عبدالناصر عاد - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأربعاء 29 مايو 2024 3:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عبدالناصر عاد

نشر فى : الخميس 3 أكتوبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 3 أكتوبر 2013 - 8:00 ص

خرج من أعماق تاريخ الوطن ليحقق أشواق شعبه إلى الاستقلال والكرامة والعدل. فى أسابيع قليلة أثبت انتماءه إلى الشعب الذى طال انتظاره بعد قرون من القهر والظلم فأصدر فى التاسع من سبتمبر 1952 أى بعد أقل من شهرين على قيام الثورة قوانين الإصلاح الزراعى التى دشنت عهدا جديدا للفلاح المصرى وأحدثت تغيرا جذريا فى البنية الاجتماعية التى أصابها التصدع. وبعد سنة من هذا الإنجاز التاريخى استطاع أن يعقد اتفاقا تاريخيا لجلاء القوات البريطانية التى دام احتلالها أكثر من سبعين عاما، وفى 1956 كانت معركته التاريخية الكبرى بتأميم شركة قناة السويس ردا على سحب الولايات المتحدة المهين تمويل السد العالى الذى جسد حلم التنمية، وبعدها قاد شعبه فى ملحمة التصدى للعدوان الثلاثى فى السنة نفسها وسطر مع هذا الشعب صفات غير مسبوقة فى نضاله من أجل الحرية. ثم كان موعده مع الأمة العربية التى منحته تأييدها من أوسع أبوابه بعد أن طال انتظارها لبطل يحقق طموحاتها فى النهوض، وجسدت الوحدة المصرية السورية هذه الطموحات، وبها استطاع أن يعبر بالأمة إلى واقعها الجديد، وكان للشعب السورى دوره المقدر فى كتابة تاريخها. قطع أشواطا طويلة فى مسيرة العدالة الاجتماعية أثناء الوحدة، وقيل إن هذا أحد أسباب تفككها، لكن المؤامرة عليه وعلى الوحدة كانت أشد ولا شك أن صدمة مؤلمة قد أصابته باختبار الانفصال الذى هو أول نكسة حقيقية تصيب نضاله، غير أنه حافظ على وهج العزيمة وإرادة التغيير فأرسل قواته بعد عام بالتمام والكمال من الانفصال إلى قلب النفوذ الغربى فى الجزيرة العربية لتحمى بؤرة اليمن الوليدة من خصومها المتربصين واستطاع مع شعبها أن يحرره قبضة نظام كان عارا على الإنسانية.

●●●

ولا يقل أهمية عن ذلك أنه جعل من وجوده فى اليمن قاعدة انطلاق لتحرير شطرها الجنوبى من الاحتلال البريطانى، وبفضل هذا العمل الاستراتيجى حققت حركة التحرر فى جنوب اليمن الاستقلال فى زمن قياسى لم يتجاوز الأربع سنوات والأهم من ذلك أن الاستقلال تحقق دون شائبة لدرجة أن قوات الاحتلال كانت تفر من أمام المقاتلين دون أن تخلف وراءها قاعدة عسكرية أو ترتيبات إستراتجية. لحقت به هزيمة 1967 لكنه أصر على البقاء فى اليمن حتى يتحقق استقلال الجنوب بالكامل وساعتها عادت قواته إلى الوطن كى يبدأ واحدة من أمجد معاركه من أجل إعادة بناء القوات المسلحة التى مزقتها الهزيمة، وقد كان واستطاع بجهد خارق أن يقود الشعب المصرى إلى بناء قوات مسلحة قادرة على أن تخوض معركة التحرير. لم يهزمه سوى مشهد الدماء العربية تسيل بسبب الصدام بين السلطة الأردنية والمقاومة الفلسطينية، فغيبه الموت فى الثامن والعشرين من سبتمبر وهو فى ذروة جهوده من أجل تحقيق مصالحة أردنية ــ فلسطينية فشيعه شعب مصر فى جنازة غير مسبوقة كما يليق بزعيم له وزنه التاريخى ومحبته الغامرة فى أفئدة الشعب المصرى.

عندما كنت أنظر إلى صور الزعيم بعد وفاته كنت أعجب لما يبدو عليه من شيخوخة بالنسبة لمن هم فى عمره وأقول لنفسى: هذا رجل أنهكه المرض مبكرا ومع ذلك لم يتوقف عن النضال لحظة واحدة.

●●●

بمجرد وفاته بدأ فتح النار على ميراثه العظيم، وتم ذلك بيد من يفترض أن يكون أخلص خلصائه الذى صفى أولا رجاله المخلصين فى الحكم مدعيا أنهم كانوا بسبيل الانقلاب عليه ثم مكن كافة خصومه من النيل من إنجازاته العظيمة، وبينما تم التمكين لخصومه من الإخوان المسلمين فأعطوا حرية كاملة فى الحركة السياسية لمواجهة خصوم السادات الذين لم يكونوا سوى أنصار الزعيم وحلفائهم من اليساريين، وهكذا حدث انقلاب كامل على ذلك الميراث النضالى العظيم، ومع ذلك فإن مكانة الزعيم لم تمس لدى شعبه، بل لعلها قد ازدادت رسوخا فى القلوب، كذلك بقيت مكانة الزعيم لدى أمته العربية خاصة أن الوطن العربى لم يشهد ما شهدته مصر من انقضاض على مكانة الرجل ولا تعرض أبناء الأمة العربية إلى ما تعرض له الشعب المصرى من محاولات لا تتوقف لتشويه الرجل ودوره، ومرت السنوات الطويلة لحكم الرئيس الأسبق باهتة توقف فيها الهجوم الشرس على زعيم الثورة، وإن استمرت التصفية المنهجية لكافة سياساته فتقوضت سياسات العدالة الاجتماعية وأجهض حلم التنمية، وحلت التبعية محل كل ميراث يوليو العظيم فى الاستقلال، وتم الانبطاح أمام إسرائيل بعد عهد كامل من مواجهتها والانتصار لشعب فلسطين وحقوقه الوطنية المشروعة.

●●●

ومع ثورة يناير العظيمة بدأت رحلة العودة وعادت شعارات الثورة وصور الزعيم إلى الميادين من جديد غير أن الإخوان المسلمين سرقوا الثورة بعد أن كانوا فى طليعة الداعين إلى الاتفاق مع النظام القديم، وهكذا عادت محاولات التشويه ومعها الاستمرار فى تصفية الميراث السياسى والاقتصادى والاجتماعى للزعيم، غير أن الخروج عن الثوابت النضالية للشعب المصرى فضلا عن حكم فاشى يتستر وراء الدين، تجاوز قدرة الشعب المصرى على احتمال حكم الإخوان لأكثر من عام فكان التحرك الشعبى العظيم وغير المسبوق لدعم القوات المسلحة فى 30 يونيو الماضى وفى هذا الإطار عادت مكانة الرجل، وبالأمس القريب كان رجل مصر القوى وابنها المخلص وقائد قواتها المسلحة يزور ضريح الزعيم ويتحدث عنه حديث الاحترام والتقدير فى دلالة غير خافية. لم يتوقف إحياء الشعب ذكرى زعيمه سنة واحدة، فهذا بطل خرج من أعماق تاريخ شعبه وفيه تستقر مكانته بعد أن حقق لهذا الشعب حلمه فى الاستقلال والعدل والحرية والحياة الكريمة. وسوف تخلد ذكرى الزعيم عبدالناصر خلود الوطن ذاته جزاء عمره الذى لم يبخل به على هذا الوطن.

 

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

 ومدير معهد البحوث والدراسات العربية

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية