كفى تدليلًا.. كفى تضليلاً - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 8:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كفى تدليلًا.. كفى تضليلاً

نشر فى : الأربعاء 6 يوليه 2011 - 9:05 ص | آخر تحديث : الأربعاء 6 يوليه 2011 - 9:05 ص

 لا شك أن الشباب الذين خرجوا فى الخامس والعشرين من يناير منادين بإسقاط النظام، حاملين حياتهم على أكفهم فى مواجهة سلطة ــ ولا نقول نظاما ــ قمعية مستبدة، فاستشهد منهم من استشهد، وأصيب من أصيب، وسلِم من سلِم، يستحقون كل تقدير وتبجيل لما أدوه من عمل بطولى بأسلوب حضارى، وضع ميدان تحرير أمام ناظرى كل باحث عن الحرية والكرامة فى جميع أرجاء العالم. ولبى الشعب كله النداء، وإن توارت ذيول النظام الساقط، لتنتهز الفرص لإصابة الثورة فى مقتل، بدءا من موقعة الجمل إلى معركة البالون وما تلاها، وهؤلاء يصنفون تحت اسم «البلطجية»، ولكن تختلف الآراء فيمن يحركهم.

لقد شاب سقوط أركان الاستبداد والفساد غياب النظام بشقيه: السياسى والاجتماعى. فالجريمة التى ارتكبها النظام البائد بقصد ترويع الشعب والانتقام من الثوار بقصد إشاعة الفوضى التى هدد بها رأسه إذا أصر الشعب على إزاحته، كانت جريمة مزدوجة.. وضْع جهاز الأمن فى مواجهة الشعب كله بعد أن كان متفرغا لحماية سدنة النظام ولقمع من يجرؤ على التصدى لهم، فتحول إلى جهاز انعدام الأمن.. وإطلاق سراح المجرمين ليعيثوا فى الأرض فسادا فانقلبوا هم وذووهم على جهاز الأمن ذاته وهاجموا أفراده ومقاره وحاصروهم فيها فلم يتركوا لهم خيارا سوى الدفاع عن النفس بما تبقى بأيديهم من سلاح. وألهم هذا الشعب أن يشكل لجانا تؤدى الدور الذى كان يتعين على رجال الأمن أن يتولوه، بينما انصرف جانب من جهود شباب الثورة إلى قضايا جانبية، قصد بها إثناءهم عن مواصلة زحفهم الثورى، وهو ما لم يتحقق.

وبين يوم وليلة تحول المطبلون للنظام البائد إلى مهللين للثورة وشبابها، وانضم إليهم الذين أصابهم الكبت والإحباط بالاكتئاب والصمت الذى كسره إزاحة الغمة. فهرع الأولون إلى المغالاة فى المديح لمن ظنوا أنهم أوشكوا أن يتسيدوا العهد الجديد، لعلهم ينالون حظوة لديهم تمكنهم من البقاء ضمن فئة المنتفعين. وكرروا بذلك نمطا شاع أيام الملكية تزلفا لمن سيطروا على مقدرات الشعب بديمقراطيتها المزيفة، ثم انتقل إلى عهد ثورة قاربت الستين من عمرها وما زالت توصف بالمجيدة رغم انتقال أمرها إلى حكام تمسحوا فيها ولكنهم أنكروا مبادئها السامية، فجلبوا عليها العار وهى منهم براء. وفى سبيل ذلك حطموا الأصنام القديمة ليستنسخوا النظام الساقط ولكن بأصنام جدد يدللونها ويتمسحون فيها. وفى الوقت نفسه، يمارسون تضليل الفئات التى هضم ذلك النظام حقوقها، بإيهامهم بأن الثورة لا تعتبر كذلك إلا إذا ردتها لهم فى طرفة عين. ولتكتمل الصورة، يتهم مجلسا الرئاسة والوزراء بأنهم يضللون الشعب لإعادة إخراج النظام السابق، بتدليل رموزه وأقطاب الفساد ومرتكبى جرائم التعذيب والقتل العمد، إلى أن تجف دماء الشهداء، ويصيب ذويهم اليأس.

•••


يخالجنى شك ــ أستغفر الله من إثمه ــ أن غالبية المتحمسين فى تدليل الثوار، وفى تضليل الفئات المتضررة واتهام من يصفهم بأنهم فئات مصالح بأنه يقصد التقليل من شأنهم، إنما يتصرفون إما عن جهل إذا كانوا يقصدون خيرا، أو عن سوء نية إذا كانوا شرا يقصدون. وينضم إليهم «الفئات المندسة»، وهى فئات مارقة تنتهز فرصة النزول إلى الشوارع بمطالب تبدو عادلة فتندس بينها وتزايد عليها على سبيل التضليل لتهيئ المسرح لصراع بين أصدقاء الثورة وأعدائها، يلطخ صفحة الثورة، وينزع عن ميدان التحرير مكانته الحضارية العالمية. فإذا تدخل رجال الأمن، وهم بعد متوترون مما ألحقه النظام البائد بسمعتهم، دون قدرة لديهم على التمييز بين الصالح والطالح، اتهموا باستخدام القوة المفرطة ضد الثوار وأهل الشهداء، حتى ولو كانوا بسبيل الدفاع عن النفس. وحينما يحاصر رجال الشرطة فى مقار أعمالهم وفى مبنى وزارة هى ملك الشعب، بعد إحراق ممتلكات عامة والسطو على ممتلكات خاصة، تنبرى أقلام وأفواه تنادى بإقالة وزير الداخلية، دون أن يفسروا لنا الداعى لوقوع مثل تلك الأحداث بعد يومين فقط من إعلان الوزير عن قرب إكمال جهاز الأمن هياكله ونشاطه، ودون أن يوضحوا ــ وهم العليمون ببواطن الأمور ــ كيف كان يمكن استباق الأحداث، وكيف كان يجب أن يتعامل رجال الأمن فى الشارع، وليس من وراء مكاتب مكيفة، مع الموقف بجميع تداعياته الممكنة. يبدو أن الدليل على إيمانهم بالديمقراطية هو اتهام مستمر لمن هم فى السلطة درءا لشبهة تجاهلهم ما وقع مثلما جرى عندما ساهم الجمع فى الصمت أمام جرائم النظام المراد إسقاطه.

الأمر الذى لا شك فيه أنهم بإشغال الأذهان بتلك الأمور إنما يضيعون وقتا لا يعوض كان الأجدى تخصيصه لحوار حول بناء النظام الجديد. يبدو أن تطور الأحداث أخذ الجميع على حين غرة، فانشغلوا بتتبع الأحداث بدلا من استباقها والإعداد لمواجهتها. واتفق الجميع على أننا نعيش فترة انتقالية تخصص لترتيب إقامة نظام بديل لا يكتفى بمجرد التخلى عن الاستبداد والفساد، بل يعيد لكل مواطن ــ وأؤكد كل مواطن ــ كرامته، وتوفير الحرية التى لا تطغى فيها حقوق أى فرد على آخر، والعدالة الاجتماعية كما سبق لى تعريفها.

الغريب أن الشائع تسمية الحكومة بأنها حكومة تسيير أمور، ووصفها بأنها تتكون من تكنوقراط. إن تداخل الأمور بصور مفاجئة ومتتالية يستوجب الاتفاق على منهج جماعى تتضافر فيه التخصصات لا أن ينفرد فيها كلُّ بما هو أهل له. كان من الضرورى، عندما فوجئ المجلس الأعلى بتحمل المسئولية، أن يصدر إعلانا دستوريا يمهد لإعادة البناء، ويفرض تكليفات تحدد ليس فقط سلطات الحكومة ومسئولياتها، بل توضح لكل فئات المجتمع حدود الحركة التى تلتزم بها لتمكين الوصول إلى توافق مجتمعى على معالم النظام الجديد لحين إقامته فى أسرع وقت، واتخاذ ما يلزم للتأهب للأزمات قبل حدوثها والتعامل معها حال حدوثها، بمشاركة أجهزة المجتمع السياسية والمدنية والأمنية.

•••


منذ أسبوع فقط دعت لجنة القوات المسلحة إلى تشكيل مجموعات عمل لإدارة الأزمات المتلاحقة واتخاذ التدابير اللازمة المتزامنة مع مكافحة الفساد وبتره. لكن الأمر يقتضى تعميم هذا المنهج، لاسيما فى المواطن الحساسة التى تؤثر سلبا على قدرات الحركة نحو تحقيق أهداف الثورة، وفى مقدمتها سلامة المواطن والاقتصاد القومى، الذى يزيده غياب الأمن وعشوائية المطالب ضعفا بعد أن أعطبه الجشع والفساد. وإذا كانت عودة البورصة قد عولجت بالضرورة فى إطار تعامل مع أزمة، فإن باقى قطاعات الاقتصاد ينصب فيها مفهوم الأزمة على التعامل القاصر مع أحداث بعينها بعد وقوعها، كالإضرابات والاعتصامات، وليس فى إطار نظرة شاملة ومترابطة مع باقى القطاعات.

خذ مثلا على ذلك السياحة التى تكرر تأثرها بأحداث بعضها يبدو تافها ولكنها تؤثر فى نفسية السائح، وهى وتر تلعب عليه جهات تعادى مصر وثورتها. يدعى معتوه أنه سيصارع أسدا لجلب السياحة، فإذا الرأى العام العالمى يندد بوحشية المصريين. ومع ذلك يدعو رجال الإعلام لمشاهدته، فيتسابقون إليه ثم يعبرون عن ضيقهم بخدعته وهذيانه فى قفص أسد جريح، غير مدركين أن هذا الضيق يمكن اتخاذه دليلا على أن الهمجية هى صفة مصرية شائعة. وإذا كان قرار إقامة مباراة القمة فى أعقاب الأحداث الأخيرة صائبا فى التدليل على القدرة على استعادة السيطرة خلال ساعات، فقد أضاع تأثيره مدربٌ أعماه صالحه الشخصى وصالح فريقه عن صالح الوطن، بتصرف جعل الحكم يجرى فرارا بجلده بدلا من أن يعود إلى بلده مشيدا بحضارة الشعب المصرى. إن تكرار هذه الأحداث سوف يطيل فترة تعافى السياحة وسوء حال مئات الآلاف من العاملين فيها، وإلقاء اللوم على الثورة.

إن فرق إدارة الأزمات يجب أن يضم كل منها ممثلين لكل الأطراف المعنية، وليس خبراء القطاع ذاته فقط. وتكون مهمة مجلس الوزراء هى التنسيق بينها وإصدار القرارات التى تهيئ أفضل الحلول إلى جميع الجهات. وعلى المدللين والمضللين أن يسهموا بأفكار وإلا فليصمتوا.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات