مستقبل الدولة الأردنية: سياسة اللعب بالكلمات - فيس بوك - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 7:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مستقبل الدولة الأردنية: سياسة اللعب بالكلمات

نشر فى : الثلاثاء 7 يناير 2020 - 10:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 7 يناير 2020 - 10:35 م

نشر الكاتب لبيب قمحاوى مقالا على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعى فايسبوك يرى فيها أن ما تتخذه الحكومة الأردنية من سياسات حالية لا تمثل تقدما إلى الأمام، بل هى وسيلة لتفادى تأثيرات ما يحدث فى المنطقة... وجاء فيها ما يلى:
يتناسى الحكم فى الأردن بأن الرجوع عن الخطأ ــ وإن كان فى جوهره فضيلة ــ فى واقعه السياسى قد لا يعنى التغيير نحو الأفضل. فالتغيير يكون فى العادة تغييرا فى النهج وليس رشوة للمواطن من خلال قرارات اقتصادية تخفف من قسوة وجبروت قرارات حكومية سابقة خاطئة أو ظالمة ضربت عرض الحائط بقوت المواطن وقدرته على تلبية متطلبات الحياة لصالح مفهوم الجباية وتمويل الفساد وتعزيز تسلط الدولة على جيوب المواطن، وإلى الحد الذى أوصل المواطن الأردنى إلى حافة الانهيار والسقوط واليأس من المستقبل. وقد شكلت هذه الحالة الأرضية الخصبة للاحتمال القوى لتكرار ما جرى ويجرى فى أقطار عربية مجاورة للأردن.
بصراحة كاملة فإن جُلَّ ما نراه ونسمعه أخيرا من إجراءات حكومية وتوجيهات سامية بعمل هذا وعمل ذاك إنما تعكس ردة فعل لما يجرى فى دول محيطة بالأردن من ثورات مطلبية، ومحاولة هجينة لتفادى أى آثار ممكنة لتلك الثورات على الأردن خصوصا وأن الأسباب الموجبة لها متماثلة بشكل ملحوظ بين تلك الدول والأردن. فهذه الإجراءات والسياسات لا تأتى مثلا كترجمة لمخطط متماسك لتفعيل وتنشيط الاقتصاد ووقف ومحاسبة الفساد وتبنى نهج التنمية عوضا عن الجباية، بل تأتى من خلال مفهوم الفزعة وعلى قاعدة الخشية من الغضبة الشعبية. إذا الخوف والخشية هى مفتاح تغيير شكلى فى السياسات وليس أى شىء آخر، وهنا يكمن التخوف والحذر مما هو آتٍ.
إن قراءة متأنية للخارطة السياسية المحلية فى الأردن تؤكد أن النظام قد نجح على مدى العقود الماضية فى إعادة تشكيل المجتمع الأردنى على مقاسه وبما يناسب حاجاته ومتطلباته، وبشكل جعل من هذا المجتمع امتدادا للنظام عوضا عن كون النظام امتدادا للمجتمع وتجسيدا لإرادته. أما على مستوى المجتمع السياسى فقد نجح النظام فى الاستيلاء عليه بشكل يكاد أن يكون كاملا وإلى الحد الذى مَكنَهُ من خلق المعارضة من خلاله وخلال مؤسساته تماما كما نجح فى خلق الموالاة المطلقة التى لا تسمح بالنقد إلا ضمن الحدود التى يسمح بها النظام. وأصبح الولاء المطلق هو التعبير عن الهوية الوطنية بل عن المواطنة نفسها وعن الحقوق المرتبطة بها. وعلى هذا الأساس، من الخطأ الافتراض أن هنالك سياسات مبعثها جهات أخرى فى الدولة الأردنية. فالنظام أصبح منبع كل السلطات والسياسات وهو بالتالى مسئول عن نجاح أو فشل تلك السياسات. الخطأ أساسه النظام تماما كما أن الصواب قد يعود إلى موافقته أو عدم ممانعته. إن هذه الحقيقة تُنافى المبادئ الواردة فى الدستور الأردنى ولكنها تبقى مع ذلك هى الحقيقة مهما كانت مُرَة. وربما يكون هذا الواقع الشاذ هو أساس مطالبة معظم الأردنيين بتفعيل دستور عام 1952.
***
تحرر إرادة الشعب الأردنى واستقلالية المعارضة عن نفوذ النظام وقبضته الأمنية أو مكافآته وإغراءاته المادية هى أساس التغيير. وما دام الجسم السياسى الأردنى يطمح إلى الوصول للمركز السياسى أو المكاسب الوظيفية والاجتماعية والمادية، وما دام عبدا للألقاب، فإن سمات التغيير سوف تبقى محصورة بإرادة النظام، وإذا ما استمر هذا الحال واستمر النظام فى ممارساته تلك وفى التلاعب بمقدرات البلد تنفيذا لرؤيته ورغباته، فإن بذور الانفجار والتى قد يكون مبعثها يأس الشعب من قياداته السياسية وقدرتها على فَرضِ التغيير، سوف تنمو إلى مداها الخطر.
اللعب بالكلمات ودغدغة العواطف هى وسائل تخلو من الشر وإن كانت لن تؤدى بالضرورة إلى الخير. أما اقتناص عواطف المواطنين الوطنية واستغلالها من خلال نشر إشاعات عن أخطار خارجية قادمة بهدف تحويل انتباه الأردنيين عن أخطار حقيقية داخلية وتحديات يومية لصالح تلك الأخطار الوهمية هى عملية لا تخلو من الخطورة. فهى ستؤدى إلى ابتزاز عواطف المواطنين وتحفيزها فى اتجاهات وهمية مما سيفسح المجال أمام المسئولين الفاسدين والانتهازيين لممارسة المزيد من التسيب والفساد واستمرار النهج السابق فى مساره الذى أوصل البلاد والعباد إلى ما وصلوا إليه من بؤس وانهيار وفساد ومديونية.
فالنظام مثلا مازال يتجاهل الدعوة الوطنية لرفض وإلغاء اتفاقية الغاز مع العدو الإسرائيلى ويمضى قدما فى تنفيذها، ويعطى التسريبات فى الوقت نفسه عن تأزم العلاقة مع ذلك العدو ويلوح بأن إسرائيل تنتهج سياسات وتمتلك نوايا عدائية تجاه الأردن بينما الواقع يشير إلى عكس ذلك. فتوقيع اتفاقية توريد الغاز تشير فى الحقيقة إلى مدى متانة وقوة العلاقات الخفية بين نظامى الحكم فى الأردن وإسرائيل ومدى قدرتهما على التعاون لتجاهل وتجاوز الموقف الشعبى الأردنى المعارض لتلك الاتفاقية، وهى فى أصولها وبنودها وشروطها منسجمة تماما مع المصالح الإسرائيلية. وبالرغم من كل ذلك، فإن الحكم فى الأردن ما زال يلوِح من خلال بعض أدواته بخطر الوطن البديل والحلول القادمة على حساب الأردن متجاهلا أن مصدر هذا الخطر هو إسرائيل وليس الفلسطينيين الذين لا يملكون من أمرهم شيئا كونهم هم الضحية الحقيقية لجميع الإجراءات الإسرائيلية.
لماذا لا يتخذ الحكم فى الأردن مثلا موقفا واضحا ومُعلنا من إسرائيل تجاه تلك الأخطار خصوصا وأنه يرتبط معها باتفاقية سلام؟ والحكم فى الأردن يضع بذلك مصداقيته على المحك مادام يتعامل مع إسرائيل بطريقة انتقائية كصديق وحليف حينا وكمصدر خطر على مصالحه حينا آخر، علما أن خطر إسرائيل يجب أن لا يكون انتقائيا أو موسميا لأنها تبقى هى الخطر الدائم والداهم على مصالح الأردن.
وهكذا، فإن الهجمة المضادة التى يشنها النظام فى الأردن على شعبه تهدف إلى محاولة الاحتواء وليس الإصلاح أو التغيير. والاستعانة بأخطار خارجية قد تكون وهمية وقد لا تكون، تبقى فى سياق سياسة الاحتواء، وليس انعكاسا لنهج وطنى يهدف إلى خلق فزعة حقيقية للوطن.
يسعى الحكم فى الأردن إلى تعظيم إنجازاته مهما قَلَّت أو تواضعت، وإلى تجاهل أخطاءه وكبواته مهما كبرت أو عظمت. وهذا المسار من شأنه أن يخلق أجواء ضاغطة من الأكاذيب والأوهام التى تدفع بالعديد من الأردنيين إلى الشك والرفض لما يجرى بل والغضب منه مما قد يساهم فى توسيع قاعدة المعارضة بين أوساط الأردنيين.
ولم يقف الأمر عند ذلك، فالحكم ابتدأ فى استعمال القليل من الانجازات مثل عدم تجديد اتفاقية تأجير الباقورة والغمر كغطاء لتمرير سياسات وقرارات لا يقبل بها الشعب. إن قيام أى مسئول أو حاكم بواجبه فى حماية الوطن ومَصَالِحِه يجب ألا يتم التعامل معه من منظور مطالبة الشعب بإعطاء ذلك المسئول أو الحاكم فى المقابل صك غفران على أخطائه المتكررة فقط لأنه قام أحيانا بواجبه المطلوب منه، إذ لا شكر على واجب. الشفافية والمحاسبة أمران لا يمكن مبادلتهما بشىء آخر من المفترض القيام به أصلا كجزء من واجبات ومسئوليات الحاكم، وإلغاء اتفاقية تأجير الباقورة والغمر تأتى فى هذا السياق ولا يجوز تكرار استعمالها واستغلالها باعتبارها انجازا يَجُبُ ما قبله وما بعده من خطايا، كون قرار التأجير كان خاطئا فى أصوله، وإصلاح الخطأ لا يستدعى كل هذا الضجيج.
***
عندما يتم الاستخفاف بالشعب والإمعان فى استغلاله والاستهتار بمشاعره ومطالبه ومعاناته، فإننا نتكلم عن حكم مأزوم فلا هو قادر على التخلص مما فيه من مثالب، ولا هو راغب فى تبنى برنامج إصلاح وتغيير حقيقى. وقد يكون الشعب فى المقابل غير قادر على اقناع الحكم بالقبول الطوعى والسلمى بتغيير نهجه لصالح مطالب عامة عادلة. الوضع فى الأردن مأزوم والنظام اختار مسار التنازلات الشكلية واللفظية المرتبطة بتعزيز القبضة الأمنية كسد مانع لأى انفجار شعبى.
الحكم مأزوم والشعب مأزوم والمنطقة العربية مأزومة، والرؤيا الصائبة تستدعى البدء بالنفس كوسيلة لتعزيز القدرة على الصمود وعلى التعامل مع التحديات المتزايدة. على الحكم أن يتصالح مع نفسه وأن يمد يده إلى الشعب فى مسعى حقيقى ومخلص لتجاوز الأزمات وخلق أجواء إيجابية تساهم فى تنفيس الاحتقان الشعبى وترفع من درجة التفاعل الإيجابى بين الحاكم والمحكوم لتجاوز ما يمر به الوطن من مخاطر وأزمات وتحديات تستدعى تكاتف الجميع بنية طيبة تمنع أى انفجار محتمل.

التعليقات