نبيل فهمى يكتب: العاصفة المكتملة - نبيل فهمي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:37 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نبيل فهمى يكتب: العاصفة المكتملة

نشر فى : الإثنين 8 أغسطس 2022 - 6:55 م | آخر تحديث : الإثنين 8 أغسطس 2022 - 6:55 م
التعريف الدارج لتعبير العاصفة المكتملة هو «وضع بالغ السوء نتيجة لتزامن عدد من الظروف غير المواتية»، ويستخدم عادة فى توصيف ظروف مناخية، مع هذا أراه ملائما للغاية فى وصف الأوضاع الدولية السياسية والاقتصادية التى نمر بها حاليا وأخشى أن يمتد ذلك قريبا ليشمل كذلك الأوضاع الاجتماعية، ولا أجد فى هذا التوصيف مبالغة أو تهويلا لتعدد وتزامن التحديات والمخاطر.
استقر العالم سياسيا منذ نهاية الثمانينيات على أن الحرب الباردة بين القطبين قد انتهت، لصالح القطب الغربى الصناعى والمالى، وأن عصر العولمة ينمو وبقوة بكل ما له وعليه، وانصب الحديث والجدل على تحديد الأقطاب الرائدة مستقبلا، ومكانة الصين فى هذه المعادلة، خاصة والولايات المتحدة كانت تعتبرها المنافس الرئيسى لها فى المستقبل المنظور.
ثم انفجرت أزمة أوكرانيا وكشفت أن تداعيات الحرب الباردة لم تنتهِ بعد، لأن مفاهيمها لازالت هى الحاكمة للمنافسة الأمريكية الروسية، نظرا لأن كلاهما يعتقد أن له مناطق نفوذ يجب عدم تجاوزها، بصرف النظر عن الانعزالية الأمريكية والتفكك الأوروبى، وتوازن القوة المستجد الذى يميل لصالح الغرب، مع تفتت الاتحاد السوفيتى وانكماش القطب الشرقى بعد انهيار حلف وارسو، ومع الأحداث الأخيرة ارتفعت حدة الحديث عن عودة الحرب الباردة بل والصدام المباشر بين الطموحات الروسية والأمن القومى واستقرار الدول الغربية.
وصاحب كل ذلك توترات متنامية بين الولايات المتحدة والصين، مقابل امتعاض روسى صينى تجاه ما اعتبر أنها محاولة لفرض هيمنة أمريكية على النظام الدولى المعاصر سياسيا وأمنيا واقتصاديا، شملت ردود الفعل ضمن أمور أخرى التهديد بقطع مصادر الطاقة عن أوروبا، وفرض عقوبات اقتصادية غربية على روسيا ومن يتعامل معها من دول وشركات، والعمل على الحد من انتشار تكنولوجيا الاتصالات الصينية فى الساحات الغربية، وتنويه روسى وصينى عن التفكير فى استبدال الدولار الأمريكى بعملات أخرى فى تعاملاتهم التجارية الدولية أو اللجوء إلى إجراءات المقايضة التجارية.
صراعات الدول الكبرى تغذى مجددا الاستقطاب الدولى بين عدد أكبر من الدول الكبرى، لأن مفاهيم قانون القوة لازالت هى الأرجح فى القرن الحادى والعشرين، وشهدنا أخيرا تصعيدا وتوترا مباشرا بين الولايات المتحدة والصين، ومناورات عسكرية فى بحر الصين الجنوبى ومناورات جوية وارتفاعا شديدا فى نبرة الخطاب السياسى الصينى، ارتباطا بعزم نانسى بيلوسى رئيسة الكونجرس الأمريكى القيام بزيارة جزيرة تايوان الصينية، وقد تواصل الرئيسان الأمريكى والصينى تليفونيا طويلا وبحدة، وشمل الحديث تحذيرا صينيا صريحا «عن خطورة اللعب بالنار على من يبادر بذلك».
وكان للأزمة الأوكرانية تداعيات اقتصادية عديدة بالغة الحدة على النظام الدولى الاقتصادى المعاصر، وفى شتى أنحاء العالم، برز منها بشكل خاص ارتفاع سعر الحبوب والقمح، وهى أزمة ينتظر أن تمتد وتحتد خاصة لأفريقيا والشرق الأوسط مع انتهاء المخزون المتوفر من قبل الحرب وظهور مشاكل جمة خلال الشتاء القادم نتيجة لعدم توافر محصول كاف نتيجة للحرب، علما بأن دول الشرق الأوسط تستورد أكثر من ٥٠٪ من غذائها من الخارج، وهى مناطق عانت كثيرا من غياب التوزيع العادل للقاح التطعيم ضد الجائحة كوفيد، تواجه الآن تحديات اقتصادية متعددة.
وبالفعل للأزمة الأوكرانية آثار اقتصادية بالغة وخطيرة وممتدة على المجتمع الدولى والنظام الاقتصادى الدولى لعدم توافر الاحتياجات الأساسية أو لارتفاع أسعارها، وهى ظروف ينتظر أن تتفاقم مع الانكماش الاقتصادى المتوقع حسب تقارير المؤسسات المالية الدولية وعدم توافر السيولة النقدية بما يرفع من سعر الاقتراض لتمويل برامج التنمية أو سداد الديون، وهذه مشكلة رئيسية فى افريقيا كما تتابع آسيا بقلق ارتفاع قيمة الدولار الأمريكى على حساب العملات المحلية مع رفع البنك المركزى الأمريكى للفوائد، وتعمل على الحفاظ على التوازن التجارى تخشى من احتمالات الانكماش المالى الأمريكى بصفة خاصة، فضلا عن أن انخفاض معدلات النمو الاقتصادى فى الصين سيؤثر سلبا على العديد من الاقتصاديات الوطنية باعتبارها أحد القطارات الرئيسية المحركة للاقتصاد العالمى.
وفى الأسابيع الأخيرة شهدنا تحولا فلسفيا ومنهجيا هاما فى منظومة الاقتصاد الأمريكى، والذى كان مؤسسا فى الماضى على ترك اعتبارات السوق للتفاعل والحد من التدخلات الحكومية، حيث تبنى الكونجرس الأمريكى تشريعا جديدا بضخ مليارات ضخمة من الدولارات فى مشروعات البنية الأساسية والخدمات ودعم الطبقات الأكثر فقرا، بما يتجاوز أى مشروع مماثل فى التاريخ الأمريكى ويعد تدخلا صارخا فى توجيه السوق الاقتصادية، على خلاف ما مضى وذلك بعد عقود من الضغط الأمريكى على الدول النامية لفتح أسواقها وتجنب التدخل والدعم الحكومى حتى للطبقات الدنيا، وهو ما جعل بعض أعضاء الكونجرس من حزب
الرئيس ذاته فى حالة من التحفظ والتردد خشية رهن مستقبل وصحة الاقتصاد الأمريكى لقضاء الحاجة والضغوط السياسية الآنية.
نتعرض ونشهد كل ذلك فى الوقت المطلوب فيه من المجتمع الدولى التصدى بحكمة وعزيمة لعدد من القضايا العالمية، والتى تتطلب توافقا وتعاونا دوليا ورصد كم هائل من الموارد والامكانيات إزاءها، ومنها على سبيل المثال قضية التغير المناخى والتى وصفها سكرتير عام الأمم المتحدة بأنها قضية وجودية ومصيرية، قضية ينعقد مؤتمرها الدولى القادم بشرم الشيخ فى نوفمبر الجارى، مع مخاوف حقيقية من تراجع بعض الدول الصناعية عن تقديم الدعم الذى وعدت به لتمكين التحول إلى التكنولوجيات النظيفة، بل تراجعها وقيامها عن استخدام صناعاتها للتكنولوجيات الأقل ضررا للبيئة نظرا لارتفاع تكلفتها نسبيا، علما بأن هناك عددا آخر من القضايا العالمية التى تستوجب التعامل معها بعجالة مثل ندرة المياه والفقر وتوفير الحد الأدنى من إمكانيات الصحة العامة والقدرة على التعامل مع الأزمات الوبائية.
تواجه منطقة الشرق الأوسط كل ذلك وهى فى مرحلة إعادة ترتيب الأوضاع والتوازنات والعلاقات الاقتصادية والأمنية، سعيا للحفاظ على علاقات جيدة وإنما ليست حصرية مع الغرب والولايات المتحدة، وعدم الانعزال عن روسيا دون الاعتماد عليها، وهو ما انعكس على مواقفها من قضية أوكرانيا، والانفتاح على الصين دون اثارة الولايات المتحدة بشكل حاد بالتركيز فى المقام الأول على التعاون الاقتصادى الذى شهد طفرة كبيرة، والتعامل المباشر والمبادر مع القضايا الإقليمية للتصدى لتنامى قدرات ونفوذ الدول الشرق أوسطية غير العربية، اعتبارات دولية وإقليمية عديدة وحساسة ضاغطة على الكل وخاصة مصالحنا تشكل تحديا غير مسبوق وتفرض علينا التحرك بجدية وطنيا وإقليميا ودوليا فرادى وجماعة لإرساء معايير أكثر اتساقا مع القرن الحادى والعشرين، معايير أكثر عدالة وثباتا تحافظ على المصلحة العامة وتحترم المصالح الخاصة مجتمعاتنا وشعوبنا، هذا هو السبيل الوحيد لتخطى العاصفة المكتملة بسلام أو أقل قدر من الأضرار.
نبيل فهمي وزير خارجية مصر السابق، والعميد المؤسس لكلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات