من تحرير الأرض.. إلى تحرير النصر - أحمد الصاوى - بوابة الشروق
الإثنين 17 يونيو 2024 12:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من تحرير الأرض.. إلى تحرير النصر

نشر فى : الخميس 4 أكتوبر 2012 - 8:15 ص | آخر تحديث : الخميس 4 أكتوبر 2012 - 8:15 ص

يقول المثل الأفريقى: «إلى أن يكون للأسود مؤرخوها.. ستظل حكايات الصيد تمجد الصيادين»، هكذا قالوا فى عمق القارة السمراء، فيما يترجم الغربيون المعنى إلى أن «التاريخ يكتبه المنتصرون»، وفى مصر ظل التاريخ ملكا حصريا لفرعون، ملكا للقوى، يحكى لك أن «خوفو» بنى الهرم الكبير، دون أن يخبرك من حمل الحجارة على ظهره؟، ولا من وضع الهيكل الهندسى لهذا البناء العظيم الذى يقاوم الزمن، لا يذكر لك من تاريخ قناة السويس سوى أسماء الخديوى إسماعيل وديليسبس، لا يكترث بمن حفر، ورفع على كتفيه التراب فيما السياط تلهب ظهره.

 

جينات السلطة واحدة أورثها فرعون إلى الإمبراطور، والإمبراطور إلى الخليفة، والخليفة إلى الوالى، والوالى إلى السلطان، والسلطان إلى الملك، والملك إلى الرئيس، كانت لوحات الشرف ومازالت على كل بناء على هذه الأرض، تمجد صاحب السلطة، تقول إن هذا البناء بنى فى عهده وبتوجيهه، لكنها لا تكترث بذكر من بناه.

 

لا تعرف من مد القضبان أسفل الأرض ليكون لديك «مترو» ينقلك بعيدا عن الزحام أعلى الشوارع، لكنك تعرف اسم الرئيس الذى تم المشروع فى عهده، ورئيس وزرائه، ووزير النقل، والمحافظ.

 

تأتى ذكرى نصر أكتوبر هذه العام فى وقت تحرر فيه معنى النصر من احتكارات السلطة، وبات واجبا إعادة صياغة تاريخ النصر بموضوعية وإنصاف، لا يهون من دور أحد بسبب حسابات السياسة، ولا يعظم من دور أحد بسبب ترهيب السلطة.

 

بقيت معجزة نصر أكتوبر فى «الفرد المقاتل» هو الذى واجه بشجاعته أحدث نظم التسليح فى العالم، هو المهندس الذى أعاد تأهيل وهيكلة السلاح القديم ليؤدى به مهمة مغايرة لتلك التى صنع من أجلها، هو نصر المشاة والمدرعات والمدفعية، نصر الصاعقة والدفاع الجوى والطيران والسلاح البحرى، نصر التخطيط والاستخبارات، نصر الشعب الذى ربط على بطنه الأحزمة ليوفر لجنوده ثمن الطلقة، نصر المصريين لا نفرق بين أحد منهم.

 

كان نصر أكتوبر نصر «مصر العفية»، نصر عبدالعاطى وعبدالمسيح، نصر الشهداء الذين روت دماؤهم الطاهرة الأرض الطيبة، منهم من رقد فى قلب الرمال «على رجاء القيامة»، ومنهم من استقبل «القبلة» مؤمنا أنه سيلحق بأولئك «الأحياء عند ربهم يرزقون».

 

كانت قذائف العدو مثل «دستور مثالى» لم تفرق بين المصريين بسبب اللون أو العقيدة، وحين نزفت دماؤهم على الرمال لم تميز الأرض الطيبة بينهم ولم تجد فرقا بين دم «صليب» ودم «هلال»، كلاهما كان له نفس اللون والطعم والرائحة.

 

اليوم نحتفى بالناس، نبدأ خطوة أولى فى تأريخ جديد للنصر، يكتبه كل من شارك فيه، دون تمييز بينهم بسبب الرتبة أو العقيدة أو الدور، ننقل ما كتبه جنود المعركة خصيصا لـ«الشروق»، وما قاله الجنود الإسرائيليون عن المعارك، نحكى دون شعارات تزامن الصيام الإسلامى المسيحى وقت الحرب، وعن الكنيسة التى طلبت من أبنائها أن يفطروا ليواجهوا أعباء الحرب، وعن العم «مرقص» الذى رفض الإفطار فيما بقيت قطعة اللحم فى صحنه هدية لرفاق السلاح.

 

هذه حكايات العريف مرقص والرقيب حسب الله ورجل المقاومة الشعبية محمود خليفة، والفدائى عبدالمنعم، والأسير العائد من خلف خطوط العدو العريف عبدالرحمن، هذه قصص الضابط جلال عامر عن مصر التى كانت عفية وقوية ومؤهلة للحرب وجديرة بالانتصار، عن البشر الذين أخرجوا من الذاكرة لإفساح المجال لفرعون والذين معه.

 

 هذا نصر أبى وأبيك، هذا وجع أمى وأمك، هذا دعاء مسجدى وكنيستك، هذا نصر مثل «الدعم» يحتاج أن يذهب لمستحقيه بعدالة بعد طول حرمان.  

أحمد الصاوى كاتب صحفي
التعليقات