرشيد التى ولدتها الثورة وتبنتها قطاعات مؤثرة فى المجتمع المدنى. وعاونهم على ذلك بعد وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم انتفاء رغبة الجماعة وحلفائها فى الإصلاح الديمقراطى وسعيهم الكارثى إلى السيطرة والهيمنة على مؤسسات الدولة (الأخونة) واستعدادهم للدخول فى تحالفات جزئية مع شبكات المصالح والفساد القائمة أو صناعة شبكات بديلة. واليوم، ومؤسسات الدولة وأجهزتها موضع إعادة إحياء لنخب ما قبل ثورة يناير وتصعيد لنخب أخرى متنوعة الولاءات ترتبط بترتيبات ما بعد ٣٠ يونيو، لا بديل عن الانفتاح على ممارسة النقد الذاتى والمراجعة باتجاه قبول الإصلاح الديمقراطى والحكم الرشيد ومحاربة الفساد. ولا بديل أمام المواطنات والمواطنين الذين لم يتخلوا عن الديمقراطية كأمل سوى الضغط السلمى على نخب المسيطرة على مؤسسات الدولة، وتذكيرها بأن تماسك المؤسسات مرهون بديمقراطيتها وعدالتها، وأن كفاءتها، الأجهزة التنفيذية والإدارية فى التعامل مع احتياجات المجتمع والناس لن تتأتى إن استمرت شبكات المصالح والفساد دون مواجهة أو استمر غياب الشفافية والمساءلة والمحاسبة.

٢. تفعيل التزام مؤسسات الدولة بمبادئ سيادة القانون والمدنية والحيادية: شكلت الانتهاكات المستمرة لسيادة القانون ولحريات وحقوق المواطن دافعا رئيسيا لثورة يناير ٢٠١١، وكانت سببا مباشرا فى خروج المصريات والمصريين فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة، وتدفع اليوم المطالبين بضمانات لحمايتها للإصرار على التحقيقات المستقلة فى مجمل أحداث الأسابيع الماضية. ومدنية الدولة، كمضاد للدولة الدينية وللدولة العسكرية، وحيادية مؤسساتها وأجهزتها إزاء تنافس وتنازع وصراع أطراف الحياة السياسية تستدعى إعادة تأسيس سريع بعد أن تدخل الجيش في

السياسة. كأمر واقع، يوضع فى مصر الآن دستور جديد، والمراد هو وضع حزمة من النصوص الدستورية تضمن التزام الدولة بسيادة القانون ومحاسبة المتورطين فى انتهاكات حقوق الإنسان بغض النظر عن مواقعهم السابقة أو الحالية، وتفرض المدنية والحيادية كقيمتين رئيسيتين وتدفع باتجاه دمقرطة العلاقات المدنية العسكرية (أى إشراف ورقابة المدنيين المنتخبين على مؤسسات عسكرية وأمنية احترافية). وعلى المواطنات والمواطنين الباحثين عن الديمقراطية كأمل لمصر أن يطالبوا الدولة ومؤسساتها بذلك دون مساومة وأن يتحملوا مشقة المطالبة هذه فى إطار حقائق سياسية وتفضيلات مجتمعية مناوئة.

٣. قبول إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية ومقاومة عودة ممارسات الدولة الأمنية: والأمر هنا يرتبط بكون غياب الإرادة السياسية لدى المجلس العسكرى أولا ثم جماعة الإخوان بنهمها للسيطرة ثانيا رتب تفريغ المساعى المحدودة بين ٢٠١١ و٢٠١٣ لإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية وفقا لمعايير الحكم الرشيد وحقوق الانسان من المضمون والجدية. والأمر هنا يرتبط أيضا بكون ترتيبات ما بعد ٣٠ يونيو قد أعطت مساحة لنخب دولة ما قبل ثورة يناير الأمنية للعودة إلى الواجهة السياسية والمجتمعية والإعلامية وجددت دماءها ودفعت بها إلى الدولة ومؤسساتها فى إطار هيستريا الفاشية وتوظيف مستمر للفزاعات التقليدية وتخوين للمدافعين عن الحريات وحقوق الإنسان. والأمر هنا يستدعى الضغط السلمى على الدولة ومؤسساتها ونخبها بهدف ممارسة النقد الذاتى ومراجعة مواقفها من إعادة هيكلة المنظومة الأمنية والالتزام بالامتناع عن انتهاكات الحريات والحقوق وباحترام سيادة القانون. على نخب ما قبل يناير ٢٠١١ وبعض نخب ما بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣ أن تدرك أن إعادة إنتاج الدولة الأمنية، مهما عتت موجة الفاشية والتفزيع والتخوين الراهنة، محكوم عليها بالفشل المجتمعى وأن كلفتها السياسية مرعبة وتداعياتها على تماسك مؤسسات الدولة، وهذا يؤكد مجددا أنه لا تماسك إلا فى إطار العدل وشرعية الرضاء الشعبى، كارثية.

٤. الاعتذار: على نخب مؤسسات الدولة التى ابتعدت فى الماضى أو تبتعد اليوم عن قيم الحرية والمساواة وسيادة القانون الاعتذار عن إهدار حق المجتمع والمواطن فى الديمقراطية والتأكيد على قبول مبدأ المساءلة والمحاسبة بشأن انتهاكات الحريات وحقوق الإنسان والفساد فى إطار منظومة متكاملة للعدالة الانتقالية والإصلاح الديمقراطى.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات