وتعطَّلت لغة الحوار الوطنى - امال قرامى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 1:06 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وتعطَّلت لغة الحوار الوطنى

نشر فى : الثلاثاء 8 أكتوبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 8 أكتوبر 2013 - 8:00 ص

نجح الرباعى الراعى للحوار الوطنى بعد أشهر طوال من التفاوض ومحاولات الضغط على حزب النهضة، فى لمّ شمل الخصوم السياسيين، وتحديد موعد انطلاق هذا الحوار ولكن تعثّر مسار انطلاق الحوار، وهو أمر متوقع فى ظل:

● عدم الاتفاق على صيغته: هل هو حوار مشروط مثلما تطالب بذلك جبهة الإنقاذ التى تشترط إعلان الحكومة استقالتها وإعلان موعد تشكيل حكومة جديدة، والإمضاء على خارطة الطريق قبل الجلوس على «طاولة الحوار».

● حرب كلامية استعرت بين قياديى حزب النهضة وقياديين من الجبهة الشعبية وحزب نداء تونس بالخصوص مدارها تحديد مسئولية الحكومة، ومن ورائها حزب النهضة عن اغتيال الشهيدين شكرى بلعيد ومحمد البراهمى. وهذا المناخ القائم على التراشق بالتهم، والتعبئة النفسية والعنف اللفظى والتذكير بأحداث عنف وقعت منذ عقود من النشاط السياسى داخل المؤسسات الجامعية وغيرها لا ييسّر عمليات التفاوض.

● أزمة سياسية مشفوعة بأزمة ثقة عميقة جعلت المسئولين المشاركين فى الحوار يوجّهون رسائل طمأنة للتونسيين تؤكد لهم حصول التوافق بين الفرقاء السياسيين فى حين يتولّى قياديون آخرون التصريح بمواقف متباينة تنمّ عن احتراف «اللعب على الحبلين» أو الرغبة فى كسب الوقت، والبقاء فى مواقع السلطة أكثر فترة ممكنة.

● وعى أغلب الفاعلين السياسيين باهتزاز صورتهم أمام الشعب لاسيما بعد ضياع مصداقية الفعل السياسى وضعف الخطاب السياسى، وضمور الشعور بالمسئولية والحس الوطنى. وليس أدل على ذلك من دخول مختلف الفاعلين فى مفاوضات متشنجة استبقت الحوار بسبب اشتراط التوقيع على البيان، وفى الوقت نفسه يعلق عماد الدايمى أمين عام حزب المؤتمر على تعطل الحوار بالتشكيك فى حيادية المنظمات الراعية للحوار كالاتحاد العام التونسى للشغل ورابطة حقوق الإنسان... والاستهزاء بمواقف تبنتها المعارضة وذلك على صفحته الخاصة بالفيسبوك.

● مناخ اتسم بتعاقب أحداث ذات صلة بالإرهاب. فمع كل يوم يتم العثور على أسلحة والكشف عن عمليات تهدف إلى زعزعة الاستقرار فضلا عن شبكات للتهريب وغيرها، وهو الذى يؤكد مرة أخرى عجز السياسيين عن إقناع الرأى العام المحلى والعالمى بحسن مآل المسار الانتقالى من جهة، ويضاعف شعورهم بالعجز من جهة أخرى.

● تواصل الاحتجاجات وعمليات الانتحار حرقا واستياء الناس من مهزلة «التوافق الوطنى»، وانتقادهم المستمر لجميع الفاعلين السياسيين حكاما ومعارضة، وفقدان الأمل فى التوصل إلى مخرج.

● تعقد الوضع الاقتصادى واستمرار ارتفاع الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية واستمرار التصريحات المخبرة عن «وضع اقتصادى كارثى» مما انجر عنه حالة استياء شعبى وشعور بانسداد الأفق.

● هيمنة شعور عام لدى التونسيين، وخاصة الشبان الذين قادوا هذه الثورة، بأن مصيرهم ارتهن بيد فئة «غريبة» عن المسار الثورى، حولت وجهته وغيرت طابعه ومضامينه، وأفرغته من بعده الأخلاقى والإنسانى والحضارى. فشتان بين مطالب الثوار: حرية، عدالة اجتماعية، مساواة... وبين ما آل إليه الوضع من نزاع أيديولوجى حاد... وشتان بين أحلام الثوار بإرساء مناخ من الحريات وبين واقع يُدان فيه الشبان بسبب التعبير عن مواقفهم أو أفكارهم أو بسبب أغانيهم أو تغريداتهم أو سلوكهم أو أشكال تعبيرهم الفنية عن حقوقهم فى المشاركة فى الشأن العام... فلا غرابة أن تنطلق مبادرة شبابية جديدة «سيّبونا» أى أطلقوا سراحنا مدافعة عن حرية التعبير ومنددة بانتهاكات حقوق الناشطين والفنانين والمبدعين، وبالإيقافات التعسفية.

●●●

ونظرا إلى هذه العوامل المركبة والمعقدة التى تؤثر فى مسار مبادرة الحوار الوطنى»، وهيمنة مناخ من الشك والريبة والعداء والبغضاء نرجح أن مستقبل تونس سيبقى فى «منزلة بين منزلتين»، معلقا بين السماء والأرض، ينوس بين رغبة فى تجاوز التحديات وتحقيق المصالحة، وحرص على تصفية الحسابات: حسابات الماضى التى خلفت جراحا مازالت تنزف.

 

أستاذة بالجامعة التونسية

التعليقات