العلاقة بين الإعلام والحراك السياسى - محمد العجاتي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العلاقة بين الإعلام والحراك السياسى

نشر فى : الأحد 6 نوفمبر 2016 - 9:45 م | آخر تحديث : الأحد 6 نوفمبر 2016 - 9:45 م
رغم النقد الشديد للسلطات العربية للإعلام فإن علاقته بالطرف الآخر المتمثل فى الحراك السياسى التى شهدته المنطقة لم تكن على ما يرام كذلك، وهو ما مثَل أحد أهم إشكاليات التحول، فبعد خمس سنوات من بدء الثورات العربية التى ارتكزت بالأساس على الحراك السياسى والدور البارز الذى لعبه الإعلام فى تلك الفترة، يمكننا وصف العلاقة بين الإعلام والحراك السياسى خلال هذه الفترة بعلاقة الكره والمحبة love and hate relationship.

يرجع الحراك فى الغالب إلى مجموعة من الأسباب الداخلية والخارجية، وتتعلق الأسباب الداخلية بنظم الحكم وعلاقتها بالمجتمعات والشعوب العربية، ولذا كانت الأدبيات القانونية والنظريات السياسية تؤسس لعلاقة واضحة بين السلطة والمجتمع وترتكز فى ذلك على مجموعة من القيم كالاستقرار والشرعية والديمقراطية، والتى تمكن من وجود تفاعل ناجح بين الدولة والمجتمع. وتتمثل هذه الأسباب فى الواقع العربى فى المشكلات المرتبطة ببنية السلطة ومبادئ الحكم، من افتقاد دولة القانون وعدم الخضوع للقواعد الدستورية والقانونية، هذا إلى جانب إفراغ التشريعات والمؤسسات من كل محتوى حقيقى، وغالبا ما تتحول الدساتير إلى مجرد وثيقة شكلية توضع لتغطية ممارسات السلطة وإضفاء الشرعية عليها. «على عباس مراد، ديمقراطية عصر العولمة».

أما الأسباب الخارجية للحراك العربى، فترجع إلى الاختراق الرأسمالى الواسع للبلدان العربية، والذى يمثل أحد المصاعب الأساسية أمام التحولات الديمقراطية، لما يوفره من حالات القروض والتسهيلات الائتمانية لسداد ديون أنظمتها الحاكمة ويوفر لبعضها الحماية العسكرية، ناهيك عن الاختراق السياسى والثقافى والإعلامى. «عبدالسلام قريفة، الحراك العربى، المجلة الأفريقية للعلوم السياسية».
***
لم يكن الإعلام فى سنوات ما بعد الحراك الأولى غائبا عن التعامل مع هذه القضايا بل تجاوز دور المحرك ليقترب من صناعة السياسة فى القنوات الإعلامية، انطلقت منها أصوات التغيير وأوقفت عجلة خصوم الثورات، وضغطت على وزراء وحكومات لحد اتخاذ قرارات معينة أو إيقاف قرارات قد اتخذت بالفعل. وعلى الجانب الآخر حشدت الثورة المضادة قوتها عبر إعلام هادم الحراك السياسى مع تمرير رسائل قيمية خفية، حتى أتت لحظة الانقضاض فأظهر هذه الرسائل التى كانت قد تسربت لعقول كثيرة، من يتابع الإعلام اللبنانى المعادى للحرك يكتشف أنه صار على ذات نمط رفقائه من أعداء الثورة فى مصر، لكن فى مدة زمنية يمكن رصدها وفهمها بشكل أوضح.

ويمكن وصف العلاقات بين الطرفين بالتحفظ – فى أقل التقديرات، فعلى سبيل المثال استخدم الإعلام بعض المفاهيم والتوصيف الضار بالحراك حيث صنفها تصنيفات سلبية مثل تعبير «فئوية» الذى أصبحت توصم به حركات تطالب بحقوق مشروعة وامتد كما يشير الباحث هشام سلام إلى وصف أى تظاهرة، أو إضراب، أو اعتصام يطالب بإعادة توزيع الثروات. أو توصيف المشاركين بالزعران (بلطجية) كما حدث فى الحالة اللبنانية هذا إلى جانب التشكيك فى أهدافهم مثل مفهوم هدم الدولة الذى ما لبث ان أعاد لصق مفهوم الدولة بالنظام من جديد وأصبحت أى معارضة للنظام محاولة لهدم الدولة ومغفلين أن إهدار القانون وطغيان مؤسسات بعينها وحتى عدم المهنية الإعلامية هو الهدم الحقيقى للدولة. بل وأحيانا استخدم الإعلام فى محاولات مباشرة لإجهاض الحراك وإثارة الفزع «كرات النار تتجه إلى ميدان التحرير». أو استغلاله لصالح فريق على فريق كما برعت قناة الجزيرة فى ذلك خاصة فترة حكم الإخوان المسلمين لمصر.

فقد أثبتت هذه الفترة أننا أمام منظومة إعلامية بنت زمن الاستبداد على المستوى المهنى والهياكل والملكية، حيث يلعب الإعلام الرسمى بتوجيهات دور الناطق الرسمى للحكومة ويحجب أى أصوات مخالفة لها، أما الإعلام الخاص فيتعرض لهجمات مباشرة عبر تضييقات على رؤساء تحرير، أو بالضغط على المالكين لتحديد خطوط حمراء للرأى تحددها الدولة، وأحيانا استخدام رأس المال لشراء الصحف واستبعاد من ترغب الحكومة فى استبعاده عبر المالك الجديد. فيتم تشويه متعمد أو عن جهل بالخبر والوقائع، ففى ظل النظام السلطوى يتسم بالفساد فى علاقاته مع مؤسساته، وهو ما ظهر فى مؤسسات الإعلام سواء المملوكة للدولة أو لرجال الاعمال، والذى أبرز ارتباط المصالح بين أصحاب القنوات الفضائية وأفراد العائلات الحاكمة فى المنطقة العربية.
بينما أخذ الحراك موقفا مشابها من الإعلام فمثل أغنية رائعة عن الثورة المصرية «فلان الفلانى» تصنف الأبطال أو تجعل شروطهم «فلان اللى ما طلعش فى قلب البرامج»، واعتداء أعضاء حركة 20 فبراير فى المغرب وما حدث عند محاولة الـ LBC عمل برامج من الساحة أثناء حراك طلعت ريحتكم، علينا الاعتراف أن سنوات القمع جعلت هناك نفوس تتوق للحرية وعقول تفزع منها، وهو ما استخدمته الثورات المضادة من خلال ما يمكننا أن نطلق عيله فزاعة التعددية باعتبارها انفلاتا وتشتتا وضعفا، وهو ما تمثل فى خطاب إعلامى يهاجم الأحزاب والحركات بل وحرية الإعلام ذاتها.

أما على الجانب الآخر من العلاقة فهو مرتبط باستفادة وثيقة لكل طرف من الآخر، فاستفادت الإعلام كانت مباشرة وواضحة، فالحراك أصبح مصدرا وثيقا بل جزءا من منظومة الإعلام، حيث أصبح على الهيئات الإعلامية تغطية أكثر من ثلاثة أخبار رئيسية فى اليوم الواحد وكانت قبل ذلك تغطى خبرا كل ثلاثة أيام إن وجد «تعبير لإحدى الإعلاميات»، فالخروج من حالة الركود السياسى خلقت كذلك مبادرات إعلامية جديدة، وأيضا ساهم فى تطوير أداء بل هياكل الإعلام القائم وظهرت مجموعة من الشباب بفكر جديد ورؤية جديدة وأداء مهنى مختلف، فى أكثر من دولة عربية، مما أثر فى جميع الوسائط الإعلامية من المكتوب للمرئى للإلكترونى.
***
على جانب آخر عمل الإعلام على توثيق ونشر أفكار الحراك، فبدون الإعلام لم تكن لكثير من قضايا الحراك أن تعرف ويتم تبنيها، بل أنه عن قصد أو دون كان مصدرا للحشد للحراك ومصدرا للضغط جانبه، فعندما بكى وائل غنيم فى العاشرة مساء تحركت الطبقة الوسطى فى مصر، وعندما أغلق محافظ القاهرة الهاتف فى وجه المذيعة ريم ماجد بعد عرض تقرير حول إغلاق المحال التجارية فى السادسة سقط القرار. بدون الإعلام الإلكترونى ما كان توثيق الأحداث المحايد والموضوعى وما كان التواصل بين الحركات من تونس لمصر للبنان.
ولكن ذلك لا يعنى أن جميع وسائل الإعلام معا على نفس الموجة من الاستفادة من الحراك، فالإعلام الإلكترونى هو الأقرب والمكتوب هو الأبعد، وليس كل حراك على نفس الموجه من الاستفادة من الإعلام فكلما كان أكثر مؤسسية وتنظيما كلما كان أكثر قدرة على التعامل مع الإعلام كنموذج الاتحاد العام للشغل فى تونس. لكن فيما يبدو أن الرغبة فى تدجين الحراك ستظل هاجسا للإعلام، كما سيظل إعلاما مساندا فى المطلق هو غاية الحراك. فى الحقيقة لن يتحقق هذا ولا ذاك ولكن لابد من مد جسور بشكل عقلانى يتفهم دور وأهمية كل طرف للآخر تتقبل فيه التعددية وتسود فيه ثقافة تسعى للحرية ولا ثقافة تخاف منها.

 

محمد العجاتي باحث والمدير التنفيذي لمنتدى البدائل العربي
التعليقات