الحماية الاجتماعية وحدها ليست الحل - محمد العجاتي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 10:12 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحماية الاجتماعية وحدها ليست الحل

نشر فى : الجمعة 6 أكتوبر 2023 - 7:55 م | آخر تحديث : الجمعة 6 أكتوبر 2023 - 7:55 م
ينعقد الاجتماع السنوى للبنك الدولى هذا العام فى منطقتنا العربية وتحديدا فى مراكش فى هذا الشهر، ذلك رغم الكارثة التى شهدتها المغرب من جراء الزلزال الذى ضرب البلاد وتحديدا المدينة المزمع عقد الاجتماعات بها، أصرت حكومة المغرب على انعقاد الاجتماع فى موعده مستضيفة معه قمة مضادة تنظمها مراكز بحثية ومنظمات مجتمع مدنى من مختلف دول العالم. وللبنك الدولى وسياساته تاريخ طويل فى منطقتنا، لعل أولى محطاته كانت فى العام 1955 عندما رفض البنك الدولى تمويل بناء مصر للسد العالى، وما تلاها من أحداث وتطورات سياسية غيرت وجه المنطقة. وظل دور البنك ومؤسسات التمويل الدولية محدودا فى دول بعينها فى المنطقة. إلى أن بدأ دوره فى التزايد عبر سياسات تمهيدية فى السبعينيات وبأجندات وبرامج فى الثمانينيات وتغلغل فى اقتصادات دول المنطقة فى التسعينيات. وخلال هذه الفترة تطورت سياسات هذه المؤسسات من الدعوة لسياسات رأسمالية لأجندات تقوم على النيوليبرالية بشكلها الأكثر قسوة وعنف. إلا أنه فى العشر سنوات الأخيرة بدأت مؤسسات التمويل الدولية من بنك وصندوق تدرج على أجندتها موضوع الحماية الاجتماعية لتدارك آثار السياسات المذكورة على الفئات الأكثر تضررا فى المجتمعات.
وهو ما ظهر واضحا فى كلمة كريستين لاجارد، رئيسة صندوق النقد الدولى السابقة، فى المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ فى 2015 حيث حثت دول المنطقة إلى جوار عملية الإصلاح الاقتصادى وفقا لأجندة البنك والصندوق أن تهتم بالتعليم والصحة... إلخ. والحماية الاجتماعية طبقا لتعريف البنك الدولى هى البرامج والسياسات التى تحمى الأفراد من الصدمات وتجهزهم لتحسين سبل عيشهم وخلق فرص لبناء حياة أفضل لأنفسهم ولأسرهم. أما صندوق النقد فيراها تشمل التأمين الاجتماعى وبرامج المساعدة الاجتماعية. ويهدف التأمين الاجتماعى إلى حماية الأسر من الصدمات التى يمكن أن تؤثر سلبًا على دخولهم ورفاهيتهم، ويتم تمويله عادةً من خلال المساهمات أو ضرائب الرواتب. فالحماية الاجتماعية بالنسبة للصندوق تسعى إلى حماية الأسر من الفقر ويتم تمويلها من الإيرادات الحكومية العامة.
وفى عام 2018، أطلق البنك الدولى تقرير «شبكات الحماية الاجتماعية»، معرفا إياها بأنها كل المدفوعات الحكومية الموجهة إلى أنظمة الحماية الاجتماعية غير القائمة على الاشتراكات. ووفقا لذات التقرير، كانت الدول الأغنى، والتى تتمتع حكوماتها بقدرات مالية أعلى تحظى بتغطية أفضل لتلك الشبكات وجاءت منطقتنا متأخرة جدا فى هذا الترتيب.
• • •
ورغم ما تتيحه أجندات هذه المؤسسات من فرص للمشاركة وقواعد للحوكمة وآليات لشكاوى المتضررين يمكن الاستفادة منها إلا أن التعريف السابق عند وضعه مقابل أجندة هذه المؤسسات الاقتصادية سندرك عددا من الإشكاليات، أبرزها الوقوع فى فخ الأرقام، بمعنى مدى شمولية هذه البرامج والأعداد المدرجة فيها والنسب التى تستفيد منها أى أن التركيز ينصب على توفير الخدمة وبدرجة ما القدرة على الوصول لها، بينما إذا نظرنا إلى هذه الخدمات كحق هناك معياران للحقوق يتم تجاهلهما وهما الجودة والرضاء، حيث لا تقيس هذه المؤشرات مستوى الخدمات المقدمة ومدى تباينها بين الفئات المقدمة لها ولا تعير اهتماما لدرجة رضاء المواطنين عن هذه الخدمات.
كما تضع هذه المؤسسات الحماية الاجتماعية كمكمل للنمو لتعتبر ذلك نموذجا للتنمية، وهو أمر به خلل كبير فبرامج الحماية الاجتماعية لا يمكن أن تكون بديلا لعمليات التنمية الاجتماعية والبشرية وأن نكتفى بالنمو الاقتصادى إلى جوار هذه البرامج لنعتبر أن الدول من خلال ذلك حققت التنمية المرجوة، فالتنمية لها قواعد وأسس وضعتها الأمم المتحدة ذاتها عبر ما سمى بأهداف التنمية المستدامة والتى تعتبر خطة لتحقيق مستقبل أفضل وأكثر استدامة للجميع. وتتصدى هذه الأهداف للتحديات العالمية التى نواجهها، بما فى ذلك التحديات المتعلقة بالفقر وعدم المساواة والمناخ وتدهور البيئة. وبالقياس على أهداف التنمية المستدامة لا نجدها تتحقق عبر معادلة النمو زائد الحماية، بل وأحيانا تتعارض معها كما فى مسائل العدالة المناخية على سبيل المثال. وينبع هذا التفكير من خلط آخر أكثر خطورة بين الحماية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية واعتبار الحماية بديلا كافيا للعدالة أو اعتبارهما مترادفين. فالحماية الاجتماعية شرط ضرورى لتحقيق العدالة الاجتماعية ولكنها ليست شرطا كافيا لتحققها، أى أنها عنصر واحد فقط من عناصر تحقق العدالة الاجتماعية. فالحماية الاجتماعية ليست بديلا عن العدالة الاجتماعية كما يطرح البعض، فقد تكون الحماية الاجتماعية ــ بالمعنى الضيق ــ مساعدة الفقراء والفئات الاجتماعية الضعيفة ــ ضرورية كسياسة إنقاذ سريعة على المدى القصير، ولكن ما لم تقترن بسياسات تعالج الأسباب الجذرية للفقر واللامساواة، فإن العدالة الاجتماعية لن تتحقق والتنمية المستدامة وزيادة معدلات الفقر لن تتوقف.
• • •
الإشكاليات السابقة تقودنا إلى برامج تطرحها مؤسسات التمويل الدولية وتنفذها أو تستلهم منها حكومات المنطقة العربية تستهدف الفقراء وليس الفقر، فنستمر فى حلقة مفرغة عبر سياسات تعيد توليد الفقر وبرامج تركد لمحاولة إنقاذ البشر من جراء هذه السياسات. وهو ما يستوجب تغيير فى المفاهيم السابقة أولا لنستطيع طرح سياسات جدية تعالج جذور مشكلة الفقر التى تتزايد فى العالم وسبب رئيسى فيها المؤسسات محل الحديث، سياسات تزيل أسباب الفقر وتحول دون وقوع فئات جديدة فى براثنه، وتحد من حالة اللامساوة التى تقع منطقتنا فى أسوأ التقديرات الخاصة بها، فمنطقتنا هى الأعلى من حيث اللامساواة فى العالم فى كل التقارير الدولية المتخصصة. الذين يطرحون هذا التصور عن ضرورة التغيير لا يطلقون كلاما على عواهنه، إذ سنجد العديد من المراكز البحثية البديلة لها إصداراتها المبنية على رؤى وسياسات بل وتجارب محدودة ناجحة، تتعلق ببدائل لسياسات التقشف التى تفرضها هذه المؤسسات وتتبارى حكومات المنطقة فى المزايدة عليها، وبدائل تتعلق بتقليص الضرائب المباشرة التى تصيب الفقراء وتعديلات هيكلية فى النظم الضريبية نحو ضرائب تصاعدية جادة وأنماط ملكية متنوعة لا تضع مقدرات الدول فى يد فئات محددة، ومنظومات للدعم كفاءة وسياسات مالية تحافظ على قدرات المواطنين الشرائية وتعالج مشاكل المديونية، حتى على مستوى التحول العادل فيما يتعلق بالعدالة المناخية، وغيرها من السياسات البديلة التى من شأنها أن تحد من اللامساواة وتمول عمليات التنمية وتغير هياكل الاقتصاد عبر مشاركة مجتمعية لصالح اقتصاد أكثر عدالة وفاعلية.
إن الخروج من دائرة الفقر عبر ربط برامج الحماية بعملية تنمية مستدامة كجزء منها ليس كبديل لها، وتضمينها فى آليات العدالة الاجتماعية كإحدى آليات هذه العملية الأوسع وليس كمرادف لها، أصبح ضرورة ملحة ليس فقط اجتماعيا ولكن كذلك اقتصاديا؛ حيث إن خروج شرائح واسعة من السوق نتيجة تدهور أوضاعهم المعيشية سيؤدى بالضرورة فى المستقبل القريب إلى تراجع أداء الاقتصاد الحقيقى والظلم الاجتماعى والاحتقان السياسى، فلا بديل عن وضع برامج الحماية فى وضعها الصحيح فى إطار تعديل شامل للمنهج والسياسات الاقتصادية السائدة حاليا.
محمد العجاتي باحث والمدير التنفيذي لمنتدى البدائل العربي
التعليقات