مساهمة مصرية فى الحوار الدائر حول نزع السلاح النووى - نبيل فهمي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 12:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مساهمة مصرية فى الحوار الدائر حول نزع السلاح النووى

نشر فى : الجمعة 4 سبتمبر 2009 - 10:15 ص | آخر تحديث : الجمعة 4 سبتمبر 2009 - 10:15 ص
يعقد اجتماع لمجلس الأمن للأمم المتحدة يوم 24 سبتمبر على مستوى القمة برئاسة الرئيس الأمريكى أوباما، لبحث موضوعات الأمن الدولى وعلى رأسها قضايا نزع السلاح والانتشار النووى. ويحظى هذا الاجتماع باهتمام متزايد فى ضوء ما طرحه الرئيس الأمريكى فى الخطاب الذى ألقاه فى مدينة براج منذ أشهر قليلة حول الدعوة للوصول إلى عالم خال من السلاح النووى. وهى الدعوة المعروفة بالصفر النووى أو الـNuclear Zero. وقد فوجئ الكثيرون بهذه الدعوة معتبرين أنها دعوة خيالية، ومثالية، ومخاطرة من رئيس جديد وشاب ليس له خبرة فى موضوعات الأمن الدولى، متجاهلين فى ذلك أن هذه الفكرة أطلقتها قبل أوباما مجموعة من المسئولين الأمريكيين السابقين المعروفين بمواقفهم القوية، بل المتشددة، فيما يتعلق بحماية الأمن الأمريكى، وهما شولتز وكيسنجر وزيرا الخارجية لريتشارد نيكسون ورونالد ريجان أثناء الحرب الباردة، وويليم بيرى وزير الدفاع السابق، وسام نان عضو مجلس الشيوخ السابق والمتخصص فى قضايا نزع السلاح.

وما يعطى لاجتماع مجلس الأمن وضعية خاصة، أنه يعقد فى مرحلة تتم فيها إعادة تقييم العلاقة الأمريكية الروسية، مع انتخاب ميدفيديف وأوباما. وغنى عن القول أن الأسلحة النووية على رأس عناصر هذا التقييم، خاصة أن اتفاقية الحد من الأسلحة الإستراتيجية SALT تنتهى خلال شهر ديسمبر من هذا العام. لا يقتصر الاهتمام بهذا الاجتماع على أمريكا وروسيا، أو حتى حلفائهم، أو أعضاء مجلس الأمن، فالمجتمع الدولى سيتابعه لخطورة السلاح النووى على الأمن الدولى عامة، ولأنه يضع الأرضية السياسية للتعامل مع مسألة نزع السلاح النووى وعدم الانتشار لأعوام قادمة، وسيؤثر مباشرة على اجتماعين مهمين خلال 2010، وهما اللذان يدعو لهما أوباما، الأول فى شهر مارس القادم حول «الأمان والأمن النووى» “Nuclear Security”، أى تأمين المواد والمرافق النووية، وتجنب استغلال الجماعات الإرهابية لها فى تهديد مجتمعاتنا، والآخر هو مؤتمر مراجعة معاهدة عدم الانتشار النووى المحدد له شهر مايو 2010، وهى الاتفاقية الحاكمة فى تنظيم عدم انتشار الأسلحة النووية واستفادة أغلب دول العالم من المواد والتكنولوجيا النووية.

لا يخفى على أحد أن تدميرها جميع الأسلحة النووية سيكون أمرا بالغ الصعوبة، وأنه إذا تحقق سيحتاج إلى وقت غير قصير، وهو ما اعترف به الرئيس أوباما نفسه. مع هذا فلا أعتبر أن الدعوة لإخلاء العالم من هذه الأسلحة يعكس تفكير حالم، بل علينا أن نتساءل لماذا طرحت هذه الدعوة الآن؟ ومن شخصيات لها وزنها، كانت تؤيد هذه الأسلحة فى الماضى، وكل ما ارتبط بها من نظريات «الردع».. الخ.

الإجابة عن هذا السؤال واضحة لكل من يترك لنفسه حرية التفكير العميق، فالأسلحة النووية ظهرت فى مرحلة تاريخية بعد الحرب العالمية الثانية التى شهدت ولادة صراع بين قطبين رئيسيين، وأصبحت هذه الأسلحة جزءا أساسيا من ترسانتها العسكرية، ولذلك سعى عدد من الدول الأخرى إلى حيازة السلاح النووى تدعيما لمكانتها السياسية، ولكن بعد أن انتهى عالم القطبين مع تفتيت الاتحاد السوفييتى، وانهيار حلف وارسو، ولم تعد أمريكا وروسيا تنظران لبعضهما بنفس المنظور العدائى بصرف النظر عن وجود بعض الحسابات بينهما، مما دفع المحللين لإعادة تقييم فوائد ومخاطر تواجد هذه الأسلحة فى ترسانتهم.

أعتقد أن الغالبية العظمى من المحللين السياسيين يؤمنون تماما أن اغلب المخاطر التى تهدد روسيا أو الولايات المتحدة ليست القوة العسكرية للطرف الآخر. وألاحظ من متابعتى لهذا الموضوع فى محافل مختلفة تزايد الأصوات الداعية فى العالم الصناعى المتقدم، بما فى ذلك أمريكا وروسيا، إلى أن المخاطر الحقيقية المستحدثة هى فى حصول دول جديدة على هذه الأسلحة، أو انتشار هذه التكنولوجيا إلى «جماعات غير حكومية»، مما يضع هذه الأسلحة فى أيدى دول وجماعات يصعب تقدير حكمة تصرفها فى التعامل مع استخدام الأسلحة النووية، أى أن استمرار هذه الأسلحة فى ترسانات الدول العظمى لا تحقق لها الأمان المطلوب، أو تؤمنها من السلاح النووى لأن المسألة لم تعد حماية توازن أمنى مع الغير وإنما التعامل مع مخاطر الانتشار النووى وأطراف عديدة يصعب حساب أسلوب تعاملها مع هذه التكنولوجيا الخطيرة.

وألاحظ أيضا، وهذا تطور إيجابى، أن المزيد من الدول الصناعية أيقنت أن سعيها لوضع مزيد من القيود على حصول دول غير نووية على تكنولوجيا نووية سلمية لن تحظى بقبول عالمى، إلا إذا بادرت الدول النووية باتخاذ خطوات حقيقية فى مجال نزع السلاح النووى، وهذا ما أتوقع أن يكون الطرح الرئيسى والجامع فى اجتماع مجلس الأمن فى منتصف سبتمبر الجارىDisarmament for Non Proliferation. فالدول النووية ستتحدث عن منهجية عمل تشمل خطوات مجال نزع السلاح النووى من جانبها مقابل موافقة الدول غير النووية على وضع مزيد من القيود أمام استخدامها للتكنولوجيا النووية، فى شكل ضمانات، وتفتيش دولى، وتقييد لحيازة دائرة الوجود النووى، وإنشاء صناديق دولية أو إقليمية للوقود النووى.

سواء وافقنا أم أبينا، «المزيد من نزع السلاح النووى مقابل المزيد من القيود على استخدام التكنولوجيا النووية» هى المعادلة التى سيكون علينا التعامل معها خلال الأعوام القادمة، بل اعتبارا من الأسابيع القادمة واجتماعات مجلس الأمن على مستوى القمة.

تمسكت مصر دائما بأن معاهدة عدم الانتشار النووى تلزم الدول النووية بخطوات جادة لنزع السلاح النووى، وأن الدول غير النووية، بالتزامها بعدم حيازة الأسلحة النووية، حصلت على حق الاستفادة الكاملة من التكنولوجيا النووية، وهو موقف سليم ومنطقى. كما كانت لمصر مبادرات عديدة فى مجال نزع السلاح النووى منذ عام 1974، ثم مبادرة الرئيس مبارك لعام 1990 لإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل ــ النووية، الكيميائية، والبيولوجية ــ فى الشرق الأوسط. لذا فمصر مؤهلة تماما لطرح عدد من الأفكار والمبادرات للإسهام فى بلورة التوجه الدولى، بما يجعله أكثر نشاطا فى مجال نزع السلاح النووى وبهدف إبراز انحسار فوائد السلاح النووى، بغية الحد من مخاطر تلك الأسلحة وضمان الوصول إلى معادلة أكثر عدالة بالنسبة لاستفادة جميع الدول غير النووية التى تطبق نظام الضمانات الدولية للاستخدامات السلمية للطاقة النووية.

وهناك العديد من الاقتراحات التى يمكن طرحها، أعرض فيما يلى عددا محدودا منها تستهدف تحقيق أهداف محددة هى:

إبراز أن السلاح النووى لا يحقق للدول النووية أو غيرها الأمن أو الأمان المنشود.

تأمين الدول غير النووية من مخاطر الأسلحة النووية.

تفعيل المبادرات الإقليمية لنزع السلاح النووى خاصة بالنسبة للشرق الأوسط.

ضمان استفادة الدول غير النووية من الاستخدامات السلمية للتكنولوجيا النووية.

إنما قبل تناول مضمون هذه الاقتراحات أو الأطروحات المصرية، لعلى أتعرض أولا للشكل المناسب أو الأفضل لعرضها.. فاجتماع مجلس الأمن يعقد على مستوى القمة، ويتطلب ذلك طرح أفكارنا بالشكل الذى يتناسب مع مستوى الحدث، وحيث إنه يصعب تصور حضور الرئيس مبارك شخصيا اجتماع المجلس، نظرا لوجوده بالولايات المتحدة منذ أسابيع قليلة، فاقترح أن يصدر بيانا عن رئاسة الجمهورية بهذه المناسبة وقبل انعقاد المجلس بفترة قصيرة، يتضمن الأفكار والأطروحات المصرية باسم السيد الرئيس، وعلى أن يعقبها مباشرة إرسال خطابات شخصية من سيادته إلى رؤساء الدول الأعضاء بمجلس الأمن، وسكرتير عام الأمم المتحدة، فضلا عن توزيع خطاب كمستند رسمى لمجلس الأمن ليعتبر وثيقة دولية.

اقترح أيضا تحديد أن تطالب مصر على لسان السيد الرئيس بالآتى:

أولا: أن يصدر قرار عن مجلس الأمن يدعو إلى تحقيق نزع السلاح النووى الكامل على مستوى العالم قبل عام 2030، وأن يشكل المجلس مجموعة خبراء لوضع إطار للمفاوضات الثنائية والمتعددة الأطراف المطلوبة لتحقيق هذا الهدف، على أن تعرض خلاصات تلك المجموعة على المجلس ومن بعده على الجمعية العامة قبل سبتمبر 2010. وهناك سوابق كثيرة لوضع برنامج لنزع السلاح النووى منها مشروع رئيس وزراء الهند السابق راجيف غاندى، وما يسمى بالنقاط 13 التى تم إقرارها فى مؤتمر مراجعة معاهدة عدم الانتشار النووى عام2000.

ثانيا: أن يصدر مجلس الأمن قرارا ملزما تحت الفصل السابع من الميثاق «بحظر استخدام الأسلحة النووية ضد الدول غير النووية الأطراف بمعاهدة عدم الانتشار النووي» بما يحقق مزيدا من الأمان لتلك الدول من مخاطر هذه الأسلحة مادامت انضمت لمعاهدة عدم الانتشار.

ثالثا: أن يحرك مجلس الأمن الجهود الداعية لإنشاء مناطق خالية من السلاح النووى فى مناطق مختلفة، خاصة بالشرق الأوسط، والتى أبدت مصر منذ عام 1974 خلوها من السلاح النووى، وذلك من خلال تعيين منسق خاص لمجلس الأمن أو لمعاهدة عدم الانتشار النووى لإجراء الاتصالات مع الدول المعنية وبدء مفاوضات نحو هذا الهدف، مع الإعلان عن استعداد مصر استضافة المفاوضات الخاصة بإخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية.

رابعا: أن يؤكد مجلس الأمن أن استفادة الدول غير النووية الأعضاء بمعاهدة عدم الانتشار من التكنولوجيا النووية السلمية حق أصيل، وأن الجهود الرامية إلى تنشيط وسائل التفتيش والمراقبة ومنع انتشار الأسلحة النووية لا تنتقص من هذا الحق ومن تطبيقه بمعايير واحدة على الجميع ودون استثناء.

ختاما قد يدفع البعض بأن مشاركة مصر فى مثل هذا النقاش سيجذب الانتباه عن الجهود التى تبذلها فى مجال تحقيق السلام فى الشرق الأوسط، أو أنه لا داعى لطرح أفكار قد لا توافق عليها الولايات المتحدة وتدخلنا فى اختلاف معها بعد الزيارة الناجحة التى قام بها الرئيس مبارك إلى واشنطن أخيرا، ومع احترامى لهذه الآراء أراها قاصرة لأنها تجعل ساحة التحرك السياسى المصرى محصورة فى عملية السلام بما يتنافى مع السوابق التاريخية، كما تعكس عدم تقدير لحجم التغيير الذى فرضه الرئيس أوباما، أو مهم لقوة العلاقات والمصالح المتبادلة بين مصر وأمريكا، والذى من الصعب أن تتأثر جذريا باتفاق أو خلاف حول موضوع واحد.

أضيف إلى كل ذلك أن التحرك المصرى المقترح مرجعه المسئولية التى تحملها مصر لحماية أمنها القومى والشرق الأوسط ملىء بمخاطر السلاح النووى، ويتسق تماما مع دورها الإقليمى والدولى المطلوب أن تلعبه فى هذه المرحلة التاريخية المهمة.

سفير مصر السابق فى واشنطن وعميد كلية السياسات بالجامعة الأمريكية فى القاهرة

 

نبيل فهمي وزير خارجية مصر السابق، والعميد المؤسس لكلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات