حكومة محلب.. تنفيذية أم سياسية؟ - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 9:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حكومة محلب.. تنفيذية أم سياسية؟

نشر فى : الإثنين 7 يوليه 2014 - 7:10 ص | آخر تحديث : الإثنين 7 يوليه 2014 - 7:10 ص

عند قيامه بالتشكيل الثانى لحكومته بعد الانتخابات الرئاسية فى شهر مايو الماضى، صرح المهندس إبراهيم محلب بأن حكومته ستكون تنفيذية وليست سياسية، ومع كل الاحترام والتقدير لشخص رئيس الوزراء إلا أن ما قاله هو بعيد كل البعد عن جوهر ما تقوم به الحكومة وكل الحكومات من وضع السياسات والإشراف على تنفيذها، بل إن هذا هو ما ينص عليه الدستور فى المادتين 150 و167، ومع ذلك فإن هناك دلالات مهمة لما قاله، وخصوصا أن كثيرين يشاركونه الرأى، وهو ما يزعم كاتب هذا المقال آنه رأى خاطئ، ويمكن أن يؤدى أيضا إلى تعثر أداء الحكومة، وعدم بلوغها ما تسعى إليه.

•••

ولنبدأ أولا بما يقصده المهندس محلب لا يمكن أن يكون قصده أن حكومته لا تصنع أى سياسة، فهذا مستحيل، لأن التنفيذ فى حد ذاته يقتضى أن يكون هناك ما يجرى تنفيذه، أى سياساة أو برنامج أو توجه عام تتم ترجمته فى صورة مشروعات وبرامج، والذى يضع ذلك هو الحكومة، وهكذا فأيا كان ما تفعله الحكومة فهى تقوم بالاختيار بين بدائل للسياسات، كما أنها لا تتلقى أى توجيهات تفصيلية بالنسبة لما يجب أن تفعله من أى سلطة أخرى، والسلطة الوحيدة التى يمكن أن تصدر لها الأوامر هى رئيس الجمهورية، ورئيس الجمهورية عندما التقى بالحكومة بعد تشكيلها قد طرح توجيهات عمومية مثل أخذ العدالة الاجتماعية بعين الاعتبار ومقاومة الفساد، ولكنه لم يطرح عليها حسبما نعلم مما أوردته الصحف أى سياسات محددة سواء بالنسبة للاقتصاد أو التعليم أو الصحة أو المرافق العامة أو إلى غير ذلك من مجالات عمل الحكومة، وعلى الحكومة أن تختار من بين بدائل متعددة فى كل هذه المجالات بل إن الحكومة أخذت بسياسة مواجهة بعض القضايا الهيكلية فى الاقتصاد المصرى، وهو أمر تحمد عليه حتى لو اختلف الرأى فى أسلوب معالجتها لهذه القضايا وفى مقدمتها بطبيعة الحال مسألة عجز الموازنة.

•••

فالحكومة قد صنعت سياسة جديدة واتخذت خطوة لم تسبقها لها حكومة مصرية على الأقل منذ ثورة يناير 2011، بل لم تسبقها إلى ذلك أى حكومة مصرية أخرى فى تناولها الشامل لهذه القضية. طبعا الحكومة كان أمامها العديد من الاختيارات. كان أمامها أن تتجاهل المشكلة مثلما فعلت حكومات سابقة، أو تقرر أن يتم القضاء على عجز الموازنة فى عشر سنوات بدلا من خمس سنوات، وكان أمامها أن تسترشد أيضا بما سعت إليه بعض حكومات شرق أوروبا بالسعى لتقليص هذا العجز خلال ثلاث سنوات مثلا.

هذه هى بعض الخيارات التى كانت متاحة نظريا أمام الحكومة، ولكنها استقرت على خيار معين، وحتى داخل الخيار الذى استقرت عليه، كان عليها أن تحدد من الذى سيضحى فى مقابل تقليص هذا العجز خلال فترة السنوات الخمس، ومن ثم فقد اختارت أن تقلل الإنفاق على دعم الكهرباء والمنتجات البترولية وأن تزيد الإنفاق على أجهزة الأمن والقوات المسلحة. ونحن لا نناقش هنا ما انتهت إليه الحكومة، ولكن نود فقط التأكيد على أن مهمة الحكومة لم تكن تنفيذ سياسة معينة ولكن صنع السياسة بمعنى اختيار بديل معين فى إدارة الموارد العامة فى المجتمع، فبموجب البدائل التى استقرت عليها الحكومة فقد حددت من الذى يحصل على قدر من الموارد العامة وكيف يحصل على هذا القدر، وهذا هو التعريف التقليدى للسياسة وفقا لتعبير شهير وقديم لعالم السياسة الأمريكى لاسويل.

•••

وفى مجال آخر وهو التعليم العالى كان أمام الحكومة أن تترك أسلوب اختيار القيادات الجامعية بالانتخاب كما تقرر بعد ثورة يناير، أو أن تطرح أسلوبا بديلا، وقد قررت أن تصدق على ما عاد إلى اقتراحه وزير التعليم العالى الجديد، وهو ما كان الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور قد رفض أن يصدق عليه، ولكن الحكومة شاءت أن تجامل رئيس الجمهورية، ومن ثم فقد نصت تعديلات قانون الجامعات على أن تقدم هذه اللجنة المختصة بالتعيين ثلاث أسماء لرئيس الجمهورية ليس فقط من المرشحين لرئاسة الجامعات، وهذا أمر غير مسبوق فى تاريخ الجامعات المصرية، ولكن من المرشحين أيضا لعمادة الكليات ورئيس الجمهورية هو الذى يختار واحدا منها. لا يعرف كاتب هذه السطور أى مجاملة هذه لرئيس الجمهورية أن تثقل عليه الحكومة بأن تترك بين يديه مهمة اختيار عمداء الكليات وتنزعها حتى عن رؤساء الجامعات الذين قام هو نفسه باختيارهم، وكأنه ليس أمام رئيس الجمهورية من شئون آخرى لابد وأن يشغل نفسه بها.

•••

ولكن لماذا شاء المهندس محلب أن ينكر عن حكومته وصفها بالسياسية؟ الواقع أن رئيس الوزراء كان يعكس مفهوما خاطئا للسياسة يسود بين من يمكن تسميتهم بالخبراء ــ التكنوقراط، وخصوصا بين المهندسين وكبار رجال الإدارة الحكومية من المدنيين والعسكريين. السياسة بالنسبة لهم هى أولا النشاط الحزبى. ولابد أن المهندس محلب كان يريد التمييز بين حكومته وحكومة سلفه الدكتور حازم الببلاوى والتى ضمت شخصيات حزبية معروفة بانتماءاتها الحزبية أو حتى ميولها السياسية، والتاريخ وحده هو الذى سيحكم ما إذا كان الإخفاق النسبى لحكومة الببلاوى هو بسبب الطبيعة الحزبية لبعض أعضائها أم بسبب دقة الظرف التاريخى الذى واجهته. ولكن على أى حال فالحكومات فى كل النظم الديمقراطية هى حكومات حزبية، فى الدول المتقدمة وفى دول الجنوب على السواء. بعض هذه الحكومات ناجح والبعض الآخر أقل نجاحا، ولكن النجاح أو الفشل لا يعود إلى طبيعة التكوين الحزبى لهذه الحكومات فى حد ذاته، ولكنه يعود إلى عوامل أخرى فى مقدمتها طبيعة البدائل التى استقرت عليها وكفاءتها فى الإشراف على تنفيذ هذه البدائل ومدى التناسق بين أعضاء هذه الحكومات.

والسياسة بالنسبة للمهندس محلب ثانيا تعنى النقاش والاختلاف وطرح حجج وحجج مضادة، والاستعداد لقبول الرأى الآخر. هذا فى رأيه والذى يشاركه فيه كبار رجال الإدارة الحكومية من المدنيين والعسكريين عموما هو مضيعة للوقت وللمجهود وللموارد. ومن ثم يجب البعد عن السياسة بهذا المعنى. وهذا من وجهة نظرهم لا يعنى عدم التوجه للمواطنين، ولكن اعتقادا منهم أنه نظرا لأنهم يحتكرون المعرفة، فهم يتوجهون للمواطنين فقط ليشرحوا لهم ما خفى عليهم من حكمتهم هذه، ولكن لا يتصور هؤلاء الخبراء أن المواطنين يمكن أن يقترحوا عليهم بدائل أفضل، أو أساليب أكثر عملية فى تنفيذ نفس السياسات. ويعجب أصحاب هذا الرأى كيف يتأنى للمواطنين ذلك وهم لم يحصلوا جميعهم على الدرجات العلمية الرفيعة لأعضاء الحكومة أو لم يقضوا أعواما وأعواما فى دراسة نفس المشاكل؟

•••

وهكذا فحكومة الخبراء الذين يرأسهم المهندس محلب تريد إقناعنا بأن ما استقرت عليه من سياسات لسد عجز الموازنة سوف يكون أثرها طفيفا على جمهور الفقراء الذين هم أغلبية المصريين، وأن استخدام الفحم الذى لا ننتجه بدلا من الغاز الطبيعى أو البترول فى الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة هو أفضل البدائل لحل مشكلة الطاقة فى بلدنا الذى يعانى من تدهور حاد فى أوضاعه البيئية وأن جعل اختيار القيادات الجامعية فى يد رئيس الجمهورية هو أفضل أسلوب فى إدارة الجامعات.

مع هذا التوجه فى التعامل مع المواطنين نقول هنيئا للمهندس محلب ومن يشاركونه الرأى مفهومهم لطبيعة عمل الحكومة ولكن أتمنى ألا تنفجر نتائج هذا الأسلوب فى وجهنا ووجهه عما قريب.

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات