التعاون بين الإمارات العربية وإثيوبيا - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الأحد 12 مايو 2024 12:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التعاون بين الإمارات العربية وإثيوبيا

نشر فى : الثلاثاء 5 سبتمبر 2023 - 7:30 م | آخر تحديث : الثلاثاء 5 سبتمبر 2023 - 7:30 م

شهدت العلاقات بين الإمارات العربية وإثيوبيا نموا متراكما ومتصاعدا اتسم بالتعاون بينهما فى العديد من المجالات التجارية، والاقتصادية، والاستثمارية، وذلك فى إطار تسوده رغبة مشتركة بين الطرفين فى العمل على تعظيم فرص هذا التعاون لتحقيق أقصى ما يمكن من تنمية المصالح المشتركة لصالح البلدين وشعبيهما، وتبادل الزيارات بين قيادات البلدين. وتأتى فى هذا السياق زيارة الشيخ محمد بن زايد رئيس الإمارات العربية المتحدة إلى إثيوبيا فى 18 أغسطس 2023، ورافقه وفد من كبار المسئولين ورجال الأعمال الإماراتيين، حيث كان هدف الزيارة دعم وتطوير وتوثيق العلاقات بين البلدين فى جميع المجالات. وقد أبدى الجانب الإثيوبى حفاوة كبيرة بالشيخ محمد بن زايد والوفد المرافق له، حيث صاحبت طائرتان حربيتان طائرتهم منذ دخولها المجال الجوى الإثيوبى إلى أن هبطت فى مطار أديس أبابا حيث كان فى استقباله رئيس الوزراء آبى أحمد وكبار المسئولين الإثيوبيين.
تعتبر الإمارات العربية ثانى أكبر شريك تجارى لإثيوبيا، حيث تضاعف التبادل التجارى بينهما أكثر من سبع مرات منذ عام 2008 حتى الآن. وبلغت قيمة التبادل التجارى غير النفطى بينهما فى عام 2022 نحو 1,4 مليار دولار أمريكى، منها صادرات إماراتية لإثيوبيا بقيمة 565 مليون دولار، بينما بلغت قيمة إعادة التصدير الإماراتية إلى إثيوبيا 553 مليون دولار. كما نفذت الإمارات خلال السنوات الماضية مجموعة من المشروعات المختلفة بلغت قيمة الاستثمار فيها نحو 2,9 مليار دولار أمريكى. وأبرز هذه المشروعات فى قطاعات الأدوية، وتجارة التجزئة والجملة، والقطاع الزراعى، والصحى، والتعليم، والتعدين، ومشروعات الطاقة، حيث تم توقيع اتفاقية بين شركة إماراتية متخصصة والحكومة الإثيوبية لإنتاج الطاقة الشمسية الكهروضوئية، بطاقة إنتاجية 500 ميجاوات كمرحلة أولى، وبهدف تطوير المشروعات المماثلة فى إثيوبيا لتصل طاقتها الإنتاجية خلال السنوات المقبلة إلى 2000 ميجاوات، وقد وقعت هذه الاتفاقية أثناء زيارة آبى أحمد رئيس وزراء إثيوبيا للإمارات العربية فى يناير 2023.
كما أن الإمارات العربية قدمت، وتقدم، لإثيوبيا مساعدات بلغت قيمتها حتى الآن 5,05 مليار دولار أمريكى، كان نصيب المساعدات التنموية منها نحو 89% وهدفها المعلن دعم استقرار إثيوبيا، والمساهمة فى عملية التنمية فيها.
ترى الإمارات العربية فى إثيوبيا دولة واعدة لديها إمكانيات لمعدلات تنمية عالية، وأنها تساعد على تعزيز العلاقات الإماراتية مع دول القارة الأفريقية، وأن لديها سوقا كبيرة بتعداد سكان نحو 110 ملايين نسمة، ولديها العديد من الفرص الاستثمارية فى عدة قطاعات. ويتوقع الجانبان ــ الإمارات وإثيوبيا ــ أن تشهد العلاقات الاقتصادية، والتبادل التجارى بينهما قفزات جديدة فى المرحلة القادمة، مدعومة برغبة مشتركة لمد جسور التعاون فى جميع المجالات الاقتصادية والتنموية.
●●●
وقد تناولت المباحثات بين الجانبين الإماراتى والإثيوبى مسارات التعاون فى جميع الجوانب الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والتنموية الحيوية، وإمكانات تنميتها فى جميع القطاعات بما يخدم تطلعات البلدين المستقبلية لتوسيع آفاق التعاون، والعمل المشترك فى إطار توجه الإمارات العربية الاستراتيجى لتعزيز العلاقات مع إثيوبيا وأفريقيا، خاصة أن إثيوبيا تستضيف مقر الاتحاد الأفريقى الذى حصلت الإمارات العربية على صفة مراقب فيه، وأن لإثيوبيا ثقلا كبيرا فى القارة الأفريقية، ودورا مهما فى معادلة الأمن الإقليمى فى شرق أفريقيا والقرن الأفريقى. وأكد رئيس وزراء إثيوبيا أن زيارة الرئيس الإماراتى تدعم العلاقات بين البلدين التى يعززها المستوى المتميز الذى بلغته بين البلدين وشعبيهما مشيدا بدور الإمارات العربية وجهودها الهادفة إلى ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار وخدمة القضايا التى تسهم فى تعزيز التعاون والسلام والتعايش بين شعوب العالم ودوله.
هذا وقد تم توقيع نحو 17 مذكرة تفاهم واتفاقية فى حضور زعيمى البلدين شملت مجالات التعاون والمساعدة الإدارية المتبادلة فى الشئون الجمركية، والتعاون فى مكافحة الإرهاب، وتطوير وتحديث العمل الحكومى، وتبادل الخبرات فى مجال التعاون المناخى، ومعايير تسليم الذهب، والتعاون فى مجال التجارة صادرات وواردات، والتعاون بين هيئات الاستثمار فى البلدين، والتعاون بين موانئ أبوظبى وشركة إثيوبيا القابضة للاستثمار، والتعاون بين إحدى الشركات الإماراتية (تالك) ووزارة الزراعة الإثيوبية، والتعاون بين شركة أبوظبى للنفط (أدنوك) ووزارة الزراعة الإثيوبية، والتعاون فى مجال الطاقة الشمسية.
تجدر الإشارة إلى أن الاستثمارات الإماراتية فى إثيوبيا تشمل قطاعات العقارات، والمستودعات والتخزين والخدمات اللوجستية والموانئ، والصناعة والزراعة، وحفر الآبار، والسياحة، والصحة، بالإضافة إلى الودائع المالية البنكية، والقروض الميسرة. ووفقا للاحصاءات الإثيوبية، فإن نصيب الزراعة 21 مشروعا، والصناعة 37 مشروعا، والعقارات وتأجير الآلات 20 مشروعا، والإنشاءات وحفر الآبار 7 مشروعات، والتعدين والصحة والفندقة 5 مشروعات. وقد حصلت 36 شركة إماراتية على تراخيص العمل فى إثيوبيا.
يلاحظ أنه رغم أن العلاقات بين إثيوبيا والإمارات العربية لم يتجاوز عمرها الفعال نحو عقدين من الزمان، فقد اتفق البلدان على رفع مستوى العلاقات بينهما إلى سفارة وتبادل السفراء فى مارس 2004، وفتح قنصلية عامة لإثيوبيا فى دبى، إلا أن الإمارات العربية افتتحت سفارتها فى أديس أبابا فى عام 2010. وقد انطلقت العلاقات التجارية والاقتصادية بينهما منذ عهد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مع تبادل الزيارات على أعلى المستويات منذ ذلك الحين، وعلى سبيل المثال فقد زار آبى أحمد الإمارات العربية منذ توليه السلطة حتى الآن نحو 7 مرات. كما قامت الإمارات العربية بوساطة مهمة للغاية بين إثيوبيا وإريتريا، والتى أدت إلى إنهاء حرب بين البلدين استمرت لأكثر من 25 عاما، وإعادة فتح الحدود واستئناف رحلات السفر البرى والجوى لتيسير زيارات آلاف الأسر على جانبى الحدود بينهما. وقد اعتبر إنهاء الحرب الإثيوبية الإريترية وعودة العلاقات بينهما فى جميع المجالات، وخاصة عودة إثيوبيا لاستخدام موانئ إريتريا، إنجازا مهما قامت به الإمارات العربية لتحقيق السلام والأمن والاستقرار فى منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقى.
●●●
وإزاء نمو العلاقات الإماراتية الإثيوبية، فقد أصبحت الإمارات العربية مجالا لاستيعاب فائض العمالة الإثيوبية وهى من الدول كثيفة السكان، ولديها نسبة بطالة عالية. وتم توقيع اتفاق بين البلدين فى يوليو 2019 يقضى بإرسال 50 ألف عامل إثيوبى إلى الإمارات العربية خلال عامى 2019ــ2020، وتوصلت المباحثات بينهما إلى اتفاق بأن يصل العدد إلى 200 ألف عامل. وهو ما يمثل مصدر دخل لإثيوبيا من تحويلات هؤلاء العمال إلى أسرهم أو لشراء عقارات وعمل مشروعات صغيرة فى إثيوبيا.
وقد تناولت أجهزة إعلام عربية وغربية التعاون العسكرى بين الإمارات العربية وإثيوبيا عندما اشتد القتال بين الجيش الاتحادى الإثيوبى وقوات إقليم تيجراى الذى هددت قواته بالتقدم نحو العاصمة أديس أبابا وإسقاط حكومة آبى أحمد. وقد أحدثت المساعدات العسكرية الإماراتية تغييرا كبيرا فى ميزان القوة العسكرية لصالح القوات الاتحادية وهو ما أدى إلى تراجع تقدم وبعض مطالب التيجراى من الحكومة الاتحادية. فقد فتحت الإمارات العربية فى 2021 جسرا جويا لتقديم الدعم العسكرى للجيش الاتحادى الإثيوبى، مستعينة باستئجار شركات شحن جوى خاصة إسبانية وأوكرانية نقلت معدات عسكرية وذخيرة وطائرات مسيرة، حيث قامت بنحو 54 رحلة طيران شحن عسكرى خلال شهرين فقط. وتعد هذه المساعدات العسكرية من بين أهم عوامل دعم العلاقات بين البلدين، إلى جانب الدعم المالى والمساعدات الإنسانية والخيرية التى تقدمها منظمات مدنية إماراتية.
هذا وقد تناولت المباحثات بين الشيخ محمد بن زايد وآبى أحمد عدة قضايا دولية وإقليمية ذات الاهتمام المشترك، من بينها تطورات الصراع فى السودان وتأثيره على دول الجوار وشرق أفريقيا، والأوضاع فى الصومال واليمن، وتداعيات الحرب الأوكرانية وغيرها من القضايا.
كما أفادت وكالة الأنباء الإماراتية، فقد تناول الزعيمان موضوع سد النهضة حيث رحب الشيخ محمد بن زايد بالاتفاق الذى تم بين مصر وإثيوبيا على انطلاق مفاوضات للتوصل إلى تسوية بشأن ملء سد النهضة، معربا عن أمله أن تصل هذه المفاوضات إلى حل مرضٍ لجميع الأطراف، وبما يعزز التعاون فيما بينهم، ويدعم الاستقرار فى المنطقة.
وبناء عليه، عقدت مفاوضات فى القاهرة يومى 27 و28 أغسطس 2023 بمشاركة وزراء الرى والموارد المائية فى الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا. ويلاحظ أن وزير الرى الإثيوبى أدلى بتصريحات قبل بدء المفاوضات تضمنت قوله بأنه يأمل فى التوصل إلى اتفاق ودى، وأن حكومته لن توقع على اتفاق قانونى. أن هذا الوضوح فى الموقف الإثيوبى أدى إلى عدم توصل المفاوضات على مدى يومين إلى تطور جديد فى المواقف، خاصة الموقف الإثيوبى.
والجدير بالذكر أن الإمارات العربية، فى سعيها الحثيث لتنمية علاقاتها مع إثيوبيا فى جميع المجالات، تهدف إلى تحقيق استراتيجيتها فى عدة قضايا مهمة بالنسبة لها فى الحاضر والمستقبل، فى مقدمتها تحقيق الأمن الغذائى من خلال التعاون فى مجال الزراعة وكل ما يتصل بها من رى وأسمدة وإنتاج، والدخول فى الاستثمار المتنوع فى عدة قطاعات بما يتوفر لديها من رأسمال وتحقيق عائدات من وراء ذلك، على ضوء احتياجات إثيوبيا الملحة للتنمية وزيادة الإنتاج وجلب الاستثمارات. هذا إلى جانب ما يلاحظ من سعى الإمارات فى سياستها الخارجية بأن يكون لها مراكز قوة ونفوذ فى عدة مناطق، خاصة فى الجوار المباشر أو الجوار القريب، وتولى اهتماما بالدول الأفريقية لما لديها من إمكانيات فى التوسع الزراعى والثروة الحيوانية، وهذا موضع اهتمام كبير سواء من الإمارات العربية أو من دول الخليج العربية الأخرى التى لا تتمتع بميزة إنتاج احتياجاتها من المواد الغذائية.

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات