هل التطلع إلى الديمقراطية غير واقعى؟ - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل التطلع إلى الديمقراطية غير واقعى؟

نشر فى : الأحد 6 يوليه 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 6 يوليه 2014 - 8:00 ص

تتعرض الديمقراطية وقيمها فى بلادنا لهجوم واستهزاء من قبل جهات لها تأثير على الرأى العام وتشترك فى تشكيل وعيه. معروف استنكار تيارات إسلامية للديمقراطية واعتبارها مفهوما دخيلا على الأمة بل وتخريبا لها. تيارات أخرى غير إسلامية ترى فى الديمقراطية وقيمها وآلياتها سفسطة، وبعثرة فى الجهود، وتفتيتا للوحدة الوطنية، وعرقلة للعمل من أجل التنمية والتقدم. الرد على هذه التيارات وتلك ميسور، فالديمقراطية مفهوم طورته البشرية هو ليس وقفا على ثقافة دون غيرها، ولقد أخذت به بالفعل ثقافات من مغارب الأرض ومشارقها. والديمقراطية تجلو الآراء، وتنظّم تضافر الجهود وتحدّ من فرص الوقوع فى الأخطاء القاتلة.

•••

غير أن استنكارا للتطلع إلى الديمقراطية يجيء من فريق ثالث يستند فى موقفه إلى حجج غير واهية لا بد من التعامل معها بالجدية التى تستحقها. ملخص ما يقوله هذا الفريق هو أن بلادنا لم تجتمع فيها بعد الشروط الاقتصادية والفكرية الضرورية لنشأة النظام الديمقراطى. فى رأى هذا الفريق، النظام الديمقراطى ينشأ بعد عملية للتطور الاقتصادى والفكرى، وعليه فإن الإصرار على قيام نظام ديمقراطى بدون هذه العملية، أى بدون التطور الاقتتصادى والفكرى، غير واقعى. هذا الإصرار هو إنكار لدور الزمن، بعبارة أخرى، إنكار للتاريخ، ووقوع فى براثن التقليد والفكر العقائدى. بدلا من أن تصبح الديمقرطية، مثل التاريخ، فكرة تقدمية، فإنها تصير بهذا الإصرار، وفى نظر هذا الفريق، فكرة متخلفة مثلها مثل ما يدعو إليه أصحاب الدعوة إلى خلط الدين بالسياسة.

هذا تفكير فيه رصانة يجد أصولا له فى الفكر السياسى والاجتماعى الحديث، وهو يذكّر بحديث كارل ماركس عن البنية التحتية والبنية الفوقية. فى حالتنا هذه، الاقتصاد والفكر هما الأساس المتين الذى تنبنى فوقه الديمقراطية. بدون أساس متين من الاقتصاد والفكر لا يمكن أن تنشأ الديمقراطية وأن تستمر فى رأى هذا الفريق، وعليه فإنه ينبغى التروى والعمل على بناء القاعدة الاقتصادية أولا، ثم التطلع بعد ذلك إلى الديمقراطية. على الرغم من رصانته، فإن على هذا التفكير ردودا عديدة.

•••

الديمقراطية ليست حالة نهائية وصلت إليها البلدان التى توجد بها أنظمة سياسية ديمقراطية بعد أن فرغت من إنشاء القاعدة الاقتصادية الحديثة الضرورية. البلدان جميعا على متواصل، قطب فيه هو المثال الديمقراطى من حرية وعدالة ومساواة وإِشباع لكافة حقوق الأفراد جميعهم، والقطب الآخر هو نقيض هذا المثال، حيث تنعدم الحرية وتغيب المساواة وتنتفى العدالة ولا تلبّى حقوق أغلب الأفراد. البلدان الديمقراطية أقرب إلى قطب المثال الديمقراطى، ولكن تتفاوت المسافات بينها وبين هذا القطب. ربما كانت البلدان الاسكاندينافية أقرب البلدان إلى هذا القطب ولكنها، وبالتأكيد، لم تصل إليه. بلدان أخرى، المسافة بينها وبين المثال أكبر، لأسباب تتعلق بالعدالة أو بالمساواة أو بإشباع حقوق الأفراد فى المجتمع. هذه حالات بلدان مثل الولايات المتحدة، أو اليونان، أو البرتغال، أو البرازيل، أو الهند، أو جنوب أفريقيا.

بلدان مثل اليونان، والبرتغال لا تقارن القاعدة الاقتصادية فيهما بتلك التى تملكها ألمانيا أو المملكة المتحدة ومع ذلك نشأ نظامان ديمقراطيان فيهما بدون النظر إلى قصور التصنيع أو ضعف إنتاجية النشاط الاقتصادى فى كل منهما. الهند، حيث لم تنقطع العملية السياسية التنافسية منذ الاستقلال فى سنة 1947، البنية الاقتصادية فيها كانت متخلفة وهى مازالت كذلك على الرغم مما حققته من تقدم فى العقد الأخير. تسعون فى المائة من العمال فى الهند يعملون فى الاقتصاد غير المنظم، أى فى أنشطة اقتصادية غير منظمة، منخفضة الإنتاجية، تغلب عليها العشوائية، وهذه نسبة أعلى من نسبة العاملين فى الاقتصاد غير المنظم فى مصر. لم تنتظر الهند الانتقال ولو إلى درجة معقولة للتحديث الاقتصادى لكى تأخذ بالنظام الديمقراطى. لقد وجدت الهند فى الديمقراطية سبيلا إلى تنظيم التعدد العرقى والثقافى واللغوى والدينى الموجود فيها وهو ما وقاها الأزمات السياسية الكبرى منذ استقلالها. قارن حالتى الهند وباكستان. هما نشآ عن بلد واحدة، وبالتالى، كانت البنى الاقتصادية فيهما متشابهة إن لم تكن متطابقة. لم تتمسك باكستان بالديمقراطية وتوالت الانقلابات فيها. هل يرجع ذلك إلى بنيتها الاقتصادية؟ فماذا عن الهند إذن ولم لم تؤد بنيتها الاقتصادية إلى انقلابات شبيهة؟ الاقتصاد الحديث متغير مهم، نعم، ولكنه ليس حاسما. انظر إلى ما أدّى إليه النهج غير الديمقراطى الغالب فى تاريخ باكستان من انعدام فى الاستقرار ومن توسع فى التطرف الدينى ومن تهديد لسيطرة الدولة على إقليمها.

•••

ثم كيف يمكن أن تسلك طريقا غير ديمقراطية وأن تتوقع أن تصل فى النهاية إلى الديمقراطية؟ الطريق هى جزء من عملية بناء الديمقراطية وهى ممارسة لها. قيم الديمقراطية يمكن أن تتحقق تدريجيا عند المحطات المتتالية على طريق الديمقراطية، ولكن الطريق نفسها لا بد أن تكون ديمقراطية. إن سلكت طريقا غير ديمقراطية فقد يبذل أصحاب السلطة كل الجهود الممكنة لكى لا تنشأ البنية الفكرية الضرورية للتحول إلى النظام الديمقراطى. بمنطق المخالفة، خذ مثال ألمانيا فى فترة ما بين الحربين العالميتين. البنية الاقتصادية الضرورية للنظام الديمقراطى كانت موجودة على الرغم من آثار الحرب العالمية الأولى وتبعاتها. نشأ نظام تعددى ولكنه وبفعل الفكر الفاشى أطيح به. واستغل هذا الفكر تطوير البنية الاقتصادية فى الثلاثينيات من القرن العشرين لترسيخ أقدامه وتعزيز سيطرته وإلغاء المجتمع والحرية فيه حتى كان ما كان. الشاعر الإسبانى الكبير أنطونيو ماتشادو قال فى الثلث الأول من القرن الماضى: «أيها السائر، لا توجد طريق. بالسير تخط الطريق». ممارسة الديمقراطية هى الطريق إلى تحقيقها. السير فى الطريق وممارسة الديمقراطية يرسيان أسسها الفكرية ويرسخانها. القيم تتحقق تباعا أما اتخاذ القرار من أجل تحقيقها فهو لا يمكن أن يكون إلا ديمقراطيا منذ البداية.

أستاذ السياسات العامة

بالجامعة الأمريكية بالقاهرة

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات