عود على بدء - جمال قطب - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 5:24 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عود على بدء

نشر فى : الخميس 9 سبتمبر 2010 - 9:16 ص | آخر تحديث : الخميس 9 سبتمبر 2010 - 9:17 ص

 مضى الشهر الكريم كما يمضى جميع العمر، وقد فتح الله سوق رمضان وكاد ينفض، وقد ربح فيه من اجتهد، وخسر من لم ينل من عطاء الله فى هذا الشهر. فهل تدرك ما بقى ولو ببضع آيات وبعض ركيعات وما تقدر عليه من الصلوات؟ فإن ذلك يثقل ميزانك فتنال ربحا قبل أن يرحل رمضان فيشهد لك أو يشهد عليك.


وقد التقينا فى هذه الحواشى طوال هذا الشهر حول ضرورات البشرية ونواقصها التى تهددها، فتذاكرنا جميعا صورة وأهمية الشفافية والإعلام بين الجميع عامة وبين الحكام وشعوبهم بصفة خاصة، ورأينا أن الله سبحانه وتعالى أعلم الملائكة بخلق آدم قبل أن يخلقه إعلاما وإخبارا، فهل يحل لأى حاكم فى الدنيا أن يفاجئ شعبه بقرارات وأوامر لا علم لهم بها ولا استعداد لهم بل لا قدرة لهم عليها ولا نفع لهم ولا رغبة فيها؟!


إن المستبدين الذين ينفردون بشئون الأوطان هم وشللهم وأحزابهم دون أن يشركوا ممثلى الشعب فى شئون الوطن، هؤلاء المستبدين يرتكبون جريمة كبرى مركبة من جرائم يعرفها القانون ويأباها العدل، فأولا يحولون أوطانهم إلى محيطات عميقة مغرقة تغرق جميع المواطنين وتجعلهم طى النسيان، وثانيا فى خضم هذه المحيطات يتحول المواطنون إلى حيتان وأسماك يأكل بعضها بعضا، ويهرب بعضها من بعض، ويتربص بعضها ببعض، وثالثا تتأخر هذه الأمة تأخرا يجعلها فى ذيل قائمة الأمم والدول المحترمة فيتكالب عليها الأعداء من الخارج، حيث إن الاستبداد قد مهد الطريق لدخول المعتدى الخارجى.


ومررنا خلال الشهر على سلوكيات مفتقدة فى الأفراد نتجت عن إحساسهم بالغربة فى أوطانهم فأصبحوا لا يشعرون بالانتماء ولا يدينون بالولاء، ولهم الحق فإن خيرات بلادهم وعائدات كدهم وجهدهم تذهب إما إلى جيوب المستبدين وإما إلى مصالح الأعداء المتربصين. ومن تلك السلوكيات السلبية السيئة سلوكيات الركوب والطرق العامة وما تشهدان من فوضى حادة واغتراب شديد حتى لكأن الواحد يعيش منعزلا فى جزيرة خاصة به فلا يصلح سيارته ولا يرعى الطريق العام ولا يحافظ على صحة الناس ولا حتى على أسماعهم، أضف إلى ذلك اعتراضهم للطرق وتعطيلهم السير.


كذلك قد تصدينا بالقول الواضح لهؤلاء الذين يظنون أن جميع الأحاديث النبوية فى الكتب الصحيحة هى دين ملزم لعامة المسلمين وضربنا الأمثلة وأظهرنا الدليل على خطأ هذه الدعوى.
كما التفتنا إلى المنهج الإسلامى فى حرصه الدائم على إقامة دورات تدريبية فى التنمية البشرية من خلال برامج روحية كالصلاة والصيام وبرامج اجتماعية كالزكاة والصدقة والقرض وبرامج علمية للعقل من القرآن والسنة والتراث والفكر البشرى ورأينا أن الإسلام يحبب لأتباعه تكامل النسق البشرى جسما وعقلا وقلبا وروحا.


وبعد ذلك أخذنا القرآن الكريم إلى أعماق التاريخ حيث ولد الفساد والاستبداد عند الحكام المتحكمين الذين سماهم القرآن فراعنة، وكان الفرعون منهم يعامل الناس معاملة استعلاء على أنه إله وحده وسائر البشر سوقة ورعية وعبيد يضعهم حيث شاء.. ألم يقل فرعون مخاطبا موسى «أنا ربكم الأعلى»، ورأينا أن الاستبداد ليس مجرد تمسك بالملك لكنه إحساس بتضخم الذات، فضلا عن أنه مورد مضمون يصب فى جيب الفرعون.
وهكذا نرى مقومات الحياة الصحيحة للبشرية فى السلام وشيوعه بين جميع البشرية حكومات وشعوبا، كذلك العدل فى التعامل بين الحكام والمحكومين والصدق فيما بين جميع الناس بعضهم وبعض.


كذلك لابد من تفريغ ساحة المجتمع من أى استبداد أو فرعنة أو عنت حتى يتمكن الناس من إعمار حياتهم ومزاولة كرامتهم.
فإذا مر بنا الشهر ومضى قطاره فلنمسك ونتمسك بالدواء الذى بذله إلينا ودربنا عليه الشهر الكريم شهرا كاملا، فندعو الله أن يبقى أثر هذا التدريب فى نفوسنا وحياتنا حتى نبلغ رمضان المقبل إن شاء الله.


جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات