ميدان وبرلمان وبينهما أزمة.. دراما الثورة فى بر مصر - ياسر علوي - بوابة الشروق
الثلاثاء 14 مايو 2024 3:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ميدان وبرلمان وبينهما أزمة.. دراما الثورة فى بر مصر

نشر فى : الأحد 4 ديسمبر 2011 - 9:20 ص | آخر تحديث : الأحد 4 ديسمبر 2011 - 9:20 ص

هناك الكثير مما يدعو للتفاؤل بما حدث فى المرحلة الأولى للانتخابات، إقبال كثيف، وسلوك فى مجمله بلا شوائب كبرى من الناخبين أو المرشحين، وصفعة انتخابية ساحقة تلقاها فلول الحزب الوطنى وأحزاب أخرى طمحت لاستنساخ نموذجه عبر ترشيح «الوجهاء المحليين» فى الدوائر الانتخابية المختلفة، مفترضة أن السلوك الانتخابى القبلى هو من ثوابت الحياة السياسية المصرية وأن ثورة مصر الممتدة خلال عام 2011 لم تغير منه شيء.

 

كان الأداء الهزيل لأحزاب «الفلول» أبرز سمات المرحلة الأولى، ومنه يستخلص أن الثورة المصرية أحدثت تغييرا جذريا فى سلوك الناخب المصرى. هكذا، ستسقط فى البرلمان القادم أسطورة «الوجيه المحلى» و«المرشح الخدمى» الذى لا يقهر، كما سقطت فى الميدان أسطورة «الشعب الخانع وغير المسيس» الذى لا يهتم بغير لقمة العيش وكرة القدم.

 

رغم ذلك، ينبغى التمهل قليلا قبل القفز إلى الحكم بأن النضال فى الميدان، مهد الثورة المصرية، قد أدى مهمته بنجاح، وحان الوقت لكى يخلى الساحة للنضال فى للبرمان لتحقيق أهداف هذه الثورة.

 

●●●

 

فما يظهره تحليل نمط التصويت فى الجولة الأولى هو أن حوالى 80% من أصوات الناخبين توزعت بين أحزاب التيار الإسلامى من ناحية أو أحزاب «الكتلة المصرية» من ناحية أخرى. فى الحالتين، كانت القضية المركزية فى التصويت هى قضية «ثقافية» متعلقة بمسألة «الدولة المدنية» وموضوع «إسلامية الدولة».

 

أما الأهداف السياسية للثورة، التى جسدها شعار الميدان الشهير «عيش، حرية، عدالة اجتماعية»، فلا يبدو أنها ستكون ذات حضور واضح فى برلمان الثورة الأول، إن قسنا على نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات.

 

فلم تسجل قضايا النظام الضريبى أو وضع حد أدنى وأقصى للأجور (جوهر مطلب العدالة الاجتماعية) حضورا يذكر فى الحملات الانتخابية للأحزاب التى حصدت 80% من الأصوات!! وبالمثل، لم يدر بينهما سجال يذكر حول كيفية ترتيب أوضاع الدولة المصرية أمنيا وسبل حماية حقوق الإنسان (مطلب الحرية) أو آليات إنعاش الاقتصاد المصرى وتحقيق نمو مطرد ومتوازن (مطلب الخبز) أو حول قضايا السياسة الخارجية (التى لم تغب تماما عن أولويات الميدان، كما يتضح مثلا من الكر والفر حول مبنى السفارة الإسرائيلية طوال الأشهر الماضية، أو من مظاهرات التضامن مع ثورات الشعوب العربية...الخ).

 

لم نسمع أبدا عن نقاش ساخن فى مناظرات المرشحين الحاصدين لـ80% من أصوات ناخبى المرحلة الأولى حول ما إذا كان على الحكومة تبنى برنامجا طموحا للإنفاق العام بغية إنعاش الاقتصاد المصرى، أم أن الأولوية يجب أن تكون لخفض عجز الموازنة؟ وباستثناء الالتزام الفضفاض بشعار «الديمقراطية والحرية»، لم يمثل النقاش حول إعادة هيكلة وزارة الداخلية، أو إعادة النظر فى القوانين المقيدة للحريات، موضوعا أساسيا للحملات الانتخابية (بل تضمنت بعض الوعود الانتخابية لبعض المرشحين تعهدات بفرض قيود إضافية على الحريات الشخصية للمواطنين).

 

بالمقابل، كان للنقاش حول «إسلامية» الدولة أو «مدنيتها» حضور طاغ فى الحملات الانتخابية، ولم يخل الأمر من ضربات «تحت الحزام» تشكك فى صدق تدين مرشح معين، أو تحذر من العودة «لظلامية العصور الوسطى» فى حالة انتخاب مرشح آخر.

 

●●●

 

الخلاصة، أن الانتخابات فى مرحلتها الأولى تظهر هوة واضحة بين «الميدان» و»البرلمان». فالميدان خرج للثورة، مطالبا «بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية»، ومتجاوزا للسجالات الثقافية حول هوية الدولة والمجتمع بشكل ملفت (لحسن الحظ، ليست الثورة ببعيدة، ولم ينس الكثيرون مشاهد الوحدة الوطنية غير المصطنعة فى الميدان، وغياب الشعارات والنقاشات الطائفية خلال الثورة...الخ). أما البرلمان – إذا ما قسنا على المرحلة الأولى من الانتخابات– فقضية «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية» تحتل مرتبة ثانوية فى أحسن الفروض، وتأتى بعد المسألة الثقافية بمسافة شاسعة.

 

●●●

 

ولو كانت الحملات الانتخابية وما تضمنته من شعارات ومطالب مؤشرا دقيقا يعتد به، فنحن أمام برلمان قد يناقش قضايا «الأزياء» و»الرقابة على المصنفات الفنية» قبل أن يتاح له الوقت لمراجعة «هيكل الضرائب» (خاصة وأن جميع الأحزاب التى حصدت الـ80% من الأصوات المشار إليها أعلاه، لا تعطى أولوية فى برامجها المنشورة لمسألة الحد الأدنى والأقصى للأجور أو لإعادة النظر فى السياسة الضريبية وفرض ضرائب تصاعدية، بل إن بعضها يطالب صراحة فى برامجه الانتخابية المعلنة بإلغاء الضرائب تماما!!).

 

●●●

 

من الناحية النظرية، هناك ثلاثة طرق لردم هذه الهوة الكبيرة بين «الميدان» و»البرلمان». هناك احتمال أن يعيد «الميدان» النظر فى أولوياته مثلا، فيختفى شعار «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية» لصالح قضايا الثقافة والهوية والزى والسلوك....الخ. الاحتمال الثانى، أن يظهر البرلمان نضجا نوعيا فى ممارساته، ويتضح للجميع أن الشعارات الثقافية لم تكن أكثر من ضرورة للتعبئة فى الحملة الانتخابية، وما أن يبدأ البرلمان عمله حتى يتناول فورر القضايا الفعلية التى عبأت الميدان، وأنتجت ثورة مصر العظيمة. أما الاحتمال الثالث فهو أن يستمر الصراع بين معتصمى «الميدان» وقاطنى «البرلمان»، حتى يفرض أحد الفريقين منطقه على الآخر.

 

الصعوبات التى تواجه تحقق أى من الاحتمالين الأولين واضحة، فلا يوجد مبرر واضح لأن يتخلى الميدان عن شعار ثورته الذى استشهد بسببه أكثر من 1000 شاب وفتاة من خير ما أنبت هذا الوطن، وحتى لو تخلى شباب الطبقة الوسطى المصرية عن شعار «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية»، فلن يؤدى ذلك لإلغاء الظروف الموضوعية التى أنتجت هذا الشعار المعبر عن أولويات قطاعات واسعة الشعب المصرى، وقد يؤدى تجاهل هذه الغايات والمقاصد لأن تشهد مصر «ثورة جياع» أو شكل حاد من أشكال الصراع الطبقى المفتوح لإعادة توجيه مسار الثورة المصرية.

 

أما تصور حدوث تحول نوعى فى ممارسات «أحزاب الـ80%»، وتغير فى أولوياتها السياسية بمجرد دخولها البرلمان فإنه يبدو حتى الآن تمنيا أكثر منه تحليلا عقلانيا تسنده مؤشرات صلبة من الواقع. وعلى أية حال، فإن الأشهر الأولى من عمر البرلمان القادم ستظهر بشكل سريع مدى قدرته على القفز على «صغائر» الحملات الانتخابية وسجالاتها الثقافية، والانتقال مباشرة لتحقيق «مقاصد» الثورة المصرية بشكل يرضى عنه الميدان.

 

●●●

 

أما إن استمرت الهوة بين «الميدان» و«البرلمان»، فسنكون أمام تهديد جدى بفتح فصل جديد للثورة المصرية، قد يكون الأقسى والأكثر حدة وعنفا.

 

كل الاحتمالات مفتوحة، الأمر الوحيد الذى يمكن تأكيده فى هذه المرحلة، هو أن دراما الثورة المصرية لم تكتمل فصولها بعد.

ياسر علوي  كاتب وأكاديمي مصري
التعليقات