تغرق غزة فى مآسيها اليومية، من قصف وتجويع وتهجير قسرى، بينما تبدو سماء هوليوود ودوائر الفن العالمى صافية، لا يعكرها دخان العدوان، ولا يحرّكها وجع الأطفال تحت الركام.
الصمت، أو التخاذل إن صحّ التعبير، يُسجل موقفًا مخزيًا لأسماء لطالما رفعت شعارات العدالة وحقوق الإنسان فى أفلامها وعلى السجادة الحمراء فى محافل دولية كبيرة.
أين ذهب الضمير الفنى العالمى فى تلك اللحظات المأساوية الهادرة لكل حقوق الإنسانية؟!
لطالما كان الفن مرآةً للواقع، ورسالةً تتجاوز الترفيه لتصبح صوتًا للحق والمظلومين، لكن فى ملف غزة، نادرًا ما ارتفع هذا الصوت، بل بدا وكأن هناك اتفاقًا غير معلن على الصمت أو التجاهل، وكأن الأطفال الفلسطينيين لا يستحقون التضامن، أو أن قضيتهم لا تليق بـ«برستيج» النجومية العالمية.
والسؤال ما الذى كان متوقعًا من هؤلاء؟ وماذا كان يجب على نجوم عالميين ومشاهير يتمتعون بنفوذ اجتماعى كبير، يتجاوز حدود بلدانهم أن يفعلوه؟
والإجابة كان يُتوقع من هؤلاء على الأقل:
• إدانة واضحة للعدوان والمجازر التى تطال المدنيين، خصوصًا الأطفال.
• دعم إنسانى مباشر من خلال التبرعات للمنظمات التى تعمل على الأرض، مثل أطباء بلا حدود، أونروا، الصليب الأحمر.
• استخدام منصاتهم الاجتماعية لنقل الصورة الحقيقية وتفنيد الروايات الدعائية.
• المشاركة فى حملات ضغط شعبى وإعلامى للمطالبة بوقف إطلاق النار، كما حدث سابقًا فى قضايا أوكرانيا وجورج فلويد.
رغم أن نجوم هوليوود لا يترددون فى التعبير عن آرائهم فى قضايا عالمية متعددة، إلا أن المأساة الفلسطينية فى غزة لم تلقَ نفس الزخم لدى كثير منهم.
فهناك نجوم التزموا الصمت رغم تأثيرهم منهم ليوناردو دى كابريو فلم يُصدر أى موقف، رغم نشاطه فى قضايا المناخ واللاجئين.
سيلينا جوميز نشرت منشورًا عامًا عن السلام ثم حذفته، وتعرضت لانتقادات بسبب تجاهلها لغزة.
تايلور سويفت لم تُعلّق رغم نشاطها الحقوقى المعروف، ما أثار موجة غضب بين جمهورها العربى.
ريان رينولدز وبليك ليفلى تبرعا لأوكرانيا سابقًا، لكن لم يتحدثا عن غزة إطلاقًا.
الممثلة ميلى بوبى براون واجهت انتقادات واسعة لصمتها رغم تفاعلها سابقًا مع قضايا أقل حدة
هذه المواقف تؤكد على انتقائية التعاطف، وتُثير تساؤلات عن الخوف من خسائر تجارية لعقود أو شراكات مع شركات داعمة للاحتلال أو ضغوط إعلامية.
تجاهل كبير لما يحدث، رغم توثيق المنظمات الدولية لجرائم واضحة بحق المدنيين.
أتذكر قول الناشط والموسيقى البريطانى الشهير روجر ووترز وهو يقول فى البرنامج التليفزيونى الأمريكى now Democracy «المعايير المزدوجة فى التعامل مع المآسى تصيبنى بالغثيان.. غزة تستحق نفس التعاطف الذى رأيناه مع أوكرانيا».
نعم هناك نماذج مشرّفة وسط الظلام، فرغم الصمت العام، والتخاذل ظهرت بعض النماذج الإيجابية ممن كسر حاجز الخوف أو المصلحة أو عبّر عن مواقف إنسانية صادقة منهم مارك رافالو الذى قال: «ما يحدث فى غزة ليس حربًا، بل اضطهادا طويل الأمد».
ناتالى بورتمان رغم أصولها الإسرائيلية، رفضت حضور تكريم رسمى بسبب سياسات حكومة نتنياهو، وعارضة الأزياء بيلا حديد التى قالت «من غير الإنسانى تجاهل ما يحدث فى وطنى الأم.. قلبى مع غزة، ومع كل من فقد بيته أو أحبائه».. لم تتوقف عن الدفاع عن حق الفلسطينيين فى الحياة والكرامة رغم الهجوم العنيف الذى تعرضت له من الإعلام الصهيونى.
المغنية دوا ليبا تحدت الانتقادات وأعادت نشر محتوى متضامن مع الفلسطينيين يدعو لوقف إطلاق النار فورًا ورفع الحصار.
المخرج كين لوتش قال «الصمت على جرائم الحرب هو مشاركة فيها.. واجبنا كفنانين هو أن نكون صوت من لا صوت لهم».
فى تصريح أثار الجدل، تجرأت الممثلة الأمريكية سوزان ساراندون، وقالت «من المحزن أن تكون هناك محاباة فى إنسانيتنا.. ما يحدث فى غزة إبادة ممنهجة، ولا يجب السكوت عنها». وتم فصلها من وكالتها بعد تصريحها.
ليس مطلوبًا من النجوم أن يكونوا خبراء سياسة، لكن عندما يسقط آلاف الأبرياء، ويُحاصر أكثر من مليون إنسان، فإن الحياد يصبح خيانة، والتجاهل جريمة والصمت تواطؤًا.
الفنانون هم صوت الشعوب، وعندما يُخطف هذا الصوت لصالح أجندات صامتة، يخسر الفن معناه.
ربما لا نملك منصة عالمية، لكننا نملك الكلمة، وهى السلاح الأقوى لمن لا صوت لهم.. وغزة ستبقى فى القلب، حتى حين يصمت العالم.