المحافظة على الاستقلال أصعب من نيله - محمد الهادي الدايري - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 4:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المحافظة على الاستقلال أصعب من نيله

نشر فى : الأحد 10 يناير 2021 - 7:55 م | آخر تحديث : الأحد 10 يناير 2021 - 7:55 م

أحيا الليبيون فى آخر أيام العام الماضى الذكرى التاسعة والستين لإعلان استقلال ليبيا. تم هذا الإعلان فى 24 ديسمبر 1951 بعد مخاض طويل، بدأ بالدفاع عن الوطن من المستعمر الإيطالى، مرورا بمجابهة أطماع بريطانية / إيطالية تم الكشف عنها من خلال خطة بيفن / سفورزا، وزيرى خارجية بريطانيا وإيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية. كانت الدولتان الأوروبيتان تسعيان إلى بسط بريطانيا وصايتها على برقة، فى شرق البلاد، وحصول إيطاليا على الوصاية على طرابلس غربا، بينما تحتفظ فرنسا بفزان كوصية على هذا الإقليم الجنوبى من البلاد. إلا أن ممثل هايتى فى الأمم المتحدة فشل فى الإدلاء بصوته ومرجحا بذلك رفض الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 7 مايو 1947 للخطة. وبحنكة وتحرك سريعين متميزين، أعلن الأمير إدريس السنوسى استقلال برقة أول يونيو من نفس السنة لتفويت الفرصة على المخططات التآمرية التى كانت تهدد استقلال ليبيا آنذاك.
وبالرغم من محاولات إيطاليا لتأجيل استقلال مستعمرتها السابقة لمدة عشر سنوات، إلا أن الجمعية العامة للأمم المتحدة صوتت على استقلال ليبيا فى 21 نوفمبر 1949، ووضعت شروطا لذلك أهمها وضع دستور وتشكيل حكومة مؤقتة. ومن خلال لجنة الستين (عشرون عضوا من كل إقليم من الأقاليم الثلاثة)، استطاع الآباء المؤسسون وضع دستور للبلاد، قبل إعلان الاستقلال.
كان الملك إدريس، رحمه الله، يدرك منذ الأيام الأولى التى تلت تتويجه ملكا على ليبيا حدود استقلال بلاده، فقد اضطر حينها إلى قبول قواعد بريطانية وأمريكية مقابل مساعدات مالية تقدمها لدولة ناشئة كانت تفتقر إلى أبسط الموارد البشرية والطبيعية. ومن هنا أطلق مقولته الشهيرة «المحافظة على الاستقلال أصعب من نيله».
بعد ذلك، جاء نظام الفاتح من سبتمبر ليلبى طموح وإرادة الشعب الليبى فى إنهاء القواعد البريطانية والأمريكية، خاصة أن البترول مكن من رفع مستوى الدخل القومى، بشكل لم تعد هناك أية حاجة لمعونات خارجية. لكن النظام الجماهيرى اضطر هو الآخر إلى التسليم بمحدودية استقلاله، حيث رضخ العقيد الراحل معمر القذافى للضغوط الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التى حملته على تفكيك برنامجه النووى والكيماوى فى سنة 2003، بعد صرف خزينة الدولة على هذا البرنامج بلايين الدولارات لقرابة الثلاثين سنة.
وفى هذه الأيام، يتابع الليبيون بحرقة وحزن شديدين ما ذكرتهم به أخيرا ممثلة الأمم المتحدة بالإنابة من وجود عشر قواعد أجنبية وقرابة العشرين ألفا من المرتزقة الأجانب على أراضى بلادهم. بيد أن مرارة الليبيين كانت أكبر عندما سمعوا وزير خارجية تركيا فى سوتشى منذ أسبوعين يعلن بتحد وصلف بأن قوات بلاده لن ترحل عن ليبيا حتى لو جاءت ــ وأرادت ذلك ــ حكومة ليبية جديدة فى الفترة القادمة، فى نفس الوقت الذى يشن فيه أهل مدينة هون (الجفرة) عصيانا مدنيا على إثر قتل العديد من أبنائهم على يد مرتزقة سودانيين.
بصيص من الأمل بدا يلوح فى الأفق، بعد حراك شعبى وسياسى عبر بيانات من تجمعات قبلية وأخرى سياسية رافضة لوجود جميع القوات الأجنبية. وتمثل هذه البوادر تطورا هاما وضروريا، لكنه وللأسف غير كفيل وحده بإيقاف عجرفة المسئولين الأتراك وتدفق أسلحتهم ومرتزقتهم السوريين فى ليبيا، ولا بإنهاء وجود ونفوذ المرتزقة الروس وآخرين من جنسيات أخرى أتت بها شركة فاجنر. وبدعم من الجوار العربى لليبيا، يحتاج الأمر إلى وقفة جادة وحازمة من مجلس الأمن الذى أقر حماية الليبيين منذ عشر سنوات إزاء تواجد القوات الأجنبية وتعزيز اتفاق اللجنة المشتركة 5+5 المبرم فى 23 أكتوبر من السنة الماضية. ذلك أن الانتخابات التى تدعو الأمم المتحدة لإجرائها فى نهاية هذا العام لن تكون حرة ونزيهة بوجود القوات الأجنبية والميليشيات الليبية المتحالفة معها.
أية قوى إقليمية أو دولية تعمل على إبقاء القوات الأجنبية هى فى الواقع معادية لليبيين ومستقبلهم، لأنها تؤدى، فى سبيل تحقيق مصالحها، إلى تعميق التبعية إلى الأجنبى واستمرار الفوضى الأمنية والتشظى وتفكك النسيج الاجتماعى بين أبناء الوطن الواحد.
ثمة أمر آخر قد يكون هاما لهذه الدول، هو أنها قد تتحصل على مصالحها على المدى القصير، ولكن، وعلى أمد أطول، ذاكرة الشعوب طويلة وكفيلة بالتخلص من وقاحة المستعمرين الجدد وإنهاء أية علاقات معهم.

محمد الهادي الدايري وزير خارجية ليبيا الأسبق
التعليقات