امرأة عاشقة - محمود قاسم - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

امرأة عاشقة

نشر فى : الجمعة 5 يونيو 2020 - 7:00 م | آخر تحديث : الجمعة 5 يونيو 2020 - 7:00 م

لا يمكن لأحد من أبناء جيلى أن ينسى فيلم «فيدرا الآثمة» حسب عنوانه التجارى فى مصرى اخراج جول داسان وبطولة ميلينا ميركورى، وأنتونى بيركنز وراف فالونى، الذى عرض عندنا عام 1962 ، وهو فيلم يونانى فرنسى أمريكى استوحاه المخرج فى رؤية معاصرة لمسرحية فيدرا تأليف يوروبيدوس، وقد أعاد الفرنسى راسين صياغتها بمنظور عصره، وهى تدور حول قصة حب محرم بين شاب وزوجة أبيه تنتهى بموتهما، اسوة بجميع المسرحيات المأساوية فى تاريخ الفنون، وهى مسرحية يرى النقاد أن الحب قدر فى المقام الأول، ولا يمكن لأصحابه الرجوع عنه. أو السيطرة عليه، وهم يعرفون خطاياهم، فالشاب الذى يصر دوما على مناداة امرأة ابيه بأمى، لن يستطع أبدا مقاومة مصيره الذى ينتظره سواء بالموت لكليهما أو الحب.
لا أنسى قط حيوية الفيلم وغرابة موضوعه، واذكر اننى وقعت فى هوى ميلينا ميركورى التى جسدت مثل هذه الأدوار على المسرح أو السينما، والغريب أنه بعد عشر سنوات، فان المخرج أشرف فهمى مع اثنين من كتاب السيناريو أسند إلى شادية دورين فى فيلمين، الأول هو «امرأة عاشقة» أما الثانى لم يعرض بالمرة فى دور العرض وهو «رغبات ممنوعة» أما الفيلم الأول «امرأة عاشقة» الذى كتبه مصطفى محرم فهو نسخة ممسوخة وجامدة من فيلم «فيدرا»، رغم انه من بطولة شادية ومحمود مرسى، وحسين فهمى، فى هذا الفيلم تقع زوجة الأب فى غرام ابن زوجها، ويبادلها الحب، أما «رغبات ممنوعة» الذى كتبه صبرى موسى، ففيه علاقة ملموسة بين أب وابنته العانس فى منطقة الملاحات.
(ملحوظة: هناك فيلم ثالث جمع بين شادية ومحمود مرسى وحسين فهمى، وأشرف فهمى باسم «أمواج بلا شاطئ» حول شاب يصدم فى علاقة بين أمه ومدير أعمالها فينتقم منهما ويتزوج أول عاهرة يلتقطها عند الشاطئ).
شهدت السينما المصرية فترتين اهتمت فيهما بتقديم قصص المحرمات، مثل الخمسينيات، فى افلام منها «رنة الخلخال» و«نساء محرمات» وهما من اخراج محمود ذوالفقار, وأيضا «غلطة حبيبى» للسيد بدير، و«امرأة فى الطريق» لعزالدين ذوالفقار، الذى تمت اعادته باسم «شوق» لأشرف فهمى ايضا الذى بدا كأنه امتلك إحساس محمود ذوالفقار فى تقديم هذه النوعية من الأفلام،
نعم الفيلم اليونانى شهد مرحلة خصوبة كبيرة للمخرج الذى كان متزوجا من ميلينا ميركورى وأخرج لها أغلب افلامها، حيث عملا معا فى افلام مأخوذة عن نصوص أدبية، والحقيقة أن مشاهدة الفيلم المصرى بدون الأمريكى، اشبه بوجبة عشاء بدون المشهيات، وفى النص المسرحى اليونانى، والفرنسى فإن الاثنين سرعان ما وقعا فى الخطيئة، لكن هذا غير ملموس فى الفيلم المصرى
حسب العناوين الخاصة بالفيلم فإنه عن اسطورة فيدرا الاغريقية، رغم أنها ملحمة، وقد جاء ان مصطفى محرم هو كاتب القصة والسيناريو والحوار، المفروض انه اقتبس الفيلم بالتمام عن الفيلم اليونانى، حيث تدور الأحداث فى عالم كبار الرأسماليين، فالأب يمتلك الكثير من المشاريع، ولديه زوجة ينشغل عنها كثيرا بأعماله، ومشاريعه المالية، وسوف يظل على حاله كأنه يفتح الباب لكل من زوجته وابنه أن يقعا فى الاثم باعتباره قدرا لا يمكن لأحد ان يقاوم سحره، الشخصيات نفسها فى الفيلم الأجنبى تتكرر فى الفيلم المصرى، اسماعيل الأب هو رجل الأعمال، وليلى هى زوجته الثانية التى تعيش معه الآن، ورغم رقتها الشديدة فانها لا تستطيع ان تجعله يخصص لها وقتا، أما الابن أحمد الذى على وشك التخرج فى الجامعة بعد ان ظل يعيش مع أمه إلى ان ماتت، فأتى به الأب إلى القاهرة كى يعيش فى بيته، هنا يحدث تسكين الأشخاص، ميلينا ميركورى فى دور زوجة الأب إلى ليلى التى تجسدها شادية، وأنتونى بيركنز الذى يؤدى دور الابن اليكيس، ويجسده هنا حسين فهمى، بينما يبدو هناك اختلاف واضح بين كل من راف فالونى الممثل الايطالى الذى جسد دور الأب، وبين محمود مرسى، الذى بدا حادا أكثر من اللازم فى أغلب مشاهده، بينما فالونى فى دور يانوس فقد كان حاضرا ببهجته، ومرحه الشديد، مستمتعا بما يملك من زوجة وابن وثروة وشباب، اما الممثلة مديحة حمدى، التى جسدت دور ميرفت او الحب البديل فانها كانت تمثل الأمل فى جميع أدوارها فى تلك الفترة.
أهمية الفيلم هى حدود العلاقة بين ليلى وابن زوجها انها علاقة محرمة لدى الجميع، وفى الفيلم فإن هناك اتهاما للأب ان انشغاله عن زوجته دفع المرأة إلى علاقة مصيرية مأساوية، فالأب يطلب من ليلى أن تذهب اليه فى الاسكندرية حين يترك البيت للمرة الثانية، وتذهب طاعة لزوجها، بعد أن ألح عليها، كما ان الأب يخطط ان يزوج ابنه لميرفت ابنة شريكه فى المشاريع، لأنه فى هذا الحال سوف يتوج الزواج بالمال، الرجل الذى يفكر بعقلية وحيدة عنيدة لا يتسم بمرونة، فهو لا يخصص وقتا لزوجته، وفى أثناء رحلة عمل طويلة للأب فان الشاب يصاحب زوجة أبيه إلى الأماكن التى يتقاربان فيها، ومنها حفل رأس السنة الذى يضم اقرانه من الشباب حيث يعانقها ويقبلها قبل أن تخرج ليكون البوح.
وعندما تذهب ليلى اليه فى الاسكندرية لاقناعه بالعدول عن ترك خطيبته، فانها كانت تعرف انها لن تستطيع المقاومة أبدا، وتحدث المضاحعة فوق رمال الشاطئ.
من الواضح أن اسبابا عديدة لا نعرفها أدت إلى اختصار النهاية، ما افقد الفيلم طعمه المأساوى الموجود فى نص مسرحية يوربيدوس وموجود بالقوة نفسها فى فيلم جول داسان، ففى فيلم أشرف فهمى فإن ليلى عندما تذهب إلى ابن زوجها الذى تحبه فى الاسكندرية كانت تعرف المصير، فلم تقاوم وسرعان ما استسلمت أو سقطت، وعن الشاطئ فانها ترضخ لقبلاته المتكررة، ثم ينزل بها فوق الرمل ما يعنى ان الاثنين وقعا فى الخطيئة الكبرى، نرى الشاب ينهض بعد فعلته، أما هى فانها تركب السيارة عائدة إلى القاهرة، وتقودالسيارة بسرعة قبل أن تنقلب بها من فوق الطريق، كأنما السماء تعاقبها وحدها على ما ارتكبت، وباعتبار ان الرجال فى السينما المصرية فى الغالب لا يموتون بسبب الخطيئة، اما النهاية عند جول داسان فإنها أكثر قبولا، مليئة بالتفاصيل، وتمس جميع الأشخاص الذين فى اطار الحكاية، فالثرى تانوس الذى يعمل فى تجارة السفن، هو أشبه بالثرى اليونانى أوناسيس، يهدى زوجته الجديدة فيدرا سفينة كبيرة جديدة تحمل اسمها، وفى نهاية الفيلم، وعندما تتعاظم الأحداث، فان الأنباء تأتى أن السفينة غرقت ببحارتها، وتأتى النساء متشحات بالسواد مثل حاملات القرابين لمعرفة أسماء الموتى، وعندما تدخل فيدرا على زوجها مرتدية ملابسها البيضاء، وتخلو اليه لتخبره أنها عاشقة لابنه، وانه رجل حياته، ثم تخرج ليستدعى الرجل ابنه ويواجهه فيما قالت فيدرا ، وينهال عليه بالضرب لدرجة الادماء، ويهرب العاشق الآثم إلى الجراج لتضعه فيدرا أسفل صنبور المياه وتقوم بغسل وجهه وسط عناق، كى يركب سيارته ويتركها، وينطلق بها بسرعة هائلة فى الخواء وتنزلق به إلى المنحدر، وفى المشهد الموازى وعن طريق التقاطع فان فيدرا تطلب من وصيفتها ان تأتيها بالقناع لتضعه على عينيها وتخبر الوصيفة انها تعرف كل شىد، وفى تلك الحظات يبدا الأب تانوس فى تلاوة أسماء الموتى أمام اهالى البحارة، وانه الموت المأساوى يلحق بالجميع، وليس فقط بالزوجة الآثمة، ومن هنا فان الفيلم المصرى اختصر أجواء المأساة الحقيقية، خاصة لأن الفيلم لن يذكر لك نوع المهن التى يقوم بها اسماعيل، وكل ما نعرفه عنه أنه منشغل، ولديه سفريات، وصفقات، وبالتالى فاننا أمام فيلم فقير للغاية، كما ان الفتاة التى تحب اليكس تحدث بينها وبين فيدرا مواجهة وتكاشفها اليزابيث بالحقيقة، كما أن الفيلم بالطبع قام بتبديل الرحلة الباريسية التى قام بها اليكسيس والمرأة الفرنسية بمناسبة نجاح الشاب، أما الفيلم المصرى فاكتفى بسفر الأب لعمل
صفقة خارج البلاد، وفى باريس كانت الفرصة للتقارب بين العاشقين، من المضحكات هنا وسط كل المبكيات أن المتفرج على فيلم داسان قد استمع إلى موسيقى تيودوركس صاحب مقطوعات كل من «زوربا» و«أبدأ الأحد»، لكن فى فيلم أشرف فهمى اقتبسوا موسيقى فيلم «الأب الروحى» لنينو روتا الذى كان جديدا فى تلك الآونة.

التعليقات