بمناسبة علاء عبدالخالق «1» - هشام أصلان - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 5:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بمناسبة علاء عبدالخالق «1»

نشر فى : الجمعة 7 يوليه 2023 - 7:40 م | آخر تحديث : الجمعة 7 يوليه 2023 - 7:40 م

رحل علاء عبدالخالق فذهبت جماهير السوشيال ميديا، خصوصا من قضوا مراهقتهم وبدايات الشباب فى مرحلة التسعينيات، إلى بركان من الحنين، وسيل منشورات يدور قلبها حول الاستيقاظ على مفاجأة انقضاء السنوات سريعا، وأسئلة من قبيل: «هو إحنا كبرنا من غير ما ناخد بالنا؟»، ومشاعر فقد الأيام الحلوة والوقوف عند نواصى الشوارع وأمام أكشاك شرائط الكاسيت، وقت كانت الأحلام بسيطة والأيام حنونة وأكثر خفة ولطافة. رحيل واحد من نجوم تلك الأيام كان حدثا مناسبا لبكائية جماعية يحتاجها أبناء الجيل من وقت لآخر بحثا عن ونس مفقود وأملا فى الطمأنة إلى أن بعضا من ملامحك لا يزال هنا.
تلك مشاعر مفهومة لشريحة لديها إحساس مقيم بذهاب كثير من سنوات أعمارها فى أحداث أسخن مما تحتمله حقبة زمنية واحدة، غير أن الأمر يحتاج أخذ مسافة من منطقة العواطف وإلقاء نظرة فى محاولة فهم الحالة بموضوعية ضرورية إن أردنا وضع المشهد فى سياقه كمحاولة لمشاركة أسئلة قد يؤدى التفكير فيها إلى شىء من الارتياح.
والمسألة فى ما أتصور لا علاقة لها بانقضاء السنين والعمر والجيل الذى تفاجأ بكونه كبر وأصبح أبناؤه آباء وأمهات. تلك مشاعر ليست حكرا علينا، ولا تحتاج النوستالجيا رحيل أحد مطربى أيامك كى تصيبك إصابات بالغة، غير أن الحكاية تحتاج التفكير ناحية مجموعة من نجوم الغناء انسحبوا جميعا فى عز شبابهم ونجاحهم، وذهبت عنهم نجوميتهم الفادحة، وتحولوا جميعا وفجأة إلى ملامح للذكريات بلا أسباب واضحة، حتى إذا ظهر أحدهم فى لقاء بحالة جيدة نفرح وننتشى بينما تصيبنا حسرة إن ظهر فى حالة متواضعة.
فى النصف الثانى من الثمانينيات صدرت أغنية لولاكى لعلى حميدة، ونستطيع القول بارتياح إنه، وقياسا بظروف لحظتها الزمنية وتعداد السكان وطبيعة وسائل الانتشار، لم يحدث فى آخر خمسين سنة أن حققت أغنية مصرية ما حققته لولاكى من نجاح وانتشار، لدرجة أن مسار الغناء فى مصر أخذ منحنى كبيرا يحيد عن مسار خط تطور الحالة الغنائية الذى كان بدأ يظهر فيما بعد عبدالحليم حافظ، وانتشر مع نجاحها المذهل مصطلح «الأغنية الشبابية» أو بوصف كثيرين «الأغنية الهابطة»، وحدث أن فاجأ هذا المنحنى جيلا من المطربين كان متوقعا لهم نجومية كبيرة فى مرحلة أسبق كانت تنتظر أن يملأ أحدهم فراغ تركه عبدالحليم حافظ، من هؤلاء هانى شاكر وبعده بوقت قصير على الحجار ومحمد الحلو ونوع الغناء الذى عبروا عنه. جاءت التسعينيات بملامحها مثل طوفان وضع المشهد الغنائى فى ورطة، واكتسح الساحة عدد من المطربين سيطلق عليهم فيما بعد «نجوم التسعينيات»، وبرغم تفاوت مستويات النجاح والنجومية فيما بينهم، إلا أنهم كانوا يعبرون جميعا عن حالة واحدة ولون مغاير وزمن جديد دخل جمهوره بالكاد مراهقته قبل سنتين أو ثلاث، فيما يواجه هؤلاء النجوم عدم إعجاب من النخبة الثقافية ومن الأجيال الأكبر وممن يرون فى قيمة الأغنية ضرورة وضعها داخل قالب الرصانة والبُعد الطربى وما إلى ذلك.
وبرغم أن بعض أفراد هذه المجموعة جاء من مناطق ذات خصوصية، ذابت خصوصيته تلك بشكل كبير وسط النسيج الذى كونوه مجتمعين. ومن أصحاب الخصوصية فى هذه القماشة الكبيرة كان علاء عبدالخالق، صوت مميز ودرجة وعى، ومحاولة الاستفادة من مصادر خارج القالب الجديد ودمجها فى عناصره الجديدة، ما سند حالته وغلّف سيرته، بعدما اختفى وصار ضمن الذكريات، بحنين إضافى أسماه عموم الجمهور مع رحيله مسميات مثل «كان فيه حاجة مختلفة، كنت تحسه طيب، كان شبهنا»، بينما الحقيقة أنه استطاع فعلا صنع أغنية تتسم برائحة اختلاف عن مجايليه ولو كان اختلافا على خفيف، وربما أن السبب الرئيسى فى هذا كونه أتى من منطقة رفيعة حيث مرحلته المبكرة مع فرقة الأصدقاء المرتبطة باسم عمار الشريعى وما يعنيه فى تاريخ الموسيقى المصرية والعربية، ربما ذهبت هذه الفترة بأفكار علاء إلى ضرورة التعامل مع مساحة أوسع من الدائرة الجديدة فادحة الأثر «دائرة نجوم التسعينيات»، غير أن ذلك الاختلاف الخفيف لم يكن كافيا لأن يخرج من عُلبة التسعينيات أو لحمايته من التوارى حتى قبل اختفائه بسبب المرض. أنت ببساطة، لن تستطيع أبدا أن تتذكره دون أن تضىء فى رأسك حالة «نجوم التسعينيات»، الذين مجرد سماع صوت أحدهم يستدعى كل أصوات الماضى وأيامه الخفيفة، هؤلاء الذين توهجوا معا ثم انسحب عنهم الوهج معا، بينما لم يسلم إلا من انتبه مبكرا وغرد خارج السرب.

هشام أصلان كاتب وصحفى
التعليقات