درس روبرت دى نيرو وقيمة الإيمان بالحلم - خالد محمود - بوابة الشروق
الجمعة 25 أبريل 2025 11:36 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

درس روبرت دى نيرو وقيمة الإيمان بالحلم

نشر فى : الأربعاء 9 أبريل 2025 - 8:50 م | آخر تحديث : الأربعاء 9 أبريل 2025 - 8:50 م

عندما شاهدته لأول مرة فى مهرجان كان السينمائى، وجدته يشع بريقًا ووهجًا، وهو يداعب كاميرات التصوير، وفى جلسته الصحفية سألته إلى أى مدى تؤمن بمشوارك؟ نظر فى عينى، وقال: «إيمان كبير إلى أقصى درجة، حلمت وتحققت أحلامى.. عليك أن تكون جريئًا فى حلمك.. لطالما كنتُ حالمًا، ولطالما أحببتُ فكرة أن يصبح المستحيل حقيقة.. الأحلام لا تتحقق إلا إذا سعينا إليها.. إن لم نبذل جهدًا أو إيمانًا وراء أحلامنا، فستبقى مجرد حلم.. اسألوا أنفسكم يوميًا: هل أفعالى تعكس ما أؤمن به؟، هل أستغل مواهبى بأفضل ما أستطيع؟».

 

 

كانت إجابة روبرت دى نيرو بمثابة درس كبير، وهذا العام يمنحه مهرجان كان جائزة السعفة الذهبية الفخرية عن مجمل أعماله فى حفل افتتاح دورته الثامنة والسبعين، كونه أسطورة سينمائية.
لعب دى نيرو دور البطولة فى بعض أعظم أفلام المافيا فى كل العصور إلى حد جعلها تحمل توقيعه الخاص.
كان الظهور الأول على الشاشة بمثابة تحديد مصير جيل تاريخى من المخرجين الذين أصبحوا من قلب نيويورك الجيل القادم لسينما هوليوود بفضل أسلوب تمثيل دى نيرو الذى منح أفلامهم مذاقًا خاصًا، وفى مقدتهم مارتن سكورسيزى. بدأت هذه الصداقة السينمائية الأسطورية فى فيلم «الشوارع الخلفية» عام 1973، والذى يعتبر على نطاق واسع أحد أعظم أفلام العصابات على الإطلاق. ذلك الفيلم النيويوركى العنيف، قدم صورة واقعية للعصابة وشخصياتها التى تعيش فى قاع المدينة، وهو ليس عن صعود وهبوط رجل العصابة بل عن استمراريته، وجسد دى نيرو شخصية جونى ذوى وفاز بجائزة الجمعية الوطنية لنقاد السينما لأفضل ممثل مساعد، ووصفته نيويورك تايمز بأنه أحد أفضل الأفلام الأمريكية فى ذلك العقد.
وفى العام التالى، قدم أحد أهم الأدوار فى حياته المهنية فى السينما، حيث لعب دور فيتو كورليونى الشاب فى فيلم العراب، الجزء الثانى للمخرج فرانسيس فورد كوبولا، ونجح فى تحدى تفسير السنوات الأولى لشخصية مارلون براندو دون تقليده. وقد أدى أداؤه إلى حصوله على جائزة الأوسكار لأفضل ممثل مساعد.
أكدت السنوات التالية موهبته، حيث ذهب دى نيرو إلى النجاح الكبير فى عام 1976، وقدم تحفتين فنيتين من الفن السابع فى الاختيار الرسمى لمهرجان كان السينمائى: «1900» لبرناردو بيرتولوتشى و«سائق التاكسى» لمارتن سكورسيزى، الذى فاز عنه بجائزة السعفة الذهبية، وكان الكمال فى أدائه له علاقة كبيرة بهذه الجائزة.
أصبح استثماره فى أدواره أسطوريًا مع استمرار تعاونه مع مارتن سكورسيزى، على مدى السنوات قدم مجموعة من الأفلام العظيمة، وفى كل مرة كان كل منهما يلهم الآخر ويشكل منهلًا خصبًا لسينما تنتزع الآهات، وتبحر بنا فى عوالم متعددة من الشخصيات حتى وإن جمعها تيمة فكرية واحدة، وهى عالم العصابات والأموال والعنف المجتمعى، ورغم أنهما قدما تسعة أفلام سويًا فإنه ما زال بقلبيهما شغف كبير لتلك الثنائية الممتعة.
لم يستغلا نجاحًا بقدر ما هم يرون أن أفكارهم تتحقق معًا، مارتن يرى أن بطله هو المنفذ لتحقيق رؤيته، ودى نيرو يدرك أن طموح التألق مع مارتن لا حدود له.
وقال المخرج الكبير: «كل الشخصيات التى ابتدعناها فى أفلامنا كان يتم اختراعها وفق أحاسيسنا دون أن نأخذ بعين الاعتبار ما إذا كانت عصرية أو حتى قدرية».
أتوقف عن «سائق التاكسى» ثانى فيلم شارك فيه روبرت دى نيرو المخرج سكورسيزى، جسد دو نيرو شخصية ترافيس بيكل سائق تاكسى بسيط وجندى سابق فى البحرية خلال حرب فيتنام يلاحظ الفساد والجرائم فى المدينة التى يعيش فيها، مع استمرار تجوله فى الشوارع واستمرار قيادته يكتشف كيف أصبحت الحياة فاسدة، الجريمة والسرقة والتحرش والدعارة، وأصبحت أمورًا مألوفًا، قرر السائق تغيير مدينته وتنقيتها من الفساد الذى انتشر فيها وبثورة غاضبة، لنرى ملحمة واقعية وقريبة منا، إنسان بسيط فى وجه الشر لا يهمه الجريمة، يتمنى فقط أن يرى عالمًا خيرًا.
الفيلم نقل بسهولة نقل المشاعر التى يوحى بها المشهد، ونجد أن الموسيقى خليط بين موسيقى الجريمة والموسيقى الرومانسية، وعلى هذه الألحان وبهذا الإخراج يبدع دى نيرو بتمثيله العظيم، والذى فجره بشكل واضح فى هذا الفيلم، يعد الفيلم من قبل النقاد والجمهور على حد سواء واحد من أهم الأفلام على الاطلاق، ورشح لأربع جوائز أوسكار، منها أفضل ممثل ومخرج.
وحصل دى نيرو على السعفة الذهبية فى مهرجان كان السينمائى، تم اختياره لحفظه ضمن سجل الأفلام الوطنية من مكتبة الكونجرس لكونه أثرًا حضاريًا، وتتجلى رؤية مارتن سكورسيزى فى إعادة طرح بطله فى فيلم الثور الهائج الذى نال عنه دى نيرو جائزة الأوسكار، بتجسيده ببراعة السيرة الذاتية لشخصية الملاكم المعروف جيك لاموتا الذى يتشاجر بعنف مع الجميع، سواء من داخل أو خارج حلبة الملاكمة، وكانت دروسه الأولى فى الحياة هى إنه إذا أراد البقاء فإن عليه أن يكون أقوى ممن يقف أمامه، لذلك كان عنيفًا تتملكه أحاسيس الخوف والغضب وكره الذات، فنحن هنا أمام ملاكم يصارع العالم وحده.
ويعترف دى نيرو: «أحسست بأن لهذه القصة قوة خارقة بالنسبة للتحليل النفسى والاجتماعى للبطولة والمجد ومنذ تلك الفترة شعرت بأن تمثيل هذا الدور سوف يطور مواهبى».
ويعتبر فيلمهما «أولاد طيبون» 1990 أعظم تصوير لحياة الأشقياء على الشاشة عام 1995، قدم نيرو فيلمه الخالد «كازينو» ويلعب دور «سام» مدير نادى للقمار تم تعيينه من قبل المافيا للإشراف على أحد النوادى التابعة لها، وهى شخصية مبنية على الحياة الحقيقية لرجل العصابات فرانك روزيتا.
وكانت آخر أفلام سكورسيزى ودى نيرو «قتلة زهرة القمر» عن مجزرة أمريكية بحق السكان الأصليين فى ولاية أوكلاهوما..
تلك هى الرحلة التى آمن بها نجمها ويا ليت نجومنا يعلمون.

خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات