شهوة القارئ - خالد محمود - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 2:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شهوة القارئ

نشر فى : الثلاثاء 7 أبريل 2009 - 9:05 م | آخر تحديث : الثلاثاء 7 أبريل 2009 - 9:05 م

 متى تتوقف دموع السينما الأمريكية على محرقة اليهود، وتتطهر من فكرة تذكير العالم بما ارتكب داخل معسكرات النازية؟

لقد شاهدنا عشرات الأفلام المليئة بالقصص الماسأويه لأسر يهودية تم تعذيبها وإبادتها على يد الجيش الألمانى، وصورتها باعتبارها مجازر ارتكبت ضد الإنسانية، لم ولن يشهد التاريخ مثلها. بالطبع كان وراء هذه الأفلام دعم كبير لشركات الإنتاج الهوليوودية، التى يتحكم فيها رأس المال اليهودى..

والمثير أن هذه النماذج من الأفلام تخرج دائما كروائع سينمائية مبهرة من حيث كل شىء: (الأداء ــ الصورة ــ الموسيقى ــ الديكور ــ المونتاج ــ الفكرة).. لا تملك سوى أن تصفق لها وتعيش معها لحظات ممتعة وربما يخفق قلبك كثيرا تعاطفا مع من ارتكبت فى حقهم الماساة، رغم أنك تدرك مسبقا حجم المغالاة والمبالغة والتزييف فى توصيف هذا الحادث.. وهذه مأساة أخرى!

ويأتى فيلم «القارئ» ليبحر بك إلى محرقة الهولوكوست من جديد، ودون أن تشعر أنه يجرك إلى القضية، ودون أن يقترب من مشاهد التعذيب والقسوة، التى ألفناها فى أعمال سابقة، حيث ينتقل بك عبر أزمنة متعددة بخبث ودهاء شديد، وأيضا بصورة سينمائية مبهرة وحوار يسمو إلى لغة الأدب، وأداء تمثيلى رائع، خاصة كيت وينسلت، التى انتزعت جائزة أوسكار أفضل ممثلة عن جدارة.

وحكاية «القارئ» تبدأ من الشارع وتنتهى به، فنحن فى برلين الغربية عام 1995أمامنا، حيث يقف بطلنا المحامى مايكل بيرج سابحا فى ملكوت الحياة، لتعود الكاميرات فلاش باك إلى مدينة نيو شتادت 1958حيث نرى صبيا فى الخامسة عشرة من عمره يتعرف صدفة على امرأة تكبره بحوالى 14عاما ــ هانا سميتز ــ لتنقلب هذه الصدفة إلى مغامرة عشق وغرام قوامها الشهوة والفكر فى وقت واحد، حيث يمارس الاثنان العلاقة الجنسية فى مناخ غير مألوف، فمايكل يحب القراءة، وفى كل مرة يأتى إليها تطلب منه هانا قراءة صفحات من أحد الأعمال الأدبية الكلاسيكية قبل أن يمارسا الحب، وبمرور الوقت أصبحت لا تستطيع أن تشبع رغبتها إلا على رحيق الإبداع، وطوال الوقت ينتقل بنا المخرج بين برلين 1995 وشتودارت 1958.

وبين الزمنين نرى الشاب مايكل يلتحق بكلية الحقوق ونرى قاعة محكمة تحاكم فيها هانا بتهمة إحراق عائلات يهودية وحبسهم باعتبارها كانت مسئولة عن حراسة المعسكر النازى، الذى شهد المأساة. وبعد عدة جلسات ــ فى حضور مايكل ــ تعترف هانا بأنها لم تستطع إنقاذ أحد لأنها لا تستطيع أن تفتح أبواب المعسكر أثناء الحديث حتى لا يهرب منها أحد المقبوض عليهم بالسجن مدى الحياة..

وقد برعت كيت فى أداء مشاهد المحاكمة وما بعدها عندما كبرت فى السن لتكشف عن نضوج كبير فى موهبتها صاحبها مشاهد مليئة بالرقة والحنين إلى العلاقة بين مايكل وهانا، حيث يقوم مايكل بتسجيل الكتب على شرائط كاسيت، ويرسلها إليها فى السجن لتسمعها وتبث فيها الأمل فى الحياة من جديد، وبعد عشرين عاما وفى لحظة الإفراج عنها تتخلص من حياتها شنقا تاركة وصيتها بأن تذهب كل أموالها لابنة إحدى السيدات، التى احترقت فى المعسكر لتنتهى رحلة هانا سميتز فى هدوء.

بدون شك قدم المخرج ستيفن دالدرى صورة واقعية شديدة الإنسانية تنبض عاطفة وفكرا، وجاءت مشاهد الفلاش باك لتشعرنا بالحنين إلى مراحل أخرى من حياتنا مرت وما زالت، وبدون شك أيضا نجح السيناريست ديفيد هيرن فى أن يبث السم فى العسل، وأن نستمتع بتذوق الاثنين معا.

خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات