«لم يُصلِّ عليهم أحدٌ».. عذابات الحب والموت - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«لم يُصلِّ عليهم أحدٌ».. عذابات الحب والموت

نشر فى : الخميس 3 أكتوبر 2019 - 8:20 م | آخر تحديث : الخميس 3 أكتوبر 2019 - 8:20 م

يبرع الروائى السورى خالد خليفة دوما فى رسم نماذجه البشرية، يبدو كما لو أنه يعرفها جيدا، نراه متعاطفا معها حتى النهاية، وهو تعاطف مرتبط بالتأكيد بمأزق الوجود الإنسانى، ميلادا وحبا وموتا.
فى روايته الجديدة «لم يُصلِّ عليهم أحد» الصادرة عن دار العين، يتأمل الموت والحياة والحب على رقعة زمنية واسعة، تبدأ من نهايات القرن التاسع عشر، وتتوقف بنا عند منتصف القرن العشرين تقريبا، وبين غرق قرية بسبب الطوفان، وغرق فردى للحاق بالغائبين، لا تكتمل أبدا حكايات الحب، وتحضر الحروب والمجاعات، يقاوم الأبطال حواجز الدين، ولكنهم يتعذبون بالموت والحب معا، الفراق يؤثر ويغير، والزمن وتحولاته يزيدان المأزق صعوبة، ينغلق القوس، ويتداعى العالم القديم، ولكن الأسئلة تتكرر، ولا تموت أبدا.
يمكن أن نقرأ الرواية باعتبارها حكاية ستة أصدقاء هم: زكريا، وحنا، وعارف، وعازار، ووليم، والصديقة الخامسة هى سعاد، شقيقة زكريا، وحبيبة حنا، هى مسلمة وهو مسيحى، جاء حنا صغيرا ليتربى مع زكريا وأخته فى منزل واحد، أما عازار فهو مهندس يهودى، شخصيات غير عادية ومختلفة، لم يكن سهلا تجاوز الدين، ولكن ظلتِ العلاقة الإنسانية هى الأساس، حتى عندما أنجب زكريا توءمين، منح أحدهما اسم صديقه المسيحى المغدور وليم، ورباهما صديقه المنكوب حنا.
شبكة العلاقات معقدة جدا بين شخصيات الرواية الكثيرة، ولكن الموت والحب لا يغيبان أبدا فى كل زمن وجيل، ولا يغيب أيضا البحث عن سعادة أقرب إلى السراب، فى مرحلة كان قصر الملذات الذى بناه زكريا وحنا والمهندس عازار، هو الحلم المفقود، وبعد الطوفان الذى ابتلع القرية، أصبح الدير الذى بناه حنا هو مكان الخاسرين والتائبين، سيكون حنا أضعفَ من حب سعاد، وعندما يهرب وليم عيسى مع حبيبته عائشة المفتى يدفعان الثمن موتا، ويموت وجدا حبيبها الذى لم تعرفه أبدا صالح العزيزى، ولا ينتهى حب وليم الثانى لمريم نهاية سعيدة، وعندما يكلل حب عائشة الثانية ليوسف بالزواج، يأخذها الموت فى سن الأربعين، ويظل حنا معلقا بالأسئلة حتى النهاية، مثلما كان معلقا بين القصر والدير، وبين أسئلة الحياة، وأسئلة الفقد والتلاشى.
الإنسان فى الرواية كائن مثير للرثاء، يمكن أن تجمع حياته فى عدة صناديق داخل تابوت كما فعل وليم، هو مجرد صور تتناسل، وخطابات هائمة، وجثث طافية على صفحة نهر الزمن، اللذة المطلقة سراب، والحب محاصر، والموت حاضر بالمجازر أو بالشيخوخة أو بالمرض.
حنا يرفض تحويله إلى قديس، هو أضعف من ذلك، سيظل متشككا حتى تبتلعه الأسئلة، ويبقى الوصول إلى الأحبة أقرب إلى لعبة أطفال صنعوا طائرات ورقية، أو قوارب من الورق، يتحلل البشر مثل رماد الديناصور، ولولا الحكاية والكلمات، لاندثروا بلا أى ذكرى.
ومع ذلك، فإن الرؤية ليست عدمية أو عبثية، لأن الحياة لا تتوقف، ولأن أسماء الشخصيات الراحلة تعود لتحملها شخصيات أخرى، ولأن ذاكرة العشاق تظل حاضرة، تبقى خطابات وليم إلى عائشة الأولى، بل تتحول إلى أناشيد صوفية فى مجالس العارفين، من قلب مجازر الأرمن تنجو مريم، مثلما نجا حنا من قلب مجازر عائلته، الخيول تصل بالتأكيد إلى خط النهاية، ولكن أحدا لا ينسى معاركها أو حروبها، ربما يكون سر المأساة فى أن اللعبة دارت فقط بين قصر ودير، بينما توجد هناك مساحات كثيرة للعيش، أجيال آباء زكريا وحنا وعازار كانوا أكثر عملية، الحياة بالنسبة لهم حسابات، حققوا ثروة، ولكنهم افتقدوا بالمقابل ثراء الحياة، وبهجة المغامرة التى عاشها أبناؤهم، حياة الآباء دفتر حسابات، وحياة الأبناء لعبة قمار.
لم يُصلِّ أحد على ضحايا الطوفان، أو المجازر، أو المجاعات، لوحة جديرة بالتأمل رسمها خالد خليفة، الذى تؤرقه التفاصيل إلى درجة الإملال والتكرار، تمنيتُ أيضا أن يتلون السرد بألوان الحكاية وشخصياتها، لا أن يسير بأسلوب واحد، ولكن تبقى الرواية مؤثرة، ذلك أنها تردد صدى مخاوفنا، وخيباتنا، وأحزاننا، ومعركتنا التى لا تنتهى، سواء فى ساحة الحب والحياة، أو فى ميدان الموت والتلاشى.

محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات