حروب إسرائيل فى «المسرح الاستراتيجى السورى» - ناصيف حتى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:52 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حروب إسرائيل فى «المسرح الاستراتيجى السورى»

نشر فى : الإثنين 9 سبتمبر 2019 - 11:00 م | آخر تحديث : الإثنين 9 سبتمبر 2019 - 11:00 م

يأتى التصعيد الإسرائيلى من خلال الهجوم العسكرى على أهداف فى كل من العراق وسوريا ولبنان بشكل متتابع ليعكس تحولا مهما فى السياسة الإسرائيليّة: الانتقال من استراتيجيّة تقوم على الغموض أو عدم الإعلان عن مصدر الضربات، المعروفة المصدر دائما، فى العراق وسوريا بشكل خاص، إلى الإعلان المباشر عن ذلك وعرض أسبابه ودوافعه. إسرائيل دخلت مرحلة تصعيد حربها ضد إيران وحلفائها فى مسرح استراتيجى واحد من منظورها يضمّ سوريا والعراق ولبنان، وسوريا بالطبع فى «قلب» هذا المسرح. يعتبر المسئولون الإسرائيليّون أنّهم يقومون بحرب استباقيّة من جهة، من خلال قصف مواقع كانت إيران وحلفاؤها يتهيأون لاستعمالها لقصف أهداف إسرائيليّة منها، وحرب وقائيّة من جهة أخرى لمنع إيران وحلفائها من تعزيز مواقعهم فى مسرح المواجهة الممتدّ من بغداد إلى بيروت، حسب التعريف الإسرائيلى.
عناصر عدّة تستند إليها إسرائيل فى هذا التحول فى استراتيجيّة المواجهة مع إيران قوامها ما يلى:
ــ الصدام الأمريكى الإيرانى بعد خروج الولايات المتحدة من «الاتفاق النووى» مع إيران، «5 + 1» وتزايد الحملة الأمريكية شدّة وحدّة ضد إيران.
وزير الخارجيّة الأمريكيّة مايك بومبيو يصرح بحق إسرائيل فى «الدفاع عن ذاتها»، مبررا بالتالى هذه الضربات. مفهوم جديد يستقر فى هذه الحرب اسمه العدوان الدفاعى.
ــ مناخ عربى واسع ُمناهض لإيران يدين عدوان إسرائيل كلاميا دون أن يكون هنالك مواقف عربيّة دبلوماسيّة فاعلة ومؤثرة لمواجهة استراتيجيّة التصعيد الإسرائيليّة طالما أن الأولويّة الضاغطة فى المواجهة مع إيران.
ــ التأكيد على ما هو معروف أن إسرائيل تهدف إلى محاصرة وإضعاف إيران وحلفائها فى سوريا بغية إخراج إيران من «المسرح الاستراتيجى» السورى لاحقا عند اقتراب مرحلة الحلول فى سوريا وكجزء أساسى من الحل. إخراج إيران من سوريا من المنظور الإسرائيلى، وهو هدف صعب التحقيق إن لم يكن مستحيلا، يؤدّى إلى إضعافها بشكل كبير فى لبنان وكذلك لحد معيّن فى العراق بعد إغلاق البوابة السوريّة أمام طريق النفوذ الإيرانى الممتدّ من طهران إلى البحرالأبيض المتوسط، وبالتالى ضرب ما تعتبره إسرائيل هيمنة إيرانية يتم تعزيزها كل يوم فى قلب المشرق العربى.
ــ تحقّق هذه الاستراتيجيّة الاستباقيّة والوقائية الناشطة هدفا أساسيّا أيضا وهو إبعاد إيران عن حدود إسرائيل وإضعاف موقعها المباشر وبواسطة حلفائها فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى وهو الهدف الاستراتيجى الحيوى لإسرائيل.
ــ ولا يمكن بالطبع تجاهل هدف داخلى إسرائيلى فى سياسة الهجوم العسكرى الناشط والمعلن عنه، وهو أنّه يتم عشيّة الانتخابات النيابيّة الإسرائيليّة، ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يودّ أن يُعزز من جهة ويذكر من جهة أخرى، بصورته كمقاتل شرس فى الدفاع عن أمن إسرائيل، فى معركة انتخابيّة شديدة الصعوبة وغير مؤكدة النتائج بالنسبة لحزب «الليكود» الذى يتزعمه.
ــ دبلوماسيّة الطائرات المسيّرة العسكريّة التى ازداد دورها وتوسعت جغرافيّة هذا الدور فى الحرب الإسرائيليّة فى مسرح المواجهة السورى الممتدّ، كما أشرنا، من بغداد إلى بيروت، لا تهدف إلى الدخول فى حرب مفتوحة، نظرا للتكلفة السياسيّة والعسكريّة والمدنيّة لتلك الحرب، إذ هى تهدف إلى توجيه ضربات قاسية حاملة رسائل لجميع اللاعبين المعنيّين مباشرة وبشكل غير مباشر بهذا المسرح الاستراتيجى، حول خطوط حمر تحاول إسرائيل رسمها وفرض القبول بها. كل ذلك لا يعنى بالطبع، كما تعلّمنا دروس التاريخ، أن حربا كبيرة قد لا تقع، وذلك عن طريق خطأ فى الحسابات أو تصعيد غير مدروس.
لقد أسقطت إسرائيل بهجومها على الضاحية الجنوبيّة لبيروت قواعد اللعبة التى استقرت بعد حرب 2006، وبقى أن نرى قواعد جديدة للاشتباك تتبلور مع الوقت فى ظل التوتر الحاصل.
عدّة عناصر تدفع ضد التصعيد المفتوح الذى يؤدّى إلى الحرب، أولها توافق دولى واسع وناشط وضاغط لمنع التصعيد خوفا من المجهول فى منطقة لديها قابليّة سريعة للاشتعال فى ظل الحرائق القائمة فى أكثر من مكان. ثم هنالك المحاولات الناشطة دوليّا وإقليميّا والتى تقودها فرنسا وتحظى بدعم واسع لاحتواء ووقف التصعيد فى المواجهة الأمريكيّة الإيرانيّة والعودة إلى المحادثات ثم المفاوضات: أمر غير سهل ولو أن كلا منهما يقدّم شروطا هى بمثابة أوراق تفاوضيّة ُمسبقة.
من المرجح فى هذا السياق كما رأينا وقد نرى أيضا، أن يبقى الردّ العسكرى من «حزب الله» محدودا ومتناسبا مع الضربة الإسرائيليّة من منظور أصحابه، فى إطار إعادة صياغة قواعد جديدة للاشتباك ورسم حالة من توازن الردع الذى يوفّر الاستقرار ولو المتوتّر على الأرض ويمنع الانزلاق نحو حرب مفتوحة ومدمرة لا يريدها أحد، لأنّه لا يستطيع تحمل تداعياتها.

ناصيف حتى وزير خارجية لبنان الأسبق
التعليقات