«سفاح الجيزة».. خيال هادي الباجورى ينعش انتفاضة أحمد فهمي - خالد محمود - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 8:12 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«سفاح الجيزة».. خيال هادي الباجورى ينعش انتفاضة أحمد فهمي

نشر فى : الأحد 10 سبتمبر 2023 - 6:45 م | آخر تحديث : الأحد 10 سبتمبر 2023 - 6:45 م

من عمل إلى آخر.. يزداد إعجابى بإصرارالمخرج هادى الباجورى على كشفه لحكايات وقصص من وراء ستار وضع اجتماعى ونفسى، ورغم أن أبطال هذه الحكايات دائما ما تكون حياتهم قاسية الملامح ومؤثرة، ويشوب تحركاتها الغموض، إلا أن هادى ينجح دائما فى أن يغلفها بطابع إنسانى حتى يقترب المشاهد شيئا فشيئا من عالمها المدهش مثلما جاء فى «هيبتا، والضيف، وقمر ١٤، والبحث عن علا».
وإعجابى أيضا بكونه يجرب فى أسلوبه الإخراجى دوما، وقد نضج المخرج الذى أشعر عبر كل فيلم أشاهده له بلهثه من أجل إرضاء نفسه أولا أقصد كفنان ثم باقى البشر من الجمهور.
وعلى شاشة منصة شاهد يقدم الباجورى مسلسل «سفاح الجيزة» الذى يرصد سيرة شبه حقيقية خاصة ومروعة لرحلة «قذافى فراج» مجرم عرف بأنه قاتل متسلسل يحصد الضحية تلو الأخرى، من بين قائمته زوجته، وصديقه المقرب، وأحد الصائغين الذين كان يتعامل معهم، الذين اختفوا فى ظروف غامضة، ولم يتم العثور عليهم.
السفاح الذى حكم عليه بالإعدام 4 مرات، واجه طفولة غريبة بدت ملامحها تتكون منذ أن شاهد أمه وهى تزهق روح أبيه بلا رحمة وهو المشهد الرائع والمتكرر الذى نراه غالبا فى كل حلقة مع نظرة عميقة وموجعة وحائرة بين الماضى والحاضر، نراها فى عينى جابر «اسم السفاح بالمسلسل» والذى يجسده ببريق خاص أحمد فهمى، وقد تولدت لديه عزيمة قوية للتخلص ممن يؤرقونه حتى وإن كانت دوافعها لا ترتقى لبشاعة الفعل، وخلال رحلة الإجرام لم يستطع أحد أن يخترق أو يكتشف منظومته التى شيدها حول سلوكه وحياته فيما عدا زينة «ركين سعد» التى اختطفها ووقع فى غرامها من طرف واحد والتى تعرف تاريخه، بعدما أوهمت أمها بسفرها خارج البلاد من أجل فرصة تمثيل، وفى المسلسل نرى جابر يقود الأحداث، ويدخلنا فى طقوسه الخاصة التى تنطلق من طريقة إمساك السكين الحادة، وإجادته تقطيع وطهى اللحوم بطريقة شهية مع خلفية غنائية لموّال «العدل فوق الجميع» بصوت بدرية السيّد، قبل مشهد الضحية الجديدة، فى مقابل صورة حياة أخرى موازية لحازم رجل المباحث «باسم سمرة» الذى يسعى لفك لغز الجرائم وهو يصطدم دائما بعلاقته المضطربة مع ابنه.
هناك أشياء عدة مدهشة، وربما ستدخل العمل الدرامى وصناعه مكانة أخرى، أولها الأداء التمثيلى الرائع لبطل العمل أحمد فهمى الذى بذل جهدا نفسيا وربما بدنيا كبيرا ليصل لدرجة من تقمص حقيقى توحد معه المشاهد لشخصية سفاح الجيزة، وكان التنوع فى طبيعة نمو أحلام أو أوهام جابر نفسه طريقا ممهدا لأن يتألق فهمى من تعبير راسخ أمام الكاميرا، وهنا لابد أن أذكر براعة التصوير والإضاءة والديكور، وخاصة فى ظل أجواء مظلمة وقاتمة والمؤثرات الصوتية والبصرية، التى لعبت دورا كبيرا بإحياء عالم الجريمة المنشود، وكان لفهمى أكثر من مشهد وصل فيه لمرحلة تؤهل للرهان على الفوز بأفضل ممثلى العام، حيث كان صامد الأداء ومخلصًا للشخصية الدرامية، خاصة بتلك اللقطة التى جمعته مع عمته «ميمى جمال» وهو يقدم لها طبق البسبوسة ثم يكتم أنفاسها، أيضا نظرته لكل ضحية عقب نهايتها، وخاصة جريمته الأول بذبح نجلاء «جيهان الشماشرجى»، بعد أن أوهمها بحبه، ثم يستدرجها من الخلف ويقطع رقبتها.
وحواراته مع أمه التى يبدو فيها وكأن كل طرف كاشف للآخر فى العقل الباطن. كانت الحوارات بينهما بمثابة المطر الذى ينعش جابر من لحظة ضعف إلى قوة.. فكم تفوق فهمى على نفسه فى أكثر من مشهد استخدم فيه ذكاءه الشديد للتمويه والتخفى.
فى مسألة الأداء أيضًا نجد الرائع باسم سمرة الذى جسد شخصية الضابط حازم وقد شكل عالمه الخاص الهادئ وبأداء متزن سواء فى أسلوب البحث عن لغز الجرائم أو علاقته المتأزمة مع ابنه المراهق.
وكذلك الأداء المدهش لحنان يوسف أم جابر، التى تألقت فى رسم أبعاد شخصيتها التى تحمل نصف قاسية ونصف حنونة وربما ستفاجئنا فى الحلقات القادمة بدراما أكثر سخونة فى مواجهة ابنها، بينما ميز أداء ركين سعد الموهوبة تلك التعبيرات التى مزجت بين الاتزان والقلق فى أحضان السفاح وحياتها الوهمية وقلق أمها، فيما استطاع صلاح عبدالله أن يبشرنا بشخصية جديدة كصاحب مصنع وزوج لامرأة خائنة ويهوى العلاقات النسائية التى يدفع ثمنها.
الشىء الآخر، المعالجة الدرامية لتلك القصة والتى كتبها محمد صلاح العزب وجاءت وفق حبكة مميزة وسرد ملىء بعنصر التشويق والإثارة الدرامية دون ضجيج لإنجى أبو السعود، وعماد مطر، رغم أن الحبكة تعتمد على أحداث واقعية وبالقطع كل الشخصيات المشاركة فى العمل مركبة، وبها تعقيدات نفسية.
الموسيقى المؤثرة لمريم جابر عبرت بحق عن مشاعر كل شخصية ووقفت توطد من واقعية الصورة والحدث بأجواء دراما جريمة على خيوط هادئة، وفى كل لحظة تكتشف الدور الهام للمونتاج الذكى لأحمد فوزى فى تنقله بين الأزمنة، وخاصة حينما كان يذهب بنا جابر إلى سنوات صباه ثم يعود لعمر الشباب، المونتاج قدمه جويل كوكسى ووسط النجوم أحمد فهمى وباسم سمرة وركين سعد.
أحمد فهمى وهادى الباجورى لديهما الإصرار على البقاء فى التاريخ الفنى بمكانة مميزة عن أبناء جيلهما، فهمى يحاول أن يغير من جلده ويتنوع ويتألق وهو قادر على ذلك وكأنه يريد أن يقدم جميع الشخصيات الدرامية الموجودة على سطح الأرض وتتميز بالاختلاف ومواصفات خاصة متجاوزا كونه فنانا كوميديا فقط، ولن ننسى دوره الأخير فى فيلم «مستر إكس» ومن ثم «السفاح» فمازال حلم أحمد ينتفض ومازال خيال هادى ينبض بإيقاعات ولوحات درامية حية ومخلصة لفن كبير.

خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات