أهالى سيناء بين حقوق المواطنة وضروريات الأمن القومى - محمد العجاتي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أهالى سيناء بين حقوق المواطنة وضروريات الأمن القومى

نشر فى : الأربعاء 7 نوفمبر 2012 - 8:30 ص | آخر تحديث : الأربعاء 7 نوفمبر 2012 - 8:30 ص

إن ما يحدث فى سيناء منذ ثورة 25 يناير ما هو إلا أعراض لمرض توطن فى سيناء منذ عودتها للسيادة المصرية، وامتداد لأحداث سابقة للثورة المصرية استمرت من العام 2004 وبلغت ذروتها فيما وصفته بعض الصحف بأنه حرب قبائل ضد النظام المصرى فى 2009. والتعامل مع الأعراض كما هو حادث الآن دون التعامل مع المرض لن يمثل إلا حلولا مؤقتة تهدد بعودة الانفجار بشكل أكبر لاحقا.

 

فمشاكل سيناء ليست الانفلات الأمنى، أو الاتهامات الكاذبة التى توجه للمواطنين المصريين المقيمين فيها، أو الشائعات الخاصة بحماس ودورها فى سيناء، إنما فى حالة غياب مفهوم المواطنة فى التعامل مع أهل سيناء، فمنذ تحرير سيناء وحتى قيام ثورة 2011 لم يبلغ ما تم تنفيذه فيما يخص تنمية سيناء ‏21% من الخطط الموضوعة لذلك. تجدر الإشارة هنا إلى أن أول تبنى للدولة لمشروع تنموى فى سيناء جاء فى عام 1994، أى بعد مرور 12 عاما كاملة على «تحرير سيناء». فى ذلك العام ظهر المشروع القومى لتنمية سيناء، بعد طول انتظار، على أجندة النظام وكان من المفترض أن يوفر عائدا يقدر بـ69 مليار جنيه وأن يساعد فى توطين 2.3 مليون سيناوى بالشمال. بحسب الخطة الموضوعة حينها، كان يتعين على القطاع الخاص أن يتولى مهمة إعمار سيناء وإنعاشها اقتصاديا بتقديم 36 مليار جنيه، بينما تساهم الدولة بـ 2 مليار فقط! وهو ما لم يحدث بالتأكيد، ما حدث فى الواقع هو ضخ استثمارات بالبلايين لإقامة مشاريع سياحية ــ منتجعات وقرى وفنادق ــ تجعل من بدو سيناء مقدمين للقهوة والشاى البدويين، وفى أحسن الأحوال المأكولات، أو رعاة للخيل والجمال التى يمتطيها السائحون. استنادا إلى القليل المتوافر بتقرير التنمية البشرية لعام 2005 نجد أن 21% من بدو شمال سيناء يعيشون بلا أنابيب مياه نقية وصرف صحى. فيما يخص نسبة الوحدات الصحية إلى عدد السكان: توجد 21 وحدة صحية لكل 100 ألف مواطن بالجنوب، بينما لا يتجاوز عدد الوحدات الصحية لنفس العدد 4،5 وحدة صحية بالشمال. وفى الوقت الذى تصل فيه نسبة المتسربين من التعليم الابتدائى والإعدادى بالجنوب إلى 7،5%، تزيد النسبة عن 66% فى الشمال.

 

كما زاد تجريد البدو من أراضيهم ومصادرتها بهدف بيعها للمستثمرين على طبق من فضة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، قامت وكالة التطوير السياحى بإزالة سبعة مخيمات للبدو من على وجه الأرض من أجل إقامة «الريفييرا المصرية» بالجنوب. فالدولة اكتفت ببناء الطرق وإن كانت قد بدأت بإنشاء بعض المدارس وكليتين، هما كلية تربية وكلية زراعة. لكن كل ذلك توقف تماما لصالح إنشاء مدارس ومعاهد خاصة، تستهدف جذب الناس من خارج سيناء إليها، مثل جامعة سيناء الخاصة، أما فيما يخص حجم المتضررين من بدو سيناء من عدم اعتراف الدولة بملكيتهم لبيوتهم ومزارعهم، فجميع بدو سيناء متضررون والاستثناء الوحيد فى الشمال هو أرض مشروع أسمنت وسط سيناء، المصنع الذى يقوم بتصدير الأسمنت لإسرائيل، وأرضه المملوكة لأحد رجال لجنة السياسات بالحزب الوطنى الحاكم ».

 

تشير التقارير إلى أنه رغم أن البدو قد رفضوا القبول بالجنسية الإسرائيلية طوال سنوات الاحتلال من 1967ــ1982، أصر النظام السابق وروج للتعامل مع البدو باعتبارهم مصدرا لعدم الأمن على الحدود المصرية فلا يحق للمواطن السيناوى الالتحاق بكلية الشرطة أو الكلية الحربية. أما تقاليد البدو فى اختيار شيوخهم ــ التى أدت فى وقت مضى إلى ظهور زعماء تصدوا لمحاولات العدو الإسرائيلى فى إجهاض حق مصر فى سيناء ــ فقد أصر النظام على إقصائها، بجعل الموافقة الأمنية الشرط الرئيسى لتقلد شيخ القبيلة لمنصبه. على الرغم من غياب التنمية والطريقة غير العادلة التى يعانى منها أهل سيناء إلا أن سيناء ظلت آمنة إلى حد كبير لفترة طويلة بما فيها مطلع التسعينيات التى شهدت أعمالا إرهابية فى مناطق عديدة فى مصر، ولم تدخل سيناء فى هذه الدوامة إلا مع حلول 2004 ففى 8 أكتوبر 2004م شهدت تفجيرات إرهابية بطابا، تلاها فى 23 يوليو 2005م تفجيرات إرهابية بشرم الشيخ. وأخرى فى 24 أبريل 2006م ثلاثة تفجيرات إرهابية بمدينة دهب. ثم فى 26 إبريل 2006م تفجيران إرهابيان بالقرب من مطار الجورة يسفر عن مصرع منفذى العملية فقط. وما لبث أن تحول ذلك بسبب التعامل الأمنى العنيف وغياب التنمية من أحداث فردية إلى حالة احتقان عام بين أهالى سيناء وتطورت الأحداث لتأخذ منحى المواجهات بين الأهالى والأمن.

 

الاحتجاجات المتوالية لأهالى سيناء منذ 2004 وحتى الآن تركزت على مجموعة مطالب يمكن رصدها فى مجموعة من المطالب المتعلقة بالمعاملة الأمنية، مطالب تنموية، حقوق المواطنة، وملكية الأراضى. وفى الجانب الآخر كان امن نظام مبارك يصدر فى المقابل مشكلات التهريب والأنفاق، الطابع القبلى، ومساحات الخروج على القانون، ووجود تدخلات أجنبية كفزاعات تجعل النظام يطلق يده فى سيناء مستهدفين بذلك استكمال منظومة الدولة البوليسية.

 

تجدر الإشارة هنا للارتباط الشديد بين الوضعية فى سيناء والأمن القومى المصرى، فالوجود الإسرائيلى على حدودنا الشرقية سيظل مصدرا للتوتر فى هذه المنطقة، لكن يجب أن نسال أنفسنا السؤال الصحيح حتى نصل للإجابة الصحيحة وهو كيف نحمى أمننا فى سيناء عن طريق المواطنين المصريين الذين يسكنون سيناء بدلا من السؤال كيف نحمى أمن مصر من أخطار بدو سيناء؟ وترتبط إجابة هذا السؤال بالضرورة بالسياق العام لمصر ككل وأهمية إحداث تطور ديمقراطى حقيقى وإرساء قيم المدنية والمواطنة لتشمل جميع الفئات وجميع المناطق فى مصر. وهنا تبرز الاستراتيجية الصحيحة للتعامل مع سيناء التى يجب أن تقوم على مفهوم الأمن الإنسانى، هو نموذج حديث لفهم نقاط الضعف والتهميش فى العالم ويطرح أن السبيل إلى الأمن هو المواطن وليس الدولة، لأن الأمن الإنسانى المبنى على أهمية المواطنين هو عنصر الاستقرار الرئيسى، وبالتالى يتحقق الأمن القومى عبر الأمن الإنسانى. والتحرر من الخوف والحاجة هما العبارات الأساسية التى يقوم عليها اقتراب الأمن الإنسانى أو كما يسمى الأمن بوجه إنسانى. والعلاقة بين الأمن الانسانى والتنمية علاقة جدلية واضحة، فالتقدم فى مجال من هذين المجالين يعزز إحراز تقدم فى المجال الآخر.

 

ولسنا بحاجة لتكرار ما سبق لتأكيد فشل النظام المصرى السابق فى ترسيخ هذا المبدأ فى سيناء وعدم قدرته على تحقيق الأمن الإنسانى بشقيه نتيجة غياب التنمية لصالح أهالى سيناء، وكذلك لم تستطع الارتقاء بالحالة فى سيناء لتحويل أهلها إلى مواطنين وإنما ظلوا مهمشين، بل يزيد على ذلك،  ظلت ثرواتهم مستنزفه لصالح فئات مستفيدة وليس حتى لصالح الدولة. ولكن ما يحتاج التأكيد هو أهمية التعامل مع أصول المرض المستوطن فى سيناء والذى هو غياب العدالة السياسية المتمثلة فى المواطنة والعدالة الاقتصادية المتمثلة فى التنمية العادلة.

محمد العجاتي باحث والمدير التنفيذي لمنتدى البدائل العربي
التعليقات