تعزيز التقارب الصيني الروسي - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 4:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تعزيز التقارب الصيني الروسي

نشر فى : الثلاثاء 4 أبريل 2023 - 8:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 4 أبريل 2023 - 8:20 م
لقد حظيت القمة التى جمعت الرئيس الصينى شى جين بينج والرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى موسكو فى 21 مارس 2023 بأكبر قدر من الاهتمام العالمى على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، خاصة أن زيارة الرئيس الصينى استمرت على مدى ثلاثة أيام تم خلالها بحث سبل تنمية العلاقات الثنائية بين البلدين فى جميع المجالات، وتبادل الآراء بشأن جميع القضايا الإقليمية والدولية التى تمثل تحديا لهما أو تؤثر على مصالحهما أو تحظى باهتمامهما. وكلاهما، بكين وموسكو، يريدان إحداث نقلة نوعية فى موازين القوى والعلاقات الدولية، وتريان أن الأوضاع الدولية قد تغيرت، وأنهما بمزيد من التقارب والتعاون المشترك بينهما يمكنهما إعادة صياغة توازن القوى الدولى وتغيير الرؤية الأمريكية عن تزعم الولايات المتحدة ودول الناتو (حلف شمال الأطلنطي) النظام الدولى.
ولعل من الدوافع المهمة لتعزيز التقارب الصينى الروسى سياسة التصعيد والتحدى الأمريكية وحالة الاحتقان والمناكفات المستمرة، وتوسيع دائرة التعاون العسكرى بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول شرق أوروبا المحيطة بروسيا، والدول الآسيوية القريبة من الصين واستفزازها بالعلاقات مع تايوان، رغم الاتفاق الأمريكى الصينى بوجود دولة صينية واحدة بنظامين سياسيين مختلفين. وقد دفعت هذه السياسة الأمريكية المستفزة روسيا بالقيام بعمليات عسكرية فى جورجيا والاستيلاء على شبه جزيرة القرم من أوكرانيا فى عام 2014، والرد الأمريكى والغربى بفرض عقوبات على روسيا، ووقف العمل باتفاق المشاركة بينها والناتو، ووقف دعوتها لحضور اجتماعات مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى. ووقعت الحرب الأوكرانية ببدء العمليات العسكرية الروسية فى أوكرانيا فى 24 فبراير 2022، وبالتوازى مع ذلك تأكيد واشنطن بين الحين والآخر أن الصين هى التحدى والخطر الذى يواجه الولايات المتحدة. وما تزال واشنطن تحتفظ بقاعدة عسكرية كبيرة فيها نحو 27 ألف جندى أمريكى مزودين بأحدث الأسلحة فى كوريا الجنوبية شمال الصين، والقاعدة العسكرية الأمريكية فى أوكيناوا فى اليابان شرق الصين، وتحالف أوكوس (AUKUS) بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا، مع تحديث الأسلحة البحرية الأسترالية، إلى جانب القاعدة العسكرية الأمريكية الضخمة فى جزيرة جوام شرق الصين. وقد أشار الرئيسان الصينى والروسى إلى أن حلف الناتو يعمل على تدعيم تحالفاته فى آسيا والمحيط الهادى. ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تحيى من جديد سياسة احتواء الخصوم بالقواعد والتحالفات العسكرية، وتدرك أن الصين وروسيا سيصطفان فى المقابل فى مناخ يسوده التوتر والاستقطاب عملا بنظرية التحدى والاستجابة للتغلب على ما تواجهه الولايات المتحدة الأمريكية داخليا من انقسامات سياسية وعرقية وأزمات اقتصادية ومالية وتراجع ملحوظ لدورها دوليا مع تراجع مصداقيتها فى عدة مناطق من العالم.
وإن متابعة السياسات الروسية والصينية خلال العقدين الأخيرين، بل منذ تسعينيات القرن العشرين، يلاحظ أنهما لم يتوقفا عن إرساء لبنات وأسس تعاون مشترك لمواجهة السياسة الأمريكية وحلف الناتو، فعندما انتهت الحرب الباردة وتم حل حلف وارسو الذى كان يتزعمه الاتحاد السوفيتى الذى تفكك، بقى حلف شمال الأطلنطى، بل انضمت إليه عدة دول من شرق أوروبا كانوا أعضاء فى حلف وارسو. وإزاء عدم وجود توازن قوى دولى تزعمت روسيا والصين دول مجموعة البريكس، التى تضم معهما الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، لتكون موازية لمجموعة السبع للدول الصناعية الكبرى. كما تم إنشاء منظمة شنغهاى للتعاون، والتى تضم إلى جانب الصين وروسيا سبعة أعضاء آخرين من بينهم إيران وباكستان والهند، ويقترب عدد سكان دول هذه المنظمة من نحو نصف سكان العالم، وهى منظمة سياسية واقتصادية وأمنية. وقد رفضت هذه المنظمة طلب الولايات المتحدة الأمريكية فى عام 2005 أن تكون عضوا مراقبا فيها. ويرى الخبراء الغربيون أن منظمة شنغهاى للتعاون يمكن اعتبارها تجمعا مقابلا بصورة أو أخرى للناتو.
• • •
لذا، فإن القمة الصينية الروسية تستند إلى قاعدة عريضة من العلاقات والتعاون بين بكين وموسكو، وفى نفس الوقت هدفها أن ترتقى بهذه العلاقات إلى مستويات أعلى. وقد أكد البيان المشترك الصادر عقب زيارة الرئيس الصينى لروسيا على عدة نقاط منها أن العلاقات بين البلدين قائمة على مشاركة شاملة وتعاون استراتيجى وأنها تدخل عصرا جديدا، وأنها ذات أهمية حيوية للنظام العالمى الحديث ولمصير البشرية. وتمسك الصين بموقف موضوعى وغير منحاز بشأن الأزمة الأوكرانية، وأنها تعمل على تعزيز المصالحة واستئناف المفاوضات لحلها، والتنويه بالمبادرة الصينية فى فبراير 2023 المسترشدة بأهداف ومبادئ الأمم المتحدة، وأن موقفها مبنى على جوهر القضية والحوار من أجل السلام. وتأييد الحفاظ على القطب الشمالى منطقة سلام وتعاون وبناء، ودعم سيادة واستقلال ووحدة أراضى كل من سوريا وليبيا، وتأييد حل سياسى فيهما بقيادة سورية وقيادة ليبية. وعدم قبول استبدال مبادئ القانون الدولى وقواعده المعترف بها، ومعارضة فرض دولة وحدها لقيمها على دول أخرى، ورفض ما يسمى «الديمقراطية الأعلى»، ودعوة الناتو لاحترام سيادة الدول الأخرى ومصالحها، ومعارضة التدخل الخارجى فى الشئون الداخلية. وتأكيد أن العلاقات الصينية الروسية وصلت إلى أعلى مستوى فى تاريخها، من المشاركة الشاملة والتفاعل الاستراتيجى لتدخل عصرا جديدا، وأن البلدين يساهمان فى انتعاش اقتصاد العالم فى فترة ما بعد جائحة كورونا، ويضمنان الأمن الغذائى، وأن العلاقات بينهما ليست تحالفا عسكريا ومواجهة، وليست موجهة ضد دول أخرى، وأنهما ضد سياسة القوة والتفكير فى الحرب الباردة.
قد شبه الرئيس بوتين المفهوم الاستراتيجى الجديد لحلف الناتو بالتخطيط لتطوير علاقاته مع دول آسيا والمحيط الهادى، وإنشاء تحالف عالمى، بالتحالف العسكرى لقوى المحور خلال الحرب العالمية الثانية. وقال بوتين إن مبادرة الصين يمكن أن تكون أساسا للمفاوضات بشأن الأزمة الأوكرانية. بينما حث وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن بكين للضغط على روسيا لإنهاء الحرب فى أوكرانيا، وقال إن على العالم ألا ينخدع بأى قرار تكتيكى من جانب روسيا بدعم صينى أو أى دولة أخرى، وذلك بتجميد الحرب بشروط روسيا. واعتبرت واشنطن أن وقف إطلاق النار فى الحرب الأوكرانية هو لصالح روسيا، وأن المبادرة الصينية لا تتضمن شيئا إيجابيا، وأنها تتيح للرئيس بوتين إعادة ترتيب قواته وإحكام قبضته على الأراضى التى يسيطر عليها فى أوكرانيا. كما روجت واشنطن لمقولة أن الصين «تفكر» فى إمداد روسيا بالأسلحة، وكأنها تقرأ أفكارها وتعلم ما تفكر فيه، وقد نفت الصين ذلك. بينما الحقيقة أن روسيا تعد من أكبر دول العالم المنتجة والمصدرة للأسلحة التقليدية، وهى المستخدمة فى الحرب الأوكرانية حتى الآن، وفى المقابل تحشد دول الناتو الأسلحة من كل الدول الأعضاء وتقدمها لأوكرانيا.
• • •
قد تم اتفاق صينى روسى على زيادة التبادل التجارى بين البلدين من نحو 150 مليار دولار أمريكى سنويا فى السنوات الأخيرة إلى نحو 200 مليار دولار أمريكى فى السنة. وهذا هدف يمكن تحقيقه فى فترة قصيرة، خاصة مع استمرار الحرب الأوكرانية والعقوبات على روسيا، والتى أدت إلى زيادة كبيرة فى صادرات البترول والغاز الروسى للصين بأسعار أقل من الأسعار العالمية. كما تم الاتفاق على إنشاء خط أنابيب آخر لتصدير الغاز إلى الصين، وهو خط «قوة سيبيريا 2» ليتكامل مع خط «قوة سيبيريا 1»، وسيربط الخط الجديد سيبيريا بشمال غربى الصين. وأكد الرئيس بوتين أنه بإمكان روسيا تلبية الطلب المتزايد للصين على مصادر الطاقة.
وقد ورد فى تغريدة للرئيس بوتين على تويتر أنه يعمل مع الصين فى تضامن لتشكيل نظام عالمى متعدد الأقطاب، وأكثر عدلا وديمقراطية، والذى يجب أن يقوم على أساس الدور المركزى للأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها، والقانون الدولى، وأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. والحقيقة أنه، إذا طبقت فعليا هذه التغريدة، فإنها تعنى بوضوح وفقا للقانون الدولى ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، احترام سيادة واستقلال وسلامة أراضى الدول، وأنه إذا أخذ بذلك مع المبادرة الصينية بشأن الحرب فى أوكرانيا، فإنه يصبح ممكنا التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة الأوكرانية بدلا من استمرار حرب مدمرة ستنتهى يوما ما إلى الجلوس على مائدة المفاوضات.
يلاحظ أيضا من الناحية العملية أن أبواب التبادل التجارى مفتوحة بين روسيا ومنظمة شنغهاى للتعاون، ومجموعة البريكس، وأغلبية الدول الأفريقية والعربية، حيث إنهم لم يطبقوا العقوبات الاقتصادية على روسيا. كما أن ارتفاع أسعار الطاقة، وخاصة البترول والغاز من ناحية، وتصدير روسيا البترول والغاز بأسعار أقل من الأسعار العالمية من ناحية أخرى، يغرى كثير من الدول بعدم الالتزام بالمقاطعة الاقتصادية المفروضة عليها، بل أن بعض دول الناتو قد تلجأ لأطراف ثالثة للحصول على البترول والغاز الروسى بأسعار أفضل من الأسعار الأمريكية.
كما يلاحظ من الناحية السياسية أن الصين حرصت على طرح مبادرة للسلام فى أوكرانيا والدعوة إلى وقف إطلاق النار وبدء مفاوضات من أجل تسوية سلمية بين روسيا وأوكرانيا. وقد جاء هذا الطرح قبيل القمة الصينية الروسية ليبدو وكأنه استجابة لمطالب عدد من الدول الأوروبية لأن تضطلع الصين بدور مهدئ فى الأزمة الأوكرانية من ناحية، ودرءا لأى اتهام بتحيز الصين لروسيا من ناحية أخرى. وقد استقبل الرئيس بوتين المبادرة الصينية بذكاء سياسى وأعلن أنها يمكن أن تكون أساسا للمفاوضات، وذلك حتى لا يبدو أنه رافض لها ومصر على الاستمرار فى الحرب. هذا فى مقابل الرفض الأمريكى للمبادرة، واشتراط الرئيس الأوكرانى انسحاب القوات الروسية من الأراضى الأوكرانية التى استولت عليها للبدء فى المفاوضات.
إن الصين، ولديها قضية تايوان التى تمثل مصدر احتكاك وتأزم بينها والولايات المتحدة، تترقب عن كثب مسار الحرب الأوكرانية وما ستنتهى إليه من نتائج بالنسبة لروسيا. كما أن استمرار الحرب الأوكرانية، كما يرى بعض المراقبين الغربيين، يحقق مكاسب اقتصادية للصين سواء بحصولها على طاقة رخيصة ومضمونة من روسيا، أو بتعزيز التعاون الاستراتيجى فى جميع المجالات بما فيها التدريب العسكرى المشترك وتكنولوجيا صناعة الأسلحة الحديثة مع موسكو. أما بالنسبة لروسيا، فإن تعزيز تعاونها الاستراتيجى مع الصين يقوى من قدراتها الاقتصادية على الاستمرار فى الحرب الأوكرانية ويحقق واحدا من أهم طموحاتها وهو تغيير موازين القوى الدولية ومواجهة والحد من النفوذ الأمريكى والناتو فى عدة مناطق فى العالم، فى شرق أوروبا وآسيا وأفريقيا، وجعل القمة الصينية الروسية انطلاقة جديدة نحو التعددية فى موازين القوى الدولية.
رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات