ومرَّت مائة يوم - أهداف سويف - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ومرَّت مائة يوم

نشر فى : الخميس 6 مارس 2014 - 7:25 ص | آخر تحديث : الخميس 6 مارس 2014 - 7:25 ص

مساء الاثنين كان افتتاح مؤتمر «رايتسكون» فى سان فرانسيسكو، والذى كان من المفروض أن يشارك فيه علاء عبدالفتاح بكلمة رئيسية. شاهدت الافتتاح خلال بثه المباشر على الانترنت. حضر المؤتمر أفراد ومجموعات من ستين دولة وبعض الحكومات والشركات العالمية والكثير من المنظمات الدولية، فالمؤتمر يجمع بين الخبراء التقنيين العاملين فى مجال التقنيات الرقمية، والخبراء العاملين فى مجال حقوق الإنسان. والنجوم، بالطبع، هم من يعملون فى المجالين معا. مثل علاء عبدالفتاح، المتغيب لأنه معتقل فى ليمان طرة.

يقولون: «ليس لدينا معتقلين»، ما هو الحبس بدون محاكمة وبدون إمكانية اللجوء للقانون؟ الحبس فى الثقوب السوداء للقانون؟ هو الاعتقال. أحجمت عن الكتابة المباشرة عن علاء فى هذه الحبسة تحرجا لعلاقتنا الأسرية، ولأن هناك كما هائلا من الشباب المحبوس. لكنى، وأنا أرقب افتتاح هذا المؤتمر، وما قالوه عن علاء، رأيت أنى أشارك فى ظلمه لو صمت لأن علاء إبن أختى، وأن الأصح أن أكتب عنه لأن الظلم فى حبسه بَيِّن، ولأنه ـ كغيره من الشباب الذين نكتب عنهم ــ شاب متميز، الأجدر أن تفخر به بلاده ويستفيد منه مجتمعه، لا أن تهدر طاقاته وإمكانياته فى محبس ظالم.

علاء محبوس على ذمة قضية جنائية التهمة فيها هى الدعوة للتظاهر فى ٢٦ نوفمبر ٢٠١٣، حيث وقف المشاركون أمام مجلس الشورى وقت انعقاد لجنة الخمسين ليحثوها على عدم دسترة محاكمة المدنيين عسكريا. الدعوة أطلقتها حملة «لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين» (وعلاء ليس عضوا فيها وإن كانت شقيقته عضو مؤسس)، وقد أبلغت الحملة النيابة بمسئوليتها عن الدعوة والحشد، ومع هذا داهم ملثمو الداخلية بيت علاء فى ٢٨ نوفمبر، وضربوه هو وزوجته، وأخذوا أجهزة كمبيوتر وموبايلات من البيت بدون إذن نيابة، ثم حبسوه. وفى الحبس أيضا على نفس القضية أحمد عبدالرحمن الذى كان مارا بالطريق فتدخل للدفاع عن شابات يضربن فاحتجزه رجال الداخلية.

حبسوا علاء، وجددوا حبسه فى أول ديسمبر، ثم أخذت النيابة تتهرب من تسلم طلب الاستئناف على تجديد الحبس بشتى الأعذار إلى أن صدر، فى ٩ ديسمبر، قرار بإحالة القضية إلى محكمة الجنايات. وهنا يدخل علاء وأحمد عبدالرحمن مساحة قانونية مبهمة؛ مساحة الثقب الأسود: فالنيابة أحالت القضية للمحكمة، لكن المحكمة لم تحدد دائرة لنظر القضية، وبالتالى فليست هناك جهة مختصة يستطيع المحامون أن يتوجهوا إليها بطلب إخلاء سبيل فى انتظار المحاكمة أو حتى بطلب الاطلاع على ملف القضية! تقدم المحامون إلى المستشار نبيل صليب، رئيس محكمة استئناف القاهرة، مرتين بطلب تحديد دائرة، ولم يجدوا استجابة. هل هذا حبس أم اعتقال؟ وهل نخطئ ــ أيا كان اسمه ــ إن ظننا أن هناك سلطة ترغب فيه؟

فى الكلمة الافتتاحية لمؤتمر رايتسكون أسهب الشاب المنظم للمؤتمر فى الحديث عن النجم الغائب، وأشار إلى أن علاء، حين كان فى دورة سابقة للمؤتمر نفسه فى نوفمبر ٢٠١١، صدر فى مصر أمر باستدعائه للنيابة العسكرية، على خلفية أحداث ماسبيرو، وغادر إلى مصر ليلبى هذا الاستدعاء. كان بمقدوره ألا يعود، فأكثر من بلد، وبينهم الولايات المتحدة، عرضت عليه الاستضافة، لكنه رفض وعاد ومثل أمام القضاء العسكرى ليعلن رفضه للمحاكمة العسكرية ــ ويُرَحَّل إلى سجن الاستئناف فى باب الخلق، ثم إلى طرة. وحين استدعى مرة أخرى للنيابة فى عهد الرئيس المعزول بتهمة حرق مقر الفريق أحمد شفيق لبى الاستدعاء. وذهب إلى المحكمة ودخل قفص الاتهام لجلسات تلك القضية بإرادته. فما الداعى لحبسه الآن والمعروف أنه لن يهرب؟

قال منظمو المؤتمر إن علاء محبوس لأن الحكومه المصرية تكره حرية الرأى وحرية التعبير. وقال إن سَجنه «هو سَجن لنا جميعا»، فعلاء من التقنيين العاملين على الخطوط الأولى فى معركة إتاحة الانترنت والمعلومات الرقمية للجميع؛ هو يعمل فى تصميم وبناء المصادر المفتوحة ــ أى النظم والبرامج التى يستطيع الكل تنزيلها من النت بدون مقابل، وهو شديد الحماس لهذه البرمجيات التى تجعل المعلومات والتواصل فى متناول الجميع. كما أنه يعمل على «تمصير» النظم والبرامج، وعلى إضافة المعلومات والقراءات التى تسائل وتتحدى الروايات التقليدية للأحداث وللتاريخ. ومنال بهى الدين حسن، زوجته، تعمل أيضا بالبرمجة، وهما مشهوران بأنهما من أوائل المدونين فى المنطقة العربية وأول من أنشأ بوابة مجمِّعة (أجريجاتور) يستطيع القارئ أن يصل منها إلى كل المدونين المصريين. كما أنهما من أنشط مدربى الأطفال والشباب على التمكن من العالم الرقمى فى معسكرات الكمبيوتر والمعلومات الرقمية.

ما يعنيه كل هذا هو أن صميم عمل علاء هو فى إتاحة أدوات المعرفة والتعبير والتواصل واتخاذ القرار لكل من يحتاجها: فى العالم بتصميم البرامج المفتوحة، وفى المنطقة بتعريبها والتدريب عليها، وفى مصر بتمصيرها. لا عجب إذا ــ حين ترك هو ومنال بيتهم وحياتهم المريحة وعملهم المجزى فى جنوب افريقيا لينخرطا فى الثورة وفى ما ظنوه أنه بناء مصر ــ لا عجب أن دوره كان دائما هو التشجيع على التواصل، وإثارة الفكر، ومناقشة الآراء، والحث على العمل الجمعى والمجدد.

فى أيام العمل الميدانى كنت أدور إلى جانبه فى الشارع، فى القاهرة وأحيانا فى صغار المدن، وأرى كيف يلتف الناس حوله، ليس لأنه «يوعيهم» أو يأتيهم برسالة جاهزة، بل لأنه يسمع منهم ويساعدهم على أن يتآلفوا وأن يجدوا هم الحلول والاستجابات لتساؤلاتهم. دوره هو التمكين، ولم أره مرة يثبط أحدا أو يهبط همته أو يدعوه إلى اتجاه لا يرغبه. لم أره يغلق بابا أو يقطع صلة، بل يعمل دائما على إبقاء القنوات مفتوحة والصلات موصولة. الثقافة التى ينتمى إليها علاء، وينتمى لها معظم الشباب، هى ثقافة حرية الفكر والحديث والتداول، ثقافة العمل الجمعى، واللامركزية والابتكار والتجديد والتعبير والتواصل.

لكل هذا تجد لعلاء أكثر من نصف مليون متابع (فولور) على تويتر، وهم فى زيادة. ولكل هذا يتحدثون عنه فى رايتسكون فى سان فرانسيسكو، وقبل هذا تحدثوا عنه فى مؤتمر المدونين العرب فى عمان، وأصدروا بيانا تضامنيا وقعته خمسة وخمسون منظمة معنية بالنشر والحرية على مستوى العالم من أفغانستان إلى كندا إلى أسبانيا إلى هونج كونج وفنزويلا وجنوب افريقيا وغيرها كثيرون، إلى جانب المنظمات العابرة للدول. ولهذا إذا وضعت اسم علاء عبدالفتاح بالإنجليزية فى محرك بحث جوجل تجد خمسمائة وثمانية وتسعين موقعا تتحدث عنه، أما إن وضعته بالعربية فيصل عدد المواقع إلى ثلاثة ملايين وستمائة وخمسين موقعا. الفضاء الرقمى هو اليوم أهم مساحة يستقى منها الناس الأخبار ويتداولونها ويتبادلون الآراء فيها، ولا ينبغى الاستهانة به أبدا، فنصف سكان العالم الآن متصلون بالنيت. وشاءت الظروف أن يكون لنا، فى مصر، وفى قلب الفضاء الرقمى، شاب يجسد فى مهنته وشخصيته ونشاطه فكرة ومفهوم الديمقراطية؛ الديمقراطية التى لا ترتكز فقط على خط علامة على ورقة ووضعها فى صندوق وإنما على المشاركة الحقيقية والفعالة فى صنع القرار، بما تستوجبه هذه المشاركة من تمكين وتواصل وحرية الحصول على المعلومات وتداولها والنقاش فيها والوصول إلى رأى فيها والتعبير عنه. وماذا تفعل حكومة مصر السائرة على خارطة طريق رسمتها نحو الديمقراطية؟ تحبسه على ذمة التحقيق فى قضية وهمية، وتغلق أمامه سبل طلب إعادة النظر فى الحبس، وتهمل إهمالا تاما البلاغات التى قدمتها زوجته حول مداهمة البيت والاعتداء بالضرب وأخذ الأجهزة بدون وجه حق.

فى مقاله الأخير (فهو أيضا كاتب ملهَم) من ليمان طرة (جريدة الوادى وبوابة الشروق الثلاثاء) يستعمل علاء استعارة من حالة التَوَحُّد، أو الأوتيزم، ليصف حالة الثورى الذى يصر على عدم فهم الشفرة التى تتعامل بها السلطة ومن يوالونها، وعلى عدم التعامل بها. أقر الشعب الدستور، لكن فك طلاسم هذه الشفرة يكشف لك الدستور المستتر الذى يبيح الحبس والاعتقال والقتل والتشويه، الدستور الذى يمكن من التشدق بالديمقراطية وحبس أصحابها.

يوم السبت القادم، ٨ مارس، يتم علاء عبدالفتاح ذا الإجراء الظالم عليهما وعلى أسرتيهما وعلى طفل علاء، فإن فى هذه الحبسة رسالة من السلطة إلى الشباب فى مصر والعالم، مفادها أن الديمقراطية التى نعمل عليها هى ديمقراطية صورية، أما الديمقراطية الحقيقية فلا تلزمنا. ولن يجدى فى الهروب من هذا التفسير أى حديث حول الإرهاب والحرب عليه، فلا علاء ولا أحمد عبدالرحمن لهما أى علاقة بالإرهاب من قريب أو بعيد، كما أن الحرب على الإرهاب لا تُشَنّ بحبس شباب كل ما يمكن رميهم به هو الاهتمام بشأن الوطن، ومحبة الناس، والحس المرهف، والجد والإبداع فى العمل، والشهامة والجدعنة.

التعليقات