أمريكا الضحية الحقيقية للعقوبات ضد روسيا - دوريات أجنبية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 5:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أمريكا الضحية الحقيقية للعقوبات ضد روسيا

نشر فى : الأحد 5 يونيو 2022 - 8:15 م | آخر تحديث : الأحد 5 يونيو 2022 - 8:15 م

نشرت مجلة Tablet مقالا بتاريخ 25 مايو للكاتب أرنود برتراند، يقول فيه إن قيام الولايات المتحدة بفرض عقوبات على روسيا يعنى فى الحقيقة قيامها باتخاذ خطوات نحو عزل نفسها، وأن الغرب أخطأ عندما قلل من حجم وأهمية الاقتصاد الروسى عندما قارنه باقتصاد إسبانيا أو اقتصاد ولاية تكساس الأمريكية... نعرض من المقال ما يلى:

كثرت الادعاءات القائلة بأن الاقتصاد الروسى غير قوى، وهو يعادل بلدا أوروبيا صغيرا، حتى إن السيناتور ليندسى جراهام، جمهورى عن ولاية كارولينا الجنوبية، قال فى عام 2014 بعد غزو القرم: «بوتين، الذى لديه اقتصاد بحجم إيطاليا، يلعب لعبة البوكر ويفوز من أجل زيادة النفوذ الدبلوماسى والجيوسياسى الروسى فى أوروبا والشرق الأوسط وشرق آسيا». ليس هذا فحسب، بل تساءلت مجلة الإيكونوميست فى عام 2019: «كيف يمكن لدولة ذات اقتصاد بحجم إسبانيا... أن تحقق كل هذا؟».

لكن الخبير الاقتصادى الفرنسى جاك سابير، المتخصص الشهير فى الاقتصاد الروسى والذى يدرس فى كليات الاقتصاد فى موسكو وباريس، أوضح أخيرا أن الحرب فى أوكرانيا «جعلتنا ندرك أن الاقتصاد الروسى أهم بكثير مما كنا نظن». فبالنسبة إلى سابير، أحد الأسباب الرئيسية لسوء التقدير هو أسعار الصرف. بكلمات أوضح، إذا قارنا إجمالى الناتج المحلى لروسيا عن طريق تحويله ببساطة من الروبل إلى الدولار الأمريكى، فسنحصل بالفعل على اقتصاد بحجم الاقتصاد الإسبانى. لكن مثل هذه المقارنة لا معنى لها دون تعديل تكافؤ القوة الشرائية (PPP)، الذى يمثل الإنتاجية ومستويات المعيشة، وبالتالى نصيب الفرد من الرفاهية واستخدام الموارد. فى الواقع، يعتبر تعادل القوة الشرائية المقياس المفضل من قبل معظم المؤسسات الدولية، من صندوق النقد الدولى إلى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية. وعندما نقيس الناتج المحلى الإجمالى لروسيا بناء على تعادل القوة الشرائية، فمن الواضح أن الاقتصاد الروسى يقارب حجم الاقتصاد الألمانى، أى نحو 4,4 تريليون دولار لروسيا مقابل 4,6 تريليون دولار لألمانيا. إذن، انتقال الاقتصاد الروسى من اقتصاد يعادل أصغر اقتصاد أوروبى تقريبا (إسبانيا) إلى أكبر اقتصاد فى أوروبا وواحد من أكبر الاقتصادات فى العالم (ألمانيا). والفارق ليس بضئيل.

التقليل من حجم وأهمية الاقتصاد الروسى لم يكن واضحا فقط فى مقارنته بحجم أصغر اقتصادات أوروبا، بل أيضا من خلال تجاهل التدفقات التجارية العالمية، حيث يقدر أن روسيا «قد تمثل ربما ما يصل إلى 15٪». وفى حين أن روسيا ليست أكبر منتج للنفط فى العالم إلا أنها كانت أكبر مصدر له، متقدمة حتى على المملكة العربية السعودية. وينطبق الشىء نفسه على العديد من المنتجات الأساسية الأخرى مثل القمح حيث تسيطر روسيا على نحو 19,5٪ من الصادرات العالميةــ والنيكل (20,4٪) والحديد شبه مصنع (18,8٪) والبلاتين (16,6٪) والأسماك المجمدة (11,2٪).
هذه الأهمية الكبيرة فى إنتاج العديد من السلع الأساسية تعنى أن روسيا، مثلها مثل عدد قليل من البلدان الأخرى فى العالم، هى فى كثير من النواحى ركيزة أساسية لسلسلة الإنتاج المعولمة. وأى محاولة لعزل الاقتصاد الروسى تعنى إعادة هيكلة الاقتصاد العالمى بشكل دراماتيكى.
• • •
فى ذات الصدد، وبعد أن تخلى الرئيس جو بايدن علنا عن سياسة «الغموض الاستراتيجى» تجاه تايوان، فإن الأمر يستحق التفكير فى شكل اقتصاد الصين كما فعلنا مع نظيره الروسى. إذا نظرنا إلى الاقتصاد الصينى على أساس أسعار الصرف عن طريق تحويل الناتج المحلى الإجمالى للصين من اليوان الصينى إلى الدولار الأمريكى فسنجد أن قيمته تقدر بنحو 17.7 تريليون دولار (اعتبارا من 2021)، مقارنة بـ23 تريليون دولار للولايات المتحدة و17 تريليون دولار للاتحاد الأوروبى.

ولكن إذا كيفنا الوضع مع تعادل القوة الشرائيةــ كما فعلنا مع الاقتصاد الروسى أعلاه، فسنرى أن الاقتصاد الصينى وصل إلى ما يقرب من 27,21 تريليون دولار فى عام 2021، مقارنة بـ20,5 تريليون دولار بالنسبة للاتحاد الأوروبى و23 تريليون دولار بالنسبة للولايات المتحدة. ويتضح من ذلك، فى ضوء نظرية تعادل القوة الشرائية، أن الاقتصاد الصينى متفوق على الاقتصاد الأمريكى.
• • •
قبل أن نتبنى بحماس ما ذكرناه، من المفيد التوقف مؤقتا للنظر فى عدد البلدان فى العالم التى ستضع نفسها طواعية فى الصف الغربى. فإن كانت الدول الغربية لأسباب أيديولوجية وتاريخية ستبقى بلا شك موحدة نسبيا، إلا أن الغرب يمثل نحو 13٪ فقط من سكان العالم، وتشكل الصين وروسيا معا نحو 20٪ وهذا يترك نحو ثلثى البشرية «غير منحازين»، وهو الموقف الذى يرغب معظمهم فى الحفاظ عليه. وإذا أجبرناهم على اختيار جانب ما، فقد نتفاجأ بالعديد من النتائج.

كما أن إحصاء الدول المشاركة فى العقوبات الحالية على روسيا لن يجدى نفعا وسنجد صعوبة فى التأكد من أن الغرب أقوى من خصومه. ناهينا عن أن حلفاء الولايات المتحدة مثل الهند والمملكة العربية السعودية كانوا صريحين فى رفضهم الانحياز إلى أى طرف فى الصراع الأوكرانى.

فى كل الأحوال، يعتبر النفط مقياسا مؤثرا فى المعادلة. بعبارة أوضح، مع فرض الغرب عقوبات على روسيا، ارتفعت أسعار النفط بشكل متوقع، من نحو 75 دولارا للبرميل فى بداية العام إلى أكثر من 110 دولارات اليوم. لكن الدول التى رفضت المشاركة فى العقوبات تستغل الآن الفرصة للتفاوض بشأن شحنات الطاقة الروسية بتخفيضات كبيرة. وإذا كانت روسيا لا تزال قادرة على بيع النفط فى جميع أنحاء العالم، فإن دولا مثل الهند ستكون قادرة على التفاوض على أسعار أقل من السوق، فى حين أن المستهلكين الغربيين سيستمرون فى التعرض لضربات الأسعار المتضخمة، إذن من الذى يُعاقب حقا؟

نفس الأمر ينطبق على تسليح الدولار الأمريكى والنظام المالى الغربى بشكل عام؛ فإذا تم إخبار الدول غير الغربية أن الوصول إلى الدولارات وأنظمة المعاملات مثل سويفت SWIFT مشروط بالسياسات التى يتم وضعها فى واشنطن والتى قد لا تكون بالضرورة فى مصلحة بلدانهم، قد تكون النتيجة إزالة دولرة الاقتصاد العالمى، وليس تقوية النظام الغربى.
بناء على ما سلف، من المرجح أن يكون الغرب ــ عندما قلل من حجم وأهمية الاقتصاد الروسى ــ قد أخطأ فى فرض عقوبات على روسيا، وقد تكون النتيجة هى جعل الغرب أكثر عزلة من أى وقت مضى فى العصر الحديث.

ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى: هنا

التعليقات