أيام الرئاسة الأولى - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 12:07 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أيام الرئاسة الأولى

نشر فى : الخميس 5 يوليه 2012 - 8:45 ص | آخر تحديث : الخميس 5 يوليه 2012 - 8:45 ص

مرت الأيام الأولى لرئاسة الدكتور مرسى مسببة قدرا يعتد به من الارتياح لقطاعات عديدة من الشعب المصرى. قال كثيرون ــ وأنا واحد منهم ــ إن د.مرسى لم يفز سوى بربع أصوات الهيئة الناخبة، ولذلك فإن التحدى الأول أمامه هو أن يثبت للكافة ــ على الرغم من انتمائه لجماعة «الإخوان المسلمين» وترشيحه للرئاسة من قبل حزب «الحرية والعدالة» ــ أنه رئيس لكل المصريين، فقد فعلها الرجل بدرجة ملحوظة من النجاح أكسبته حتى الآن من الشرعية السياسية ما يفوق بكثير ما كسبه فى الانتخابات من شرعية قانونية. أرضى الثوار بحلفه اليمين فى ميدان التحرير رمز الثورة الأول، وبدا بهذا العمل وكأنه يعطى أولوية «للثورة» على «الدولة»، وفى اليوم التالى قام بتكرار حلف اليمين أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا فى إعلاء واضح لمنطق «الدولة» على «الثورة»، طالما أن هذه الخطوة مستمدة من الإعلان الدستورى المكمل الذى يرفضه الثوار والرئيس معهم. وإذا كانت هذه الأزمة الإجرائية الأولى قد مرت بسلاسة فإن الظروف لا تضمن أن تتم مواجهة أزمات قادمة بالنهج نفسه والسلاسة نفسها.

 

●●●

 

أبدى الرئيس أيضا قدرا ملحوظا من الحنكة السياسية عندما حرص على ألا يستعدى المؤسسة العسكرية، وعلى رأسها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فأسهب فى العرفان بدوره فى حماية الثورة وإدارة المرحلة الانتقالية ووفائه بالعهود، ومنها تسليم السلطة التنفيذية لرئيس منتخب ديمقراطيا بنهاية الشهر الماضى، ووعد بأن يكون الحامى الأول للقوات المسلحة، والحريص دائما على تلبية مطالبها من أجل دورها الذى تقوم به فى حماية الوطن. وبادله المجلس الأعلى تكريما بتكريم، فاحتفى بتنصيبه رئيسا للجمهورية، ونظم بهذه المناسبة عرضا عسكريا، وأدى رئيس المجلس ونائبه التحية العسكرية له، وردها الرئيس إلى المجلس بتحية من القلب وتكرار للإشادة ووعود الاستجابة لجميع المطالب. غير أن الرئيس من ناحية أخرى لم يتخل فى خطبه المختلفة عن التأكيد على أنه لن يفرط فى أية صلاحية من صلاحياته، وهو ما قد يفتح الباب لخلافات بين الطرفين فى المستقبل القريب، كما أنه استخدم تعبيرات ملتبسة أحيانا استغلها الكثيرون للحديث فيما هو محال، وذلك عندما قال إن المؤسسات المنتخبة سوف «تعود» إلى أداء دورها، وإن الجيش سوف يعود إلى ثكناته. فأما عن الجيش فإن هذا تحصيل حاصل وإن بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، وأما «عودة» المؤسسات المنتخبة إلى أداء دورها فقد فسرها البعض بأن الرئيس ينوى اعتبار حكم المحكمة الدستورية العليا كأن لم يكن، بحيث يعود مجلس الشعب المنحل إلى أداء دوره، وهذا من رابع المستحيلات، لأن من شأنه تقويض أركان الدولة المصرية التى أصبح د.مرسى جزءا لا يتجزأ منها، وإنما يفيد المنطق السليم بأنها تشير إلى انتخابات جديدة تعود بعدها «المؤسسات المنتخبة» إلى دورها التشريعى.

 

اتبع الرئيس النهج نفسه مع الشرطة التى أشاد بها وبدورها دون تحفظات، حتى ولو كان مصدر هذه التحفظات هو أداؤها فى ظل النظام السابق، وأحسب أن هذه الإشادة قد طمأنت جهاز الشرطة إلى أننا إزاء رئيس يقدر مسئولياته، وليس رئيسا جاء لينتقم خاصة أنه تعرض للاعتقال على أيدى هذا الجهاز. هو بهذا يريد أن يؤسس لمرحلة جديدة يشارك فيها الجميع، على الأقل إلى أن يتم التمكين «للجماعة» فى كل المؤسسات وعلى رأسها الجيش والشرطة. كذلك فعل مع القوى المدنية التى أكد لها غير مرة أن مصر سوف تكون دولة مدنية ديمقراطية حديثة، وأن حرية الرأى والإبداع لن تُمس على أى نحو.

 

●●●

 

تطرق رئيس الجمهورية أيضا فى خطبه ــ وبالذات فى خطاب جامعة القاهرة ــ إلى فكرة عزيزة على المصريين كافة وبالذات نخبهم السياسية والفكرية التى كانت بالأمس القريب قبل الثورة فى موقع المعارضة، وهى الآن مستعدة للتفاعل بأقصى ما لديها من طاقات من أجل تجسيد هذه الفكرة فى الواقع المصرى من جديد، ألا وهى «دور مصر» الذى يتجاوز حدودها. ومن المعروف أن أوضح صياغة وأفضل ممارسة لهذا الدور كانت فى ظل ثورة يوليو 1952 وقائدها جمال عبدالناصر الذى وضع نظرية الدوائر الثلاثة: عربية ـ أفريقية ـ إسلامية، ثم اتبع القول بالفعل بمجرد انتهائه من مواجهة التحديات الداخلية، وأصبح لمصر دور قائد فى الوطن العربى مقومه الأول هو تحرير بلدانه من الاستعمار الأوروبى، والثانى هو فكرة العدالة الاجتماعية، وامتد هذا الدور إلى أفريقيا بالطريقة نفسها، ثم كانت له تجلياته فى قيادة مصر مع الهند ويوغسلافيا حركة عدم الانحياز عالميا التى بدأت فى النصف الثانى من خمسينيات القرن الماضى. وتزودنا خبرة هذا الدور بدروس لا نهاية لها يمكن أن تكون مفيدة الآن «لمصر الدور» بعد نجاح ثورة يناير فى إزاحة النظام القديم.

 

تغيرت الظروف من عقدى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى على نحو لافت، وفقدت مصر الكثير من مقومات الدور، والرؤى التى كانت تحركه. استند حديث رئيس الجمهورية فى خطبه عن دور مصر إلى أنها لن تكون مصدرة للثورة، أو تتدخل فى شئون أحد، ولن تسمح فى الوقت نفسه بأن يتدخل أحد فى شئونها، وكأنه يطمئن بهذا الدول التى تعرف وزن مصر وقدرها، وتخشى امتداد ربيع الثورة إليها، وليست لمصر الآن مصلحة فى توتير علاقاتها معها، وبالتالى فإن تصريح د.مرسى فى هذا الشأن ربما يكون قد طمأن القلقين، لكنه لم ينتقص من قدرة «مصر يناير» على التأثير فيمن حولها. وكان من البديهى بطبيعة الحال أن يتحدث الرئيس عن حماية أمن مصر القومى، ولكنه أضاف بوضوح إلى دورها «العربى» ما لم يضفه إلى أى من دوائر الانتماء الأخرى التى ذكرها وهى الأفريقية والإسلامية، وذلك عندما قال إن مصر لن تقبل أى انتهاك للأمن القومى العربى، وكذلك عندما تحدث عن دفع مصر العمل العربى المشترك والسوق العربية المشتركة.

 

وقد اختص القضية الفلسطينية بعد ذلك ـ بعد أن أكد التزام مصر بالاتفاقيات الدولية التى هى طرف فيها ـ بحديثه عن دعم الشعب الفلسطينى من أجل استرداد حقوقه، وأضاف دعوته لضرورة وقف نزيف دماء الشعب السورى، وأن مصر سوف تضطلع بمسئوليتها فى هذا الصدد، وربما كانت استضافة القاهرة مؤتمر قوى المعارضة السورية وتوجيه الرئيس مرسى رسالة إليه هما أول التجليات بهذا الصدد، وفى هذا إشارة رمزية إلى أن مصر لن تعود هى الدولة المنغلقة على حدودها دون دراية بتأثير ما يجرى خارج هذه الحدود عليها. وقد يعيب البعض على كل ما سبق أنه صياغات عامة لا تُفهم منها أشياء محددة، وأحسب أن الحديث بتفصيل كامل عن هذه الأمور قد لا يكون مطلوبا الآن، لما قد يثيره من مشاكل فى هذه الأيام الأولى للرئاسة الجديدة، وأن المواقف فى المستقبل القريب وما بعده سوف تكون هى المحك.

 

●●●

 

كل ما سبق وغيره من معانٍ إيجابية تنطبق عليه مع ذلك عبارة «أفلح إن فعل»، ولا أقول إن صدق لأن الرئيس الجديد قد يكون صادقا فى كل ما قاله، غير أن ثمة تحديات لا ينبغى الاستخفاف بها يمكن أن تعترض طريقه عامدة. هناك أولا قوى لا يهمها بالتأكيد استقرار مصر لأسباب معروفة، وسوف تعمل هذه القوى على تقويض الاستقرار الناشئ فى الساحة المصرية الآن، وأسلحة هذا التقويض عديدة، منها ما هو سياسى كما فى استمرار المظاهرات والوقفات التى يمكن أن تشكل عبئا مربكا على الرئيس، ومنها ما هو معنوى ويتمثل فى حرب الشائعات التى لا تنتهى، وآخر تجلياتها تلك القصة الهزلية عن ابن الرئيس الذى لهث خلف الشيخ راشد الغنوشى كى يسلمه قلادة من والده (!)، وغير ذلك الكثير، ومنها ما هو تخريبى تشير إليه كميات الأسلحة الهائلة التى يتم ضبطها يوما بعد يوم ونوعياتها، وكذلك الأعمال غير المسئولة التى تقوم بها أعداد غير معروفة من المتطرفين. بل إن القوى الثورية نفسها قد تشكل عبئا على رئيس الجمهورية لإثارتها عددا لا ينتهى من المطالب بعضها حق وبعضها الآخر على غير ذلك، دون أن تترك له فرصة لالتقاط الأنفاس. وأخيرا وليس آخرا فإن افتراض أن يمضى رئيس الجمهورية فى تنفيذ وعوده المعلنة ـ ومنها على سبيل المثال تشكيل حكومة ائتلافية برئاسة شخصية مستقلة يكون «الإخوان» أقلية فيها ـ لن يعنى فى تقديرى إلا صداما بدرجة أو بأخرى بينه وبين «الجماعة» التى يحرص نفر من قياداتها بسبب وبدون سبب على الإدلاء بتصريحات من صميم اختصاص الرئيس، وقد يزيد هذا الصدام إن حدث من شعبية الرئيس، إلا أنه سوف يدخل الوطن فى دوامة عنيفة قد تعصف بكل ما تم من خطوات حتى الآن، ناهيك عن أن هذا الصدام قد يحدث بين فصائل التيار الإسلامى ذاته. هناك تحديات نابعة من برنامج د.مرسى نفسه، فبعض عناصر خطة المائة يوم يمكن تحقيق اختراق فى تنفيذه، كالنظافة وإلى حد ما المرور، لكن حل مشكلات الطاقة والصحة العامة أصعب بكل تأكيد.

 

كم يتمنى المرء أن تستمر نسائم الأيام الأولى للرئاسة الجديدة، لكن حسن الفطنة يقتضى التحسب لسيناريوهات مقلقة كثيرة، ليس من باب الإحباط، وإنما كى لا تمسك هذه السيناريوهات الشريرة بتلابيبنا فى غفلة منا. 

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية