لا تتركوا أسلحة الثورة - رباب المهدى - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 11:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا تتركوا أسلحة الثورة

نشر فى : الإثنين 8 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 8 أبريل 2013 - 8:00 ص

هذه الثورة لن تحسم بالضربة القاضية. منذ أن عزل مبارك بعد اعتصام الثمانية عشر يوما وهناك تصور ضمنى أن تغيير الواقع والوصول للأهداف السياسية يكون عن طريق تغيير رأس النظام السياسى وأن هذا يتم سريعا إذا استطعنا أن نحشد عددا كافيا ليعتصم لعدة أيام فى الشوارع أو يدخل فى مواجهات مع النظام. كان هذا هو الخيط الناظم لدعوى الثورة الثانية والثالثة.. ومعظم الاعتصامات من وقت حكم العسكر وحتى مواجهات الاتحادية والمقطم الأخيرة.

 

والحقيقة أن المظاهرات والحشد فى الشارع من أهم أسلحة الضغط السياسى ولكنه ليس السلاح الوحيد وبالتأكيد ليس السلاح الأكثر فاعلية طوال الوقت. وتغيير رأس النظام السياسى على أهميته إلا أنه لا يضمن تغيير النظام ذاته كما علمتنا خبرة عزل مبارك ومن بعده المجلس العسكرى وفى كلتا الحالتين أبقى رأس السلطة (العسكر ومن بعدهم الإخوان) على هيكل هذا النظام وتوجهاته السلطوية والاقتصادية. هناك إشكالية صارخة فى تصور الصراع السياسى فى مصر الآن، فعلى قدر هوس الإخوان بصندوق الانتخابات بوصفه الآلية الوحيدة لإدارة الصراع السياسى على قدر تمترس المعارضة حول المظاهرات وكأنها السبيل الوحيد لتغيير النظام والاثنان مهمان بلا شك ولكن ضمن منظومة من أدوات النضال أكثر اتساعا وتشمل بالتحديد العمل النقابى والحركة الطلابية.

 

●●●

 

المشهد السياسى فى مصر الآن يشبه اثنين كل منهما يضع المسدس فى رأس الآخر ومجموعة من المشاهدين تترقب فى خوف وملل بأعصاب مشدودة ولا ترى مخرجا من هذا الموقف الجامد. والحقيقة أن إقناع أحد الطرفين بإلقاء المسدس لن تفلح وهى محاولات استنزفناها على مدى ما يقرب من العام، فلا الإخوان (الحكام) قابلون للنقد أو النصيحة ولا المعارضة مستعدة لتجاوز أزمة الثقة بعد ما وقع من أحداث. ولكن أيضا لن يستطيع أى منهما أن يقضى على الآخر بالمعنى السياسى فلكل منهما ظهير شعبى فالإخوان برغم فشل د. محمد مرسى فى إدارة البلاد إلا أنهم لا يدعمونه لشخصه ولكن هناك تصورا أنه يمثل مشروعا سياسيا ما مرتبطا بالعقيدة وبالتالى على عكس حالة مبارك يظل هناك قطاع مهم مستعد للدفاع عنه وبذل الدماء فى سبيل ذلك. وفى نفس الوقت هناك قطاع آخر من المصريين يرى فى حكم الإخوان (بعد تجربته) هزيمة للثورة ووأد لأهدافها وربما حتى بعد عن العقيدة الدينية. ولكن المشكلة هى أنا هذا القطاع الأخير ــ الذى أنتمى له ــ مازال يتحرك بسياسة رد الفعل ولا يملك خطة متكاملة للعمل بل الأسوأأن هذا القطاع يستنزف نفسه فى مواجهات محدودة بالشارع متصورا أنها ستكون الضربة القاضية لتحقيق أهداف الثورة.

 

فإذا حاولنا تخطى المناحة الدائرة حول فشل نظام الإخوان وعجز المعارضة النخبوية يكون السؤال ما العمل إذن؟ فى تقديرى أن هناك ثلاثة خطوط يجب العمل عليها بشكل متوازٍ وبأخذ زمام المبادرة بعيدا عن سياسة رد الفعل. أولا، العمل النقابى وهذا لا يقتصر على النقابات المهنية والعمالية المؤسسة ولكن يشمل التنظيم النقابى للقطاعات غير الرسمية من عمال النظافة وحراس العقارات وليس انتهاء بإجراء الفلاحين والعمالة الموسمية. فهذه القطاعات تمثل العمود الفقرى لمطالب الثورة وأصحاب المصلحة فى إقامة العدالة الاجتماعية ونظام يحفظ الكرامة الإنسانية أيا ما كانت تسميته السياسية (إسلامى، يسارى، أو ليبرالى). فحينما يغيب الأطباء غير الإخوان عن حضور الجمعية العمومية لنقابتهم يوم الجمعة الماضية فهذا فشل سياسى وليس فقط كبوة للعمل النقابى. ثانيا، العمل الطلابى فهذه القوى الضاربة التى تزيد على ٢،٥ مليون طالب فى التعليم الجامعى فقط لا يمكن الاستهانة بها أو التعامل معها كمجرد أصوات انتخابية نلجأ لها عند الحاجة لمطالبتهم بالتصويت فى اتجاه معين أو النزول فى مظاهرات لا يرون الداعين لها إلا على صفحات التواصل الاجتماعى. وليس من قبيل الصدف أن جيل السبعينيات التى شهدت أقوى الحركات الطلابية خرج منه القيادات السياسية التى مازالت تسيطر على المشهد السياسى وسواء فى الحركة النضال الوطنى فى الأربعينيات أو السبعينيات كانت الحركة الطلابية والعمالية تلعبان الدور الأساسى فى تحريك الشارع والنضال. فإغفال العمل الطلابى على قضاياهم وفى معتركهم الأساسى داخل الحرم الجامعى وفى المعاهد فى مقابل خروجهم لمواجهات الشارع فقط هو إهدار الإمكانيات أكبر على المستوى المتوسط والطويل. ثالثا، محاولة التعالى على الانتخابات بجميع أشكالها سواء على مستوى المحليات أو الجامعات وحتى الانتخابات البرلمانية (إن حدثت وكما حدث فى مجلس الشورى القائم) هو هدر لأحد الأسلحة المهمة. فالانتخابات ليست فى تعارض مع العمل الجماهيرى والحشد لمظاهرات أو اعتصامات بل على العكس فإن احدهما يكمل الآخر وليس من قبيل المصادفة أن تيار الإسلام السياسى ينجح فى الصناديق كما ينجح فى حشد المليونيات فهذا انعكاس لذاك بمعنى ما.

 

●●●

 

أخيرا لا أحد يملك كاتالوج الثورة كما يحب بعض المحللين أن يدعوا وكلنا نتعلم من التجربة ولكن الإصرار على عدم تعلم الدروس من الواقع والتمترس حول أفكار مسبقة هو ما يهدد نجاح واستكمال هذه الثورة واستنزاف طاقتنا فى معارك جانبية لا تحفر مسار تغيير هذا النظام ولكن تحفر لنا مزيدا من القبور.

 

 

 

أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية

التعليقات