هل العلوم العسكرية «علمية»؟ - العالم يفكر - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 5:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل العلوم العسكرية «علمية»؟

نشر فى : الأربعاء 7 يناير 2015 - 8:20 ص | آخر تحديث : الأربعاء 7 يناير 2015 - 8:20 ص

نشر موقع يوريشيا ريفيو دراسة للباحث جلين فويلز حول المكانة الأكاديمية للعلوم العسكرية، نقتطف منها الخاتمة بنصها، وهى كما يلى: إن مصطلح العلوم العسكرية مصطلح غير معرف بشكل دقيق كفرع أكاديمى، وذلك لاعتماده على خليط من المناهج الدراسية؛ منها التاريخ، والشئون الخارجية، والدراسات الأمنية، والقيادة، وإدارة العمليات، وهندسة النظم، فضلا عن عناصر أخرى من العلوم الفيزيائية والاجتماعية. ونتيجة غموض التصنيف، تراجعت مكانة المصطلح عن استخدامه فى القرن التاسع عشر، حيث كانت العلوم العسكرية تتمتع بتقدير كبير وضعها جنبا إلى جنب مع الفيزياء والفلسفة والتخصصات الأكاديمية الراسخة الأخرى.

والمفارقة، أن تراجع مكانة المصطلح حدث خلال فترة تزايد انضباط العسكريين المحترفين فى استخدام المصطلحات والتعبيرات العلمية. ويعود هذا التحول جزئيا إلى إضفاء الطابع المؤسسى على البرامج الدراسية للضابط والتى تركز على دراسة النظرية العسكرية، فضلا عن أن التصنيع السريع أدى إلى ترسيخ العلوم والتكنولوجيا باعتبارها الأعمدة المركزية للقوة العسكرية، ويمكن القول إنها العناصر الأساسية فى مناهج العقيدة والتخطيط. وتعتبر الدراسة أن وجهة النظر هذه وصلت إلى ذروتها فى العقود الأخيرة، وتجسدت فى منهجيات تقلل من مستوى اتخاذ القرارات إلى مستوى صياغة عمليات، ولا يختلف ذلك عن الطرق المستخدمة من قبل الكيميائيين فى خلط المركبات لإحداث التأثير المطلوب.

•••

ورغم أن العلوم العسكرية تشترك فى بعض الصفات الأساسية مع العلوم الفيزيائية فى استخدام الملاحظة والوصف، والقياس، والتحليل المنظم لدعم الإستدلالات السببية أو الفرضيات التفسيرية، إلا أن العلوم العسكرية لا تزال تختلف عن العلوم الفيزيائية فى جوانب مهمة، وعلى الأخص فى حالة عدم وجود تجربة منضبطة قابلة للتكرار ووسائل التحقق من صحة النظرية. لهذا، ولأسباب أخرى، تعتبر العلوم الاجتماعية المجال الأنسب لتأسيس المفاهيم.

فى هذا الإطار، يرى بعض المنظرين الآن أهمية وضع نظرية خصيصا للجيش، كوسيلة لفصل التعقيدات، وتقديم استراتيجيات محسنة للتدخل. وعند هذه النقطة، تأتى المحاذير، حيث كان خلط المخططين بين دقة أدواتهم (الأسلحة والنظم) وأساليب تطبيقها (النظريات والمذهب) أحد الأعراض المؤسفة للعلوم العسكرية.

ويمكن الإشارة هنا إلى بعض السلبيات حول العقيدة العسكرية، فالكثير مما يعتبر تخطيطا عسكريا، أقل صرامة من الناحية التحليلية مما هو ظاهر، حيث أن المظاهر المتشددة للعقيدة العسكرية أضفت هالة من «العصمة العلمية» الزائفة على عملية التخطيط العسكرى، مما يحصن مخرجاتها ضد النقد. فضلا عن أن العقيدة فى كثير من الأحيان تكون بمثابة ورقة توت تخفى عملية يقودها الشعورالحدسى، وافتراضات ليس لها أسس سببية. وفى الوقت الذى ينبغى أن تساعد العقيدة فى توفير لغة مشتركة وإطار مرجعى، فإنها تحتوى على تأثير غير مرغوب فيه، يتمثل فى تعزيز «عبادة الخبرة»، وبالتالى فقدان دمج أدوات متنوعة، والتفكير غير التقليدى. وهنا تكمن الخطورة.

•••

ومن الرؤى الناقدة لعلموية العلوم العسكرية تأتى وجهة نظر أحد الخبراء الاستراتيجيين كالروسى «كارل فون كلاوزفيتز»، والذى أدرك جيدا الأخطار المحتملة من «علموية» العلوم العسكرية وحذر من أن «الشر الأكبر يكمن فى الحاشية المزينة بالمصطلحات الفنية؛ التعبيرات والاستعارات العلمية، التى يتجاوزها الصواب بمجرد تحريفها واستخدامها كأداة للبديهيات العامة، أو تعويذات.». ومن وجهة نظر اقتصادية، تأتى رؤى عالم الاقتصاد «فريدريش هايك» حول وظائف الأسواق الاقتصادية، وإمكانية تطبيق دينامياتها على أى صراع عسكرى أو أى نشاط بشرى آخر تشمله ظروف عدم اليقين والغموض التحليلى، وعدم الحتمية عند التنبؤ. وتطالب رؤية «هايك» بالتزام التواضع بدلا من اليقين، حيث تقدير حدود المعرفة المفيدة، والاعتراف بأن الخطط لا تمثل امتدادا للإرادة. ويجب أن يكون الشك أساس التفكير.

ونطرح حلا لتصويب أسوأ التجاوزات العلموية العسكرية، فعلى القادة الاستفادة من النظر فى أساليب المجالات الأخرى التى قد لا تبدو للوهلة الأولى مماثلة للعمليات العسكرية مثل علم الأحياء، وعلم الأوبئة، أو الأرصاد الجوية. حيث إن هذه التخصصات قد تقدم أمثلة مفيدة للمخططين العسكريين فى كيفية تقدير قيمة القيود الطبيعية لعملهم، وتحسين تقنيات ما وراء المعرفة، واكتساب حساسية أكبر لاستخدام وسوء استخدام الاحتمالات. وبالمثل، سوف تؤدى إعادة وضع العلوم العسكرية فى مكانة متساوية مع العلوم الاجتماعية الراسخة، إلى التدقيق فى الأساليب العلمية وكذلك تحسين الوعى بها.

•••

وفى النهاية، ننصح بوجوب البحث عن مساحة يمكن الدفاع عنها بين لا مبالاة من لاحول لهم ولا قوة وما وصفته بـ«الغطرسة» الحالية التى تقود الطموحات النبيلة للعديد من المخططين العسكريين. علاوة على إدراك أنه فى بعض المواقف لا يكون الحدس، والتدريب، والخبرة أمورا تكفى لاكتساب الوعى الكافى من أجل التنبؤ بالنتائج بدرجة معقولة من اليقين. والواقع أن القدرة على إدراك هذه الحدود والاقتراب منها بتواضع وأمانة فكرية، أبلغ دليل على المهنية.

التعليقات