من فقه الدعوة 2- سبيل ربك أم سبيل الله؟ - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 4:22 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من فقه الدعوة 2- سبيل ربك أم سبيل الله؟

نشر فى : الجمعة 8 نوفمبر 2013 - 7:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 8 نوفمبر 2013 - 7:00 ص

(1)

لا تعجب، ولا تظنن أنه لعب بالألفاظ، أو تبادل المترادفات حسبما انتشر بين الناس أن (الرب) و(الله) مترادفان بمعنى واحد.فعلم الترادف مازال بحاجة إلى «تنقيح».

فالقرآن الكريم ليس فيه ترادف بالمعنى المشهور، بل لابد من وجود فروق جوهرية بين كل لفظ وآخر من ألفاظ القرآن الكريم، كما أن الله قد اتخذ لذاته تسعة وتسعين اسما هى الأسماء الحسنى، ولاشك أن كل اسم من الأسماء الحسنى له دلالة تختلف عن غيره، وإلا فلا حكمة فى تعدد الأسماء وتغايرها. والأفضل للباحث فى القرآن أن يتعرف على الفروق بين كل كلمة وأخرى حتى يتفهم معانى القرآن بطريقة صحيحة.

(2)

إذا قال القرآن الكريم: (سَبِيلِ رَبِّكَ) فهو يشير إلى (الربوبية) وعطائها من الرزق والتربية والعطاء، والرحمة والمنفعة، والمصلحة، كما يشير إلى تجليات الربوبية (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ).

فإذا كانت الألوهية (الله) اسم العظمة والعزة والكبرياء والجلال، فإن الربوبية (الرب) اسم العفو والمغفرة والرحمة والجمال، واقرأ القرآن قراءة باحث فاحص يتفكر ترى أمامك عطاء الربوبية لاحد ولا منتهى له (وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى)

(3)

وفى المقال السابق توقفنا أمام كلمة سبيل، وقلنا أنها تعنى الطريق، وعلى ذلك فالقرآن يعلمنا أن الدعوة (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ) تبدأ بالسبيل أى الطريق الموصلة إلى الغاية المرجوة، واليوم نزيد السبيل وضوحًا كما أوضحه القرآن (سَبِيلِ رَبِّكَ).

أى سبيل الربوبية بكل ما فيها: من عطاء الرزق والإنعام والإكرام، عطاء التجاوز عن الأخطاء، عطاء الجزاء على الحسنة بعشر أمثالها، عطاء السيئة بمثلها فقط.

فهذه هى «الربوبية» الكفيلة باستقطاب الاهتمام والتعامل معها.

نعم سبيل الربوبية بكل تجلياتها من: رحمة الرحيم الرحمن، (ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ)

والشفقة، ومودة الودود، وسلامة السلام. بل أنه (أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)

نعم سبيل الربوبية بكل محاسبيها:

رَبِّ الْعَالَمِينَ / رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ/ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، رَبِّ النَّاسِ. رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، الرب الذى يقبل القليل ويكافئ عليه بالكثير

نعم سبيل الربوبية التى تربى عبادها تربية متكاملة متعالية فوق الدنايا:

الربوبية التى تربى إلى ما لا نهاية: تربية موصولة لا يتوقف عطاؤها، الربوبية التى خضعت لها السماوات والأرض، فسخرتهما لمنفعتك، الربوبية التى يدين لها كل الكائنات بالطاعة. (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِى.....)

سبيل ربك الذى قال للملائكة: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً)، فربك هو الذى استخلفك وجعلك سيدا بين الكائنات.

ربوبية تستعيذ بها: (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ...)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}،{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ).

(4)

فمن أين تبدأ الدعوة؟ تبدأ الدعوة باستيعاب الناس وحسن معاملتهم، بقضاء مصالحهم واغنائهم عن الحاجة، إن ربك، هو الذى منح آدم جميع مصالحه قبل أن يكلفه بأى تكليف. ألم تقرأ قول الله تعالى يخاطب آدم فيخبره بما أعده وجهزه له قبل خلقه؟

(إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)) وهكذا ضمن الله لآدم ضرورات بئيته ومعاشه (الطعام والشراب والملبس والمسكن).

فبدأت الدعوة بإغناء آدم وذريته وقضاء حاجاتهم قبل فرض التكليف عليهم.. هذه هى الربوبية التى لا تثمر الدعوة إلا فى مناخها.

(5)

«والربوبية»: عطاء غير مشروط، وعطاء يفيض على الجميع مثلما نرى الغيث يسقى جميع الأرض، والهواء يعم جميع المخلوقات لا فرق بين مؤمن وكافر. ولا تمييز بين محب ومبغض و«الربوبية» حرص على المخلوقات أن يصيبها ما يضرها «والربوبية» تجدد دائما فتح باب التوبة.

وكما يبدأ الإنسان المحترم بإعداد ضيافة ضيوفه إذا دعاهم، فعلى الداعى أن يبدأ بإعداد حاجات من يدعوهم حتى يضمن قبولهم للدعوة، والتمتع بما أعده لهم، ثم الاستماع لما يعرض عليهم.. هذه أسس تجهيز الدعوة والترتيب لاستمالة الناس نحو ما يعرض عليهم. فالدعوة هى إعداد ما يلزم ويرضى، ثم استدعاء الضيف وحسن استقباله واتخاذ ما سبق إعداده له، ثم بعد ذلك يمكن الحوار.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات