على تهافته، ليس مصطلح «أهل الشر» الذى يلصقه الحكم فى مصر بمن يصنفهم حاليا فى خانات الأعداء والمعارضين بمجهل الهوية أو بنادر الحضور فى سياقات نظم الاستبداد والحكومات السلطوية.
كان اليهود الألمان والأوروبيون هم «أهل الشر» الذين وصمتهم النازية بالتدنى، وألحقت بهم طيفا واسعا من التوصيفات العنصرية من «الرائحة الكريهة» مرورا «بشهوة المال وسلوكيات المرابين» إلى «الخيانة والتآمر» ونشر «الانحطاط الأخلاقى» والفساد. حملت النازية اليهود الأشرار مسئولية إخفاق «الجنس الآرى» فى الاضطلاع بحقه الطبيعى فى قيادة العالم، وعزت هزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الأولى (١٩١٤ ــ ١٩١٨) إلى «مؤامرة عالمية» لليهود استهدفت تدمير «الحضارة الألمانية» ومعها هدم الدولة والمجتمع، وربطت «الخلاص» بالنصر النهائى على اليهود الذى عرف كإبادة شاملة.
ولأن النازية جاءت كنتاج للنزعات العنصرية والأفكار المعادية للسامية التى مثلت فى بدايات القرن العشرين مكونا أساسيا للثقافة السائدة فى ألمانيا، لم يكن مفاجئا أن يلصق باليهود الأشرار كل المكروه شعبيا من خصائص فسيولوجية متوهمة بجانب كل المرفوض شعبيا من صفات وسلوكيات متوهمة أيضا. فى عالم النازية، للذكر اليهودى جسد يجمع بين البدانة وقصر القامة، ووجه له أنف مقوس وعينان جاحظتان، وجميع ذلك على النقيض من «الرجال الآريين» أصحاب الأجساد الفارعة والأنف الصغير والأعين الزرقاء والفحولة الذكورية (تماثيل آلهة اليونان والمحاربين الأبطال فى الإمبراطورية الرومانية كانت مصدر توصيف السمو الفسيولوجى للرجال الآريين). أما الأنثى، ولأن المرأة فى الأفكار العنصرية والمعادية للسامية هى «منبع الشر والخطر»، فخصائصها الفسيولوجية تجمع بين ما صنفته النازية قبيحا (كالقوام القصير والأعين السوداء) وما اعتبرته غواية (كالشعر أحمر اللون فى استدعاء للصور النمطية عن الساحرات اللاتى حرقتهن الكنائس فى العصور الوسطى).
وفيما بعد، استنسخ نهج النازية العديد من نظم الحكم الفاشية والمستبدة والسلطوية التى بحثت عن «أهل الشر» الذين يتهمون دوما بالخيانة والتآمر وتعطيل المسيرة ويحملون بمسئولية الهزائم والإخفاقات عوضا عن مساءلة ومحاسبة الحكام، ووجدت ضالتها إما فى معارضى الداخل وإما فى القوى الإقليمية والدولية المناوئة. وفى السياقين الداخلى والخارجى، تجاوز تعريف ووصم «أهل الشر» الصفات والسلوكيات المرفوضة شعبيا إلى الخصائص الفسيولوجية المكروهة شعبيا.
هكذا وصمت الأحزاب الشيوعية الحاكمة فى الاتحاد السوفييتى السابق وأوروبا الشرقية (حتى الانهيار فى نهاية ثمانينيات القرن العشرين) الكتاب والمفكرين والمبدعين المتمسكين بحرية التعبير عن الرأى «كأعداء الشعوب»، وكمنشقين يتآمرون مع الرأسمالية العالمية (الشر الأعظم) لإسقاط التجارب الشيوعية، وألصقت وهما بالمنشقين الأشرار فى الأعمال الفنية خصائص فسيولوجية مذمومة كالبدانة والشراهة وصنوف الإدمان لتبيان التناقض بينهم وبين«الإنسان الشيوعى» (الإنسان السوفييتى) الرياضى والمتحكم فى رغباته والواعى صحيا لشخصه ولدوره فى المجتمع (المختزل إلى عجلة الإنتاج).
وعلى ذات الدرب سارت الفاشيات العسكرية ــ الأمنية ونظم الاستبداد والسلطوية فى أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا، ولم تحد عن نهج تعيين ووصم «أهل الشر» بلاد العرب وبقية الشرق الأوسط. وعبرت إيران ما بعد الثورة الإسلامية (١٩٧٩) عن التوظيف الأشمل للمصطلح الذى طال الولايات المتحدة الأمريكية كالشيطان الأكبر، ومعارضى الداخل والمطالبين بالديمقراطية والمدافعين عن حقوق الإنسان كأعوان الشيطان الأكبر، وإسرائيل والوهابيين كشيطانين يستدعيان أو لا يستدعيان وفقا لظروف السياسة وعلاقات القوة. وفى البروباجاندا الرسمية للجمهورية الإسلامية، ألحقت بالمسئولين والسياسيين الأمريكيين الكثير من صفات وسلوكيات أهل الشر اليهود فى عالم النازية، بل وبعض الخصائص الفسيولوجية المتوهمة. ولم تكن ثنائيات جورج بوش (٢٠٠٠ ــ ٢٠٠٨) إما «معنا وإما ضدنا» و«تحالف قوى الخير فى مواجهة الشر» الذى يمثله الإرهاب والتطرف سوى الدليل القاطع على قابلية الديمقراطيات فى لحظات استثنائية للوقوع فى كارثة استخدام مصطلح متهافت كأهل الشر.
وإذا كان الحكم فى مصر يعتزم استخدام ذات المصطلح وتطوير مكارثيته باتجاه تصنيف رافضى السلطوية والمطالبين بالديمقراطية والمدافعين عن حقوق الإنسان كأهل شر، فالأفضل له التفكير فى سبل تطوير خطابه الزائف باتجاه المزج بين إلصاق الصفات والسلوكيات المرفوضة شعبيا بمعارضيه وبين استدعاء الخطاب الذكورى التقليدى لكى تلصق بهم زيفا أيضا خصائص فسيولوجية مكروهة ومدانة شعبية (كالتخنيث والضعف الجنسى فى مقابل فحولة الذكور الملتحقين بالحكم ودوائره).