الأبعاد الوطنية لنزاع صعدة - العالم يفكر - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 8:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأبعاد الوطنية لنزاع صعدة

نشر فى : الثلاثاء 3 ديسمبر 2013 - 7:40 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 3 ديسمبر 2013 - 7:40 ص

كتب ناصر الربيعى، صحفى يمنى مقيم فى صنعاء، مقالا تحليليا نشر فى نشرة صدى على الموقع الإلكترونى لمركز كارنيجى الشرق الأوسط.

تناول الربيعى فى هذا المقال أبعاد الصراع اليمنى الدائر فى صعدة، حيث أوضح طبيعة طرفى النزاع والاختلافات المذهبية بينهما، وموقف كل منهما من النظام الحاكم الحالى فى اليمن. كما لفت الكاتب إلى التدخلات الإقليمية المقصودة لإذكاء هذا الصراع، رغم كونه صراعا داخليا بالأساس.

اشتدّت وتيرة العنف فى محافظة صعدة فى شمال اليمن خلال الشهر المنصرم، ولاسيما فى بلدة دماج. يجسّد النزاع فى الأصل التنافس بين القبيلتين المتناحرتين الأساسيتين، حاشد وبكيل، إلا أنهما تستعملانه أيضا من أجل الاستحواذ على النفوذ فى العاصمة صنعاء. وفى هذا الإطار، يسعى الطرفان (المشار إليهما بـ«جناحَى» الدولة فى اليمن)، اللذان يرتدى ولاؤهما ودعمهما أهمية كبرى فى حكم اليمن، إلى اكتساب مزيد من التأثير فى السياسة الوطنية خارج قاعدة نفوذهما الحالية فى الأجزاء العليا فى شمال البلاد.

بعد خوض ست حروب مع الحكومة فى صنعاء بين عامى 2004 و2010، سيطر عبدالملك الحوثى، زعيم قبيلة بكيل الشيعية، على كامل محافظة صعدة تقريبا، فضلا على عدد كبير من المناطق المجاورة التابعة تقليديا لقبيلة حاشد التى تتألف من السنّة فى جزء منها، ويقودها الشيخ صادق الأحمر (الذى زعم والده الراحل أنه شيخ مشايخ قبيلة حاشد). لكن على الرغم من تنامى سيطرة الحوثيين فى المنطقة؛ لا يزال هناك، حتى فى قلب محافظة صعدة ذات الغالبية الشيعية، حضور بارز للسلفيين المتحالفين مع قبيلة حاشد حاليا. يكاد الوجود السلفى فى صعدة يقتصر على جبل البراقة وبلدة دماج، خاصة مدرسة دماج التى تضم آلاف الطلاب من اليمن والخارج. لا يزال السلفيون أقلية فى صعدة، ويكتسب السلفيون المسالمون الذين انجرفوا فى النزاع، تعاطفا متزايدا من المواطنين اليمنيين فى مختلف أنحاء البلاد، وحتى فى الخارج؛ إذ يرون فيهم ضحايا مهضومى الحقوق فى النزاع. على الرغم من أن مدرسة دماج والقرى المحيطة بها لا تغطّى سوى مساحة كيلومترين مربعين تقريبا داخل محافظة صعدة الشاسعة والجبلية، إلا أنها تحظى بقدر كبير من الدعم والتعاطف من معارضى الحوثى، ومنهم عائلة الأحمر، وحزب الإصلاح الإسلامى السنّى، وحزب اتحاد الرشاد السلفى الذى أنشئ حديثا ــ وتشكّل بالتالى تهديدا للقبيلة الحوثية المسيطِرة. ويستغلّ حزب الإصلاح، لاسيما الشيخ عبدالمجيد الزندانى، قائد جناحه السلفى، ما يلحق بالسلفيين فى صعدة بهدف تعزيز الدعم الشعبى للحزب الذى يُعتبَر المجموعة المعارِضة الأكبر فى اليمن؛ الأمر الذى من شأنه أن يترافق مع دعم أهداف الحزب فى مؤتمر الحوار الوطنى حول مختلف المسائل، وليس فقط داخل فريق عمل قضية صعدة. وكذلك يشنّ حزب اتحاد الرشاد، على الرغم من ضآلة حجم الدعم له فى صفوف السلفيين فى دماج، حملات إعلامية منتظمة فى صنعاء، فى مسعى لاستخدام العنف فى دماج بهدف إثبات عدم فاعلية الحوار الوطنى فى ضمان سلامة العملية الانتقالية. نظرا إلى هذا الدعم الذى تحظى به دماج من قبيلة حاشد والسلفيين، يشعر الحوثيون أن تأثيرهم فى الشمال مهدّد، وكذلك قدرتهم على التأثير فى السياسة على المستوى الوطنى.

•••

ربما يصب النزاع المتواصل فى دماج فى مصلحة عبدربه منصور هادى، الرئيس اليمنى، إذ أنه من شأنه أن يمنحه حضورا وتأثيرا على صعيد البلاد إذا نجح فى التوسّط من أجل التوصل إلى اتفاق سلام بين القبيلتين. يدرك الرئيس هادى أن الشىء الوحيد الذى يبقيه حاليا فى السلطة هو الدعم الدولي؛ ومن شأن نزاع استنزافى فى صعدة أن يمنحه فرصة الظهور فى موقع الحكَم بين الفرقاء الضالعين فى الحرب المذهبية- القبلية فى دماج (خصومه لاسيما الحوثيين، وآل الأحمر، والجنرال على محسن، وأعضاء حزب الإصلاح وسواهم)، ما يُتيح له الإفادة من مواقعهم الضعيفة لممارسة تأثيره فى السياسة الوطنية والإقليمية. إذا نجح هادى فى دفع هذه المجموعات نحو التوصّل إلى تسوية فيما بينها، قد يحالفه الحظ ويتمكّن من الحفاظ على حضور على الساحة السياسية بعد انتهاء رئاسته المؤقتة. بيد أن هذه الاستراتيجية تستند إلى كون النزاع فى صعدة معقّدا بحيث يتعذّر على الفرقاء القبليين إيجاد حل له. ولا يستعجل هادى، بدفع من مصالحه الشخصية، تسوية التشنّجات قريبا، الأمر الذى قد يُهدّد الحوار الوطنى والعملية الانتقالية عبر السماح للنزاع المحلى بتعميق الانقسامات على الساحة الوطنية.

من شأن الأطراف الأخرى، لاسيما معارضى الثورة اليمنية، أن تحقّق أيضا مكاسب من استمرار النزاع فى الشمال، وعلى رأسها حزب الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح، المؤتمر الشعبى العام. فهم يحجمون علنا عن الانحياز إلى هذا الفريق أو ذاك فى حرب دماج، ويعتبرون أن النزاع يسلّط الضوء على التناقضات والعداوات بين الفرقاء المتناحرين ــ الحوثى والإصلاح والأحمر والجنرال محسن ــ الذين كانوا القوى الأساسية خلف ثورة 2011 ضد صالح. والآن يعمل حلفاء صالح على تشويه سمعة الثورة عبر الإشارة إلى الوضع الأمنى المتدهور، واستمرار العنف والتحزّب فى اليمن. وقد بدأ المؤتمر الشعبى العام شبه العلمانى يحصد نتائج مواتية من موقفه هذا، إذ يكتسب دعما فى أوساط عدد كبير من اليمنيين المقتنعين بأن الفرقاء المتناحرين فى دماج يستخدمون الدين والمذهبية لتحقيق مآرب سياسية.

•••

على الرغم من أن حرب دماج هى نزاع مذهبى داخلى وليست نزاعا إقليميا، كما تُصوَّر أحيانا، فإنه من شأن الأطراف الخارجية ــ السعودية وإيران تحديدا ــ أن تجنى مكاسب من النزاع السنّى ــ الشيعى الدائر فى صعدة. تريد إيران مساعدة الشيعة الحوثيين على التوسّع، لاسيما فى محاولة لبناء حضور سياسى ــ عسكرى صديق عند الحدود مع السعودية. أما السعودية، فتدفع من جهتها فى الاتجاه المعاكس عبر السعى إلى تمكين الوهّابيين السلفيين فى مختلف أنحاء اليمن بهدف تعزيز نفوذها فى السياسة اليمنية. وقد انضمّ تنظيم القاعدة إلى النزاع أيضا كفريق فى الحرب ضد الحوثيين، إلا أن السلفيين المحليين نفوا تورّط القاعدة، ربما لقطع الطريق أمام الحوثى كى لا يتمكّن من التذرّع بأنه يُقاتل تنظيما إرهابيا.

يُشير اغتيال عبدالكريم جدبان، النائب فى البرلمان اليمنى وعضو فريق عمل قضية صعدة فى الحوار الوطنى، داخل العاصمة صنعاء فى 22 نوفمبر الماضى، ومحاولة اغتيال محمد العماد، رئيس تحرير صحيفة «الهوية» الموالية للحوثيين قبل يوم من اغتيال جدبان، إلى أن الحرب فى دماج تنتقل إلى صنعاء. فقد أُنشِئت حواجز تفتيش تابعة للحوثيين فى مناطق على غرار حى الجراف شمال صنعاء، وحفر أتباع الحوثى فى ساحة التغيير فى العاصمة اليمنية، خنادق وأقاموا متاريس على مقربة من المكان الذى يعتصمون فيه داخل خيمهم منذ عام 2011. وقد تدهور الوضع الأمنى فى صنعاء بعد اغتيال جدبان، ومطالبة على البخيتى، الناطق الإعلامى باسم الحوثيين، الرئيس هادى بإقالة وزير الداخلية ورؤساء الأجهزة الاستخباراتية الذين اتّهمهم بالتخطيط للاغتيال. وقد شدّد نجيب غلاّب، أستاذ مادّة السياسة فى جامعة صنعاء «خلافا للحروب الستة السابقــة مع الحكومة، لن ينجح الحوثى لأنه يحارب أقلّية». وأضاف «هذه المرة سيتم التعاطف مع الأقلية السلفية فى دماج، وإذا استمرّت الحرب، سيكون الحوثى الخاسر الأكبر».

يتسبّب الفرقاء الوطنيون والإقليميون الساعون إلى استغلال النزاع لتحقيق مآربهم الخاصة وتعزيز نفوذهم، بتقويض مؤتمر الحوار الوطنى ومسار الانتقال السياسى. هذا فضلا على أن العملية الانتقالية ترزح أصلا تحت وطأة العديد من المسائل الشديدة التعقيد، ما يُبدّد الآمال المتبقّية بنجاح مؤتمر الحوار الوطنى فى اليمن.

التعليقات