نظرية حماية الفساد - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 9:47 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نظرية حماية الفساد

نشر فى : الأربعاء 9 سبتمبر 2015 - 8:05 ص | آخر تحديث : الأربعاء 9 سبتمبر 2015 - 8:05 ص

الحكومة تقول إن الحرب على الفساد بدأت.
الكلام يوافق ما يطلبه الرأى العام من مواجهة حاسمة مع فساد استشرى فى بنية الدولة وأكل عافيتها غير أن الحكومة نفسها فى دائرة الاتهام.
لأول مرة فى التاريخ الجنائى المصرى يقبض على وزير أمام المارة فى ميدان عام بعد دقائق من إقالته بتهم تتعلق بالفساد.
ولأول مرة فى تاريخ الحكومات المصرية يبادر عدد من الوزراء بنفى أية صلة لهم بوقائع القضية أو أية قضية فساد أخرى كأنهم متهمون محتملون.
بالتعريف العمل الحكومى تضامنى واتهام وزير واحد بالفساد ينال من الصورة العامة للحكومة كلها.
لا يحق لأحد إطلاق الاتهامات غير أن الجو العام ينذر بتغيير وزارى مرتقب.
على أى أساس يختار الوزراء فى مصر؟
لا أحد يستطيع أن يجيب.
من الذى رشح الدكتور «صلاح هلال» لوزارة الزراعة رغم سجل التجاوزات المنسوبة إليه؟
لا أحد يجرؤ أن يجيب.
ليست هناك قواعد تطمئن على سلامة الاختيار ومستويات الكفاءة واعتبارات النزاهة.
فى غياب القواعد لا أحد بوسعه أن يثق بأية تعهدات حكومية فى الحرب على الفساد.
القضية فى فساد السياسات قبل نوايا الرجال.
هناك سياسات تشجع الفساد وتحميه وتضفى عليه مظلة قانونية باسم عدم ضرب مناخ الاستثمار.
كأن الاستثمار يرادف الفساد.
هذه مغالطة فاضحة مع أية قواعد حديثة للاستثمار فى أى مكان بالعالم.
صدرت تشريعات تحصن فساد العقود الموقعة وتشريعات أخرى تبيح للمتورطين فى الفساد الإفلات من العدالة.
لا يعقل فى دولة محترمة أن تسوى لجنة إدارية تشكلها الحكومة ملفات حسمتها أعلى السلطات القضائية باسم المصالحة مع رجال الأعمال.
وفق تعديل أقرته الحكومة على قانون الإجراءات الجنائية، وقد كان وزير الزراعة حاضرا وشريكا، فإنه يحق له مع المتهمين الآخرين طلب المصالحة.
إنهاء القضية مقابل عودة الأموال المستولى عليها.
لا قضية فساد كبرى ولا صغرى.
إذا لم يستجب لطلب المصالحة فهو انتقام وإذا استجيب له فهو فضيحة.
لا يعقل أن الذين مرروا هذا التعديل القانونى مؤهلون لإعلان الحرب على الفساد.
إنهم مدينون بالاعتذار لأية قيمة دستورية وقانونية فى هذا البلد قبل أى حديث عن أهليتهم للحرب على الفساد.
الكلام فى القانون قبل الأخلاق.
أية حرب من مثل هذا النوع تحتاج إلى بنية تشريعية صلبة تلتزم النص الدستورى وتلغى كل ما يحمى الفساد من نصوص قانونية معيبة.
الإنجاز الحقيقى فى قضية وزير الزراعة أنها هزت نظرية حماية الفساد.
البوادر إيجابية لكنها ليست كافية.
لأوقات طويلة استقرت تصورات تقول إن مؤسسة الفساد أقوى من أى مؤسسة أخرى فى هذا البلد وأن الاقتراب منها يفضى إلى انهيار اقتصادى.
النظرية تردع أى فعل وتمنع أية مواجهة.
تحدى نظرية حماية الفساد فى نسف مقوماتها.
لا اقتصاد حقيقيا يتأسس على فساد ولا شرعية حكم تستقر فوقه.
الحرب مع الفساد تحتاج إلى نفس طويل لا قضية ولا اثنتين وفلسفة اجتماعية جديدة تنحاز إلى شعبها وترفع عنه المظالم الثقيلة.
كل خطوة إلى العدالة الاجتماعية ضرب فى ركائز الفساد.
وكل مواجهة مع الفساد تضخ أملا جديدا فى العدالة الاجتماعية الغائبة.
بنفس القدر توسيع المجال العام يوفر البيئة المناسبة لحصار الفساد.
وأية ضربة للفساد تحاصر الإرهاب.
بمعنى أوضح فإن الحرب على الفساد جوهرية فى تقرير مستقبل الحكم الحالى فى مصر.
وقضية وزير الزراعة تلخص التحديات الكبرى دفعة واحدة.
فى الأثر السياسى ثبت أن مواجهة الفساد ممكنة دون أدنى اهتزازات فى بنية الاقتصاد.
ضربت نظرية حماية الفساد لكنها مازالت ماثلة.
هذا أول اختبار لنظام الحكم الجديد فى الحدود التى يمكن أن يذهب إليها فى الحرب مع الفساد.
شبكات الفساد متداخلة وتفكيك شبكة يفضى إلى أخرى.
هل يمتد الغطاء السياسى بقدر ما تتوافر الأدلة والقرائن أم أنه قد يتوقف فى منتصف المسافة؟
هناك شكوك فى جدية الخطوة رغم أهميتها البالغة وتساؤلات قلقة حول ما بعدها.
بقدر الجدية فى الاقتراب من الملف تتأكد ثقة الرأى العام وقوة دولة القانون.
الإجراءات أهم من الأقوال.
بعض الأقوال مخاتلة.
قبل سقوطه تعهد وزير الزراعة بتعقب الفساد منددا بلصوص المال العام.
‫«‬حتى الذين ينددون كما الضمائر باللصوص.... هم بعض اللصوص» كما قال ذات مرة الشاعر الكبير الراحل «نجيب سرور».
كيف نوقف أى تدليس محتمل على الرأى العام من مراكز فساد ترفع رايات محاربته وهى متورطة فى مستنقعاته؟
بقدر ما يمتد الخيط إلى آخره فإن النظام الجديد يؤسس لنفسه ويفكك فى الوقت نفسه بنية نظام «حسنى مبارك».
الحرب على الفساد تثبيت للأوتاد.
وهذا يحتاجه الرئيس الجديد «عبدالفتاح السيسى».
بالقدر نفسه فإن الحرب على الفساد تخلع أوتاد النظام الأسبق الذى ثار عليه شعبه.
فى العشر سنوات الأخيرة لـ«مبارك» وصل زواج السلطة والثروة إلى مستويات قياسية فى الفساد المنهجى.
جرى التوسع فى نهب المقدرات العامة كما لم يحدث فى التاريخ المصرى كله.
توحش الفساد من القمة للقاعدة.
ذات مرة سأل مهندسا استشاريا معروفا وعضوا بارز فى لجنة السياسات الرئيس الأسبق عن وزير الإسكان «محمد إبراهيم سليمان» وتجاوزاته فرد بإشاحة من يده: «هوه لوحده».
وهو اعتراف بالفساد العمومى وحماية الفساد فى الوقت نفسه نشرته صحيفة «العربى» فى مانشيتاتها الرئيسية.
بتعبير الدكتور «ممدوح البلتاجى» وزير السياحة الأسبق «الفاسد يحتاج إلى مفسد».
كسر دائرة «المفسد والفاسد» من ضرورات الحرب.
القضية ليست تبرئة الحكومة من أى فساد آخر فى جنباتها بقدر ما هى ألا تكون سياساتها مفسدة.
السياسة أولا وثانيا وعاشرا.
بعض الوزراء يعلنون أن لا صلة لهم بالسياسة، كأن ذلك من مقومات المنصب الرفيع الذى هو بطبيعته منصب سياسى.
السياسة تعنى أن تكون هناك تصورات تحكم العمل الحكومى وسياسات تسبق المشروعات.
غياب السياسة أفضى فى النهاية إلى حكم قاس على حكومة بذلت مجهودا مضنيا لكنه كان عضليا بالمقام الأول وافتقادها إلى أية رؤية فى التنمية وعدالة توزيع الثروة القومية والعدل الاجتماعى.
هذا المستوى فى الأداء العام لا يمكن أن يستمر بلا عواقب وخيمة.
ما هو مطلوب الآن نسف نظرية حماية الفساد التى اهتزت فى قضية فساد وزارة الزراعة.