الحوار الفلسطينى ــ الفلسطينى.. منظور مختلف - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 10:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحوار الفلسطينى ــ الفلسطينى.. منظور مختلف

نشر فى : الأربعاء 8 أبريل 2009 - 6:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 8 أبريل 2009 - 6:00 م

 مرة تلو الأخرى يتعثر الحوار الفلسطينى ــ الفلسطينى على الرغم من أنه يكاد يمثل الورقة الوحيدة المتاحة بأيدينا فى الأمد المنظور لتحسين وضعنا فى الصراع مع إسرائيل، وعلى الرغم من الجهد المصرى الدءوب لرعايته، وعلى الرغم من أن جهود المصالحة العربية قد خففت من درجة التوتر فى الإطار العربى للحوار، وعلى الرغم من أن التحولات الأخيرة فى إسرائيل تستوجب كحد أدنى موقفا فلسطينيا موحدا.

يحدث ذلك مع أن التقارير قد أفادت فى البداية أن تقدما غير متوقع قد حدث فى بعض مسارات الحوار، وقد فهمنا من هذه التقارير أن تلك المسارات تفرعت إلى خمس لجان للمصالحة والأمن والحكومة والانتخابات والمنظمة. وربما كانت لجنة المصالحة هى أكثر اللجان توفيقا فيما طلب منها أن تنجزه، إذ إنها كانت مطالبة بالاتفاق على مبادئ عامة، وليس على أمور عملية، فتم الاتفاق على عدم الاحتكام إلى السلاح فى العلاقة بين الفصائل، وحل المشكلات، التى ترتبت على انتهاك هذا المبدأ فى السابق، وضمان عدم تكرار مثل هذا الانتهاك.

أما لجنة المنظمة فتم الاتفاق فيها على مبدأ تطوير المنظمة بحيث تعبر عن الجسد السياسى الفلسطينى الراهن، وتشكيل مجلس وطنى فلسطينى جديد بما يفسح المجال أمام مشاركة فلسطينية شاملة فيه، بل لقد تم الاتفاق على قيادة فلسطينية من جميع الفصائل تمارس مهامها فى المرحلة الانتقالية لتطوير المنظمة، غير أن الخلاف وقع عندما أصرت حماس على أن تكون هذه القيادة هيئة قيادية للشعب الفلسطينى بما يوحى بأنها تريدها بديلا للمنظمة فيما رأى البعض ذلك مساسا بالمنظمة.

فى لجنة الحكومة تم الاتفاق على عدد من المبادئ، لكن الخلاف وقع حول تشكيل الحكومة وبرنامجها، فبينما كانت حماس ترغب فى تشكيل حكومة وحدة وطنية تمسكت فتح بأن تكون الحكومة غير فصائلية، وبعد جدل طويل اتفق على تشكيل حكومة توافق وطنى تشارك فيها الفصائل والشخصيات المستقلة. أما البرنامج فقد تمسكت حماس ببرنامج حكومة الوحدة الوطنية المنبثقة عن اتفاق مكة، والذى ينص على «احترام» التزامات» المنظمة «أى الاعتراف بإسرائيل وغيره من الالتزامات، التى ترفضها حماس»، أما فتح فقد أصرت على «التزام» وليس «احترام» قرارات المنظمة ضمانا للقبول الدولى للحكومة، ومن ثم رفع الحصار وإعادة الإعمار فى غزة.

وفى لجنة الانتخابات تم الاتفاق على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة، وهو إنجاز مهم، لكن خلافا شديدا وقع حول قانون الانتخابات بين حماس من ناحية وباقى الفصائل من ناحية أخرى، فبينما كانت هذه الفصائل تطالب باعتماد نظام التمثيل النسبى الكامل تمسكت حماس بنظام الدوائر الكامل، وإن أبدت لاحقا بعض المرونة بحيث تجمع طريقة إجراء الانتخابات بين النظامين معا، وهو ما بقى موضوعا للخلاف.

أما لجنة الأمن فتم الاتفاق فيها على عدد الأجهزة الأمنية وعقيدتها وطابعها المهنى وليس الفصائلى، فيما وقع الخلاف حول تبعية جهاز المخابرات العامة «للرئيس كما ينص النظام الأساسى أم للحكومة كما تريد حماس»، واسم جهاز الأمن الوقائى الذى غيرته حماس إلى جهاز الأمن الداخلى فيما تتمسك فتح بالتسمية القديمة، واستمرار الأجهزة الأمنية، التى شكلتها حماس بعد سيطرتها على قطاع غزة.

قصدت أن أذكر هذه التفاصيل التى يراها البعض بالتأكيد مملة لكى تكون صورة «حفرة النار»، التى وقع فيها النضال الفلسطينى دون أن يجد من ينقذه منها حتى الآن واضحة، ولقد تعددت الاجتهادات فى تفسير هذا الخلاف واستمراره من قائل إن مشروع «الفصيل» قد تغلب على مشروع «الوطن»، إلى قائل إن أحداث الصدام المسلح، التى انتهت بسيطرة حماس على غزة فى يونيو2007 قد أوجدت شرخا فى نسيج المجتمع الفلسطينى ما زالت تفوح منه رائحة الدم، إلى قائل إن الوسيط المصرى يستمد دوره من وزنه وليس من حيدة كاملة مطلوبة فى دور الوسيط، إلى قائل بأن ثمة أطرافا عربية تخرب الحوار، إلى قائل بأن إسرائيل بسلوكها العدائى فى غزة والضفة معا تصب الزيت على النار.

غير أنى رحت أنظر للأمر من زاوية مختلفة تتعلق بالاستراتيجية الراهنة للعمل الفلسطينى. أخذت أحصى أوجه الخلاف بين الفصائل، فوجدتها جميعا باستثناء الخلاف حول طبيعة القيادة الفلسطينية المؤقتة فى مرحلة تطوير المنظمة ترتبط بصراع على «السلطة»، التى نشأت فى ظل الاحتلال بموجب اتفاق أوسلو 1993، فهذا خلاف حول تشكيل الحكومة وبرنامجها، وذاك حول نظام الانتخابات، التى ستفضى إلى تشكيل المجلس التشريعى، الذى سيمنح الثقة للحكومة الجديدة، ثم يأتى خلاف ثالث حول تبعية الأجهزة الأمنية أو تشكيلها أو اسمها.

تخيلت صاحب الفكرة المذهلة لهزيمة قوى المقاومة فى شعب يناضل من أجل حريته بإلهائها بسلطة لن تغير من واقع الاحتلال شيئا. تصورته يتابع ما يجرى فخورا بما فعل، فقد تحولت فصائل المقاومة بموجب فكرته من الصراع مع العدو إلى الاقتتال فيما بينها من أجل السلطة التى أنشأتها اتفاقية أوسلو، وتحول مقاتلو هذه الفصائل من كابوس يؤرق الاحتلال إلى شرطة تمارس مع شعبها وظائف الشرطة القمعية فى النظم غير الديمقراطية، ثم يصطدم أفرادها تعزيزا للفصيل الذى ينتمى إليه كل منهم. وجرب عديد من قادة المقاومة الجلوس فى المكاتب المريحة وركوب السيارات الفارهة وارتداء الملابس الفاخرة وسكنى المنازل الفخمة و«توجيه» الملايين من الدولارات من المساعدات الدولية، وما إلى هذا من مظاهر السلطة فى الدول العربية دون أن تكون لديهم دولة. فكيف يتركون هذا كله من أجل قضية «ثانوية» كقضية فلسطين؟

يعنى هذا أن الحوار الفلسطينى ــ الفلسطينى الحق يجب أن يدور حول مراجعة هذا كله، فلم يسبق لشعب خاضع للاحتلال أن أقام سلطة فى ظل الاحتلال اللهم إلا إذا كانت تابعة له، وإقامة هذه السلطة على أية حال تتعارض مع مرتكزات المقاومة وآلياتها كونها تجعل قوى المقاومة هدفا سهلا للاحتلال يعصف بها حين يشاء، ولنذكر حصار ياسر عرفات وتسميمه، واعتقال العشرات من وزراء «السلطة» و«نواب» مجلسها التشريعى، وقتل أفرادها وتدمير مقارها وفقا لمزاج العدو.

بعبارة أخرى فإن العودة للأصل مطلوبة، فإما أن تكون مقاوما للعدو أو ممارسا لسلطة وهمية فى ظل الاحتلال. أما تصور الجمع بين «الحسنيين» فهو الوهم بعينه، خاصة أن مشروع المقاومة قد تراجع بحكم الانقسام، ومشروع التسوية مفلس أصلا فى ظل الظروف الراهنة.

سيقولون ما لنا ومال المقاومة فى هذا العصر الذى لم يعد يعرف سوى لغة التسويات، وهو قول مردود بأن المقاومة ليست بالسلاح وحده، وإنما لها صور شتى لا تقل فاعلية عن المقاومة المسلحة التى لا نخجل من القول إنها تغدو مطلوبة فى ظروف معينة، وإن كانت فاعليتها تتوقف على وجود استراتيجية سليمة توظف فى إطارها. كذلك فإن ثمة سوابق قريبة أثبتت قدرة المقاومة على إجبار العدو على تغيير سياساته «تحرير الجنوب اللبنانى فى 2000، وإجبار إسرائيل على الانسحاب من قطاع غزة وتفكيك مستوطناته فى 2005، والحيلولة دون تحقيق أهداف العدوان الإسرائيلى على لبنان فى 2006، وعلى غزة فى 2008/2009».

سيقولون كذلك كيف يعيش شعبنا دون سلطة تنظم شئون حياته اليومية، والإجابة أنه سوف يعيش كما كان يعيش قبل اتفاقية أوسلو، وما دامت إسرائيل تصر على استمرار احتلال الأراضى الفلسطينية، فعليها أن تتحمل التزامات سلطة الاحتلال وفقا للقانون الدولى، وساعتها سوف تتولى هى ــ وليس السلطة الفلسطينية فى الضفة أو غزة ــ مطاردة المقاومين.

قد تكون هذه الأفكار صادمة للبعض، لكن صدمة أكبر سوف تحدث إذا اكتشفنا استحالة التوصل إلى وفاق وطنى فلسطينى. أما الصدمة الأكبر فسوف تحل عندما ندرك أن التوصل إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية فى ظل النهج الراهن لن يقدم أو يؤخر على طريق تسوية لن تجئ طالما بقيت موازين القوى فى الصراع على ما هى عليه.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية