ماذا يعنى تحسن ترتيب مصر فى مؤشرات التنافسية الدولية؟ - معتمر أمين - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 12:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا يعنى تحسن ترتيب مصر فى مؤشرات التنافسية الدولية؟

نشر فى : الأحد 8 أكتوبر 2017 - 8:50 م | آخر تحديث : الأحد 8 أكتوبر 2017 - 8:50 م
صدر تقرير التنافسية الدولية لعام 2017، والذى عادة ما يكون مناسبة لإثارة نقاش حول أحوال معينة فى مصر بالمقارنة بمختلف البلدان. فالتقرير، يضع ترتيبا للدول بحسب تنافسيتها طبقا لمجموعة من المعايير. ولعل التعليم يشغل واحدا من أهم المؤشرات التى يتابعها الناس من عام إلى آخر، للوقوف على أحوال البلد، طبقا لتقارير صادرة من جهة محايدة من خارج الدولة. وتقرير التنافسية الدولية، الصادر عن المنتدى الاقتصادى العالمى، قفز بمصر هذا العام إلى الترتيب رقم 100 على 137 دولة شملها التقرير. وتعتبر هذه نقلة نوعية كبيرة، لأن آخر مرة كان ترتيب مصر 144 على 145 دولة. وبغض النظر عن عوامل هذه القفزة الهائلة، نتوقف أمام ثلاثة مستويات تحليل للمؤشرات الفرعية، ونتابع معناها ودلالتها. فهل تغيرت أحوال مصر لكى تقفز هذه القفزة، لاسيما فى مجال التعليم بمختلف فروعه؟ 
المستوى الأول هو مستوى الالتحاق بالتعليم. وفى هذا الصدد نجد أن ترتيب مصر 33 على 134 دولة فى المرحلة الابتدائية، وهو ترتيب مرتفع، يعكس رغبة الأهالى فى تعليم أبنائهم، كما يعتبر مؤشرا على إتاحة التعليم فى مصر. ونلاحظ فى هذا الصدد أن سياسة وزارة التعليم قائمة على الإتاحة، بدون أن يعنى بالضرورة وجود جودة مصاحبة للتعليم المتاح للجميع. وسنعود لهذه النقطة، لكن نتفقد المؤشر الثانى وهو ترتيب مصر فى التحاق التلاميذ بالتعليم الثانوى. وفى هذا الصدد ينخفض ترتيب مصر بشدة، ليصبح 76 على 134 دولة شملها التقييم. وفى هذا معنى مهم يجب أن يتوقف عنده كل مسئول عن سياسة التعليم. أغلب الظن أن الحالة المادية هى العائق أمام استكمال التعليم. فهل بوسع المجتمع عبر مساهمة منظمات المجتمع المدنى، والشراكة فى برنامج مع الحكومة والقطاع الخاص، يحفز التلاميذ على استكمال تعليمهم قبل الجامعى؟! 
***
وفى المستوى الثانى، نتوقف أمام مسألة إتاحة التعليم، ونتابع مؤشرا آخر، وهو الخاص بربط المدارس بشبكة المعلومات (الإنترنت). وفى هذا الصدد نجد ترتيب مصر، يتأخر كثيرا إلى رقم 119 على 137 دولة. والسؤال البديهى الذى نثيره بناء على هذه المعلومة، ألم تكن الأولوية للإنفاق على ربط المدارس بشبكة المعلومات، بالتوازى مع إنشاء بنك المعرفة؟ وفى نفس السياق، نجد ترتيبا آخر خاصا بجودة العملية التعليمية فى المرحلة الابتدائية، حيث تأتى مصر فى ترتيب متأخر للغاية وهو 133 على 137 دولة. والسبب بمنتهى البساطة، أن الدولة تهتم بسياسة إتاحة التعليم وعدد الفصول، وعدد المدارس، دون أن يعنى هذا أن ما تنتجه هذه الفصول الإضافية ذات جودة مميزة. والدليل من خلال مؤشر آخر فى تقرير التنافسية خاص بجودة العلوم، والرياضيات، حيث جاء ترتيبنا رقم 122 على 137. ولقد سمعت بنفسى من مسئول كبير فى التعليم أن هذا الترتيب لا معنى له، لأن تقرير التنافسية الدولية مبنى على امتحانات لم تجر فى مصر أساسا، لذلك جاء ترتيبنا متأخرا. ويزعم المسئول أن التلاميذ لديهم قدرات عالية لا يتم قياسها بمؤشرات التنافسية الدولية. ولا أعرف كيف لنا المقارنة إذا كانت كل دولة سيكون لها وحدات قياس خاص بها لجودة وكفاءة العملية التعليمة. 
وفى ختام المستوى الثانى من التحليل، نتوقف أمام مؤشر آخر، يعكس نوعية الفكر السائد فى إدارة العملية التعليمية فى مصر. فلقد جاء ترتيب مصر 124 على 137 دولة فى مدى جودة إدارة العملية التعليمية. وأظن أن هذا المؤشر ليس بحاجة لمزيد من الشرح! فلو كان الأهالى مقبلين على التعليم، والدولة بدورها تتيح التعليم، فإن إدارة العملية التعليمية، وسياسات الجودة لا تناسب حجم إقبال الناس، ولا حجم الأصول التى يتم بناؤها كل عام. نلاحظ أن مصر لديها 20 مليون تلميذ، و50 ألف مدرسة، و1,5 مليون معلم. وهذا معناه أن لدينا 400 تلميذ، لكل مدرسة، ومعلم لكل 14 تلميذا. لكن الواقع يقول إن لدينا فصولا ذات كثافة تصل إلى 80 تلميذا، ونقص فى المعلمين، لا سيما فى تخصصات مواد العلوم. كيف هذا؟ ببساطة، لدينا مشكلة «توزيع» وليس مشكلة «إتاحة»، ناهيك عن الجودة. ثم ننتقل إلى المستوى الثالث والأخير وهو الخاص بالتعليم الجامعى والتدريب. 
***
على مستوى التعليم العالى والتدريب، جاء ترتيب مصر رقم 100 على 137 دولة. وهذا ترتيب لم يكن يلقى اهتماما من وسائل الإعلام. بل كان الحديث يتناول قبوع مصر فى ذيل الترتيب من حيث جودة التعليم الابتدائى، ويبدأ معها موجة اللطم الإعلامى، دون أن نحلل أى معنى آخر. المهم، بالنسبة للتعليم الجامعى، نلاحظ عدد آخر من المؤشرات مرتبط بهذا المستوى فى التحليل. مثلا، مؤشر التدريب أثناء سنوات العمل يضع مصر فى ترتيب 133 على 137. بمعنى أن الخريج الجامعى يحصل على مستوى منخفض جدا من التدريب المستمر بعد التخرج. وبالتالى تنخفض إنتاجيته، وتقل تنافسيته. والأخطر، أنه يفقد القدرة على تغيير مجال العمل بعد حين. بينما الاقتصاد الحديث غيّر من طبيعة العمل الدائم وتحول إلى العمل بنظام المهمات. ولم يعد كافيا أن يعتمد الخريج على ما تعلمه أثناء الدراسة، بل يجب عليه السعى الدائم لإعادة تأهيل نفسه ليلائم المهمات المتاحة فى سوق العمل. وأغلب الظن أن الإنسان يغير مجال عمله على الأقل مرتين فى تاريخه الوظيفى. ومن يفشل فى التأهيل، فإنه سيعانى من البطالة حتى لو كانت مؤهلاته ممتازة. 
ثم نتوقف أمام مؤشر آخر وهو عدد العلماء والمهندسين فى المجتمع، فلقد جاء ترتيب مصر رقم 55 على 137 دولة. لكن كيف يكون لدينا هذا الترتيب المتقدم من حيث عدد العلماء ثم يأتى ترتيبنا فى مؤشر الابتكار رقم 109 على 137 دولة؟ هل السبب هو ضعف تمويل البحث العلمى، أم فى هجرة العقول المصرية للخارج؟ إن تقرير التنافسية، فرصة لمراجعة النفس والحسابات. والمطلوب ليس النقد للنقد. ولكن المطلوب هو الاستفادة من معنى المؤشرات ودلالاتها. وليس المهم العناوين العريضة التى يركز عليها البعض لجذب مشاهدين أكبر. ولكن المهم أن نفهم، لماذا تقدم ترتيب مصر المرتبة رقم 100، ثم كيف نقفز بهذا الترتيب إلى مرتبة تليق بمصر، فى عدد مناسب من السنوات.

باحث فى مجال السياسة والعلاقات الدولية
الاقتباس
مؤشر التدريب أثناء سنوات العمل يضع مصر فى ترتيب 133 على 137. بمعنى أن الخريج الجامعى يحصل على مستوى منخفض جدا من التدريب المستمر بعد التخرج. وبالتالى تنخفض انتاجيته، وتقل تنافسيته. والأخطر، أنه يفقد القدرة على تغيير مجال العمل بعد حين.

 

معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات