تفسير اللغة لحضارة «إرضاع الكبير» و«نكاح الوداع» - أكرم السيسى - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 10:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تفسير اللغة لحضارة «إرضاع الكبير» و«نكاح الوداع»

نشر فى : الثلاثاء 10 أكتوبر 2017 - 9:00 م | آخر تحديث : الثلاثاء 10 أكتوبر 2017 - 9:00 م
لاشك أن بين اللغة والحضارة علاقة وثيقة، فاللغة تنقل ما هو موجود فى حضارتها، وما لا يوجد فى الحضارة يغيب عن اللغة، وعلى سبيل المثال، «الجمل» هو حيوان موجود بكثرة فى المنطقة العربية وله دور كبير فى ثقافة أهل اللغة فى السلم وفى الحرب، لذا نجد له مسميات كثيرة تفوق التسعين مسمى تفيد النوع والحجم واللون والشكل.. إلخ مثل: الإبل، والناقة، والمطية، والفحل، والبعير، والبكرة، والجلفة، والخلوج، والبدنة، والهجن، والأشعل، والحمرة.. إلخ! فهذا دليل على أهمية هذا الكائن وأثره فى الحضارة العربية، أما فى الحضارة الغربية فلا وجود لهذا الكائن، ولذا لا نجد مقابلا لكل هذه المسميات فى كل اللغات الأوروبية إلا بكلمات قليلة! 

هذا فيما يتعلق بالكائنات الحية، أما فيما يتعلق بالمشاعر والمكونات النفسية فهى بالمثل، نجد فى كل حضارة تعبيرات ومسميات تعكس الحالة الفكرية وتكشف عن الحالة النفسية للأمم، تظهر فى الوقت الحالى، أكثر من أى وقت مضى، صفات «الشماتة»، و«التشفى»، وهما صفتان مقترنتان بالضعف، فالشماتة لغة تعنى «الفرح والاغتباط ببلية الآخرين أو بالأعداء»، ونسمعها الآن عند موت بعض الشخصيات الكبيرة، فلا نرى حرجا من بعض الناس يهللون لمقتل شخصيات لها أثرها سواء السلبى أو الإيجابى فى المجتمع، مع العلم بأن الموت لا شماتة فيه لأن الإنسان هو كائن «ميت» مثل كل المخلوقات، ونجد الشماتة فى مصائب تُبتلى بها بعض الشعوب أو الدول مثل الزلازل والأعاصير، علما بأن هذه ظواهر طبيعية تحدث نتيجة تغيرات جيولوجية فى الأرض لا علاقة لها بنوعية الإنسان أو بجنسه أو بمعتقداته أو بإيمانه أو بكفره بالله.

هذا الفرح فى مصائب الآخرين يكشف عن حالة نفسية مرضية لمن تصيبه، ويبدو أنها متفشية فى مجتمعاتنا العربية على كل المستويات والفئات والطبقات، خاصة فى زمننا الحديث! والجدير بالذكر أن الحضارة الغربية لا تعرف مفهوم «الشماتة»، بدليل أنه لا يوجد له مقابل فى اللغات الأوروبية مثل الفرنسية والإسبانية والبرتغالية والألمانية والإنجليزية، وبالكشف فى معاجم هذه اللغات لا يوجد مقابل دقيق لها، ولكن يعبر عنها بـ«الحزن»! فى الفرنسية «chagrin»، وفى الإنجليزية «grief»، وكلاهما يعنى «الحزن» دون الفرح فيه!، فهذه الظاهرة بالتأكيد نتيجة حالة القهر والظلم والاستبداد التى تسود شعوب الشرق. 

***

أصبحنا، فى الحاضر، نسمع مصطلحات جديدة وغريبة علينا مثل «نكاح الجهاد»، و«نكاح الوداع»، و«معاشرة البهائم»، و«إرضاع الكبير»... إلخ، هذه المصطلحات لها أيضا مدلولات تعبر عن حالنا فى الوقت الحاضر، نلاحظ أن المدلول المشترك فيها هو «الممارسة الجنسية« (الشاذة) التى أخذت أبعادا مرضية غير إنسانية، بعيدا عن المثلية البغيضة، ونحن نرى ــ كما يفسرها علماء النفس وعلماء اللغة الاجتماعية ــ أن تشخيص هذه الحالة هو ما يسمى «الوسواس القهرى»، «obsession»، أى أن حياة الشخص كلها تدور حول غرض واحد، فالبخيل ــ على سبيل المثال ــ يكون المال هو الهاجس المسيطر عليه moneyــobsess، وكذلك الشخص الذى يسيطر عليه «الجنس» يقال عنه بالإنجليزية «sexــobsessed».

فى الحقيقة، تكشف هذه الظاهرة المرضية عن عيوب مجتمعية أصبحت واضحة أهمها إحساس الرجل المسلم العربى بالقهر والظلم من نظم استبدادية تتحكم فيه، ومن أوضاع سياسية عالمية تلعب ضد مصالحه، كقضية فلسطين قديما، وحديثا احتلال العراق والحرب فى سوريا، والسعى إلى تقسيم أوطانهم، وكذلك التدخل السافر من الغرب فى الشئون الداخلية للدول العربية، وتطبيق المعايير المزدوجة ضده، فيحول الإنسان العربى مشاعر القهر لديه ضد الطرف الأضعف بالنسبة له وهو «المرأة»، ولهذا فهو يحاول أن يعوض مشاعر النقص التى تولدت لديه جرّاء التنكيل به بإظهار رجولته أو «ذكورته»، فيمارس القهر الذى وقع عليه ضد المرأة! ويبرر ذلك بعض المفتين بأن للمرأة لها «ربع عقل»، تبرير لمنع المرأة من قيادة السيارة!، وآخر يُشرع للرجل بأن يأكل لحم زوجته فى حالة جوعه وعدم وجود غذاء له! 

نرى أن كل شيء يُهيأ ويُعد لمصلحة «الرجل» فى بلدان العالم العربى، فهو عندما يقاوم ظلم الاحتلال الغربى لأوطانه يبحث عن دفع الاستعباد الذى يقع عليه باستعباد المرأة، فيبتكر «جهاد النكاح» ليُفضى فيه كل ما وقع عليه من ظلم وقهر من العالم الغربي! وفى حالة السلم داخل وطنه تسوء حالته المرضية فيعمل على قهر المرأة «زوجته» حتى بعد وفاتها، فيفكر فى «نكاح الوداع»! ومما يدل على طغيان الذكورة «المرضية» فى هذه الحالة، أن رجل الدين الذى أفتى بجواز هذا الفعل المُشين من الناحية الإنسانية والذى لا يُقدم على فعله أى حيوان مهما بلغت دناءته، لم يفكر فى «نكاح الوداع» للزوجة من زوجها المُتوفى، وهكذا يُظهر غباء بعض رجال الدين جهلهم بطبيعة «الموت» للكائنات الحية، فالجثة تتحول إلى قطعة خشبية لا تستجيب لأى شيء ولا تتفاعل معه، هذا هو نتيجة عدائهم للعِلم وتكفيرهم لمن يُطالب بتحكيمه فى حياتنا اليومية! 

ومن الغريب، أن هذه الحالة المرضية التى تجد شفاء غليلها فى متعة قهر المرأة بالممارسة الجنسية بأى شكل من الأشكال قد أصابت النساء أنفسهن، فنسمع أستاذة جامعية مشهورة تخرج علينا فى وسائل الإعلام لتحلل ممارسة «الجنس مع البهائم»! وهى بالطبع تقصد ممارسة «الرجل» حتى يقضى شهواته! وهى لا تعلم أن ممارسة الجنس مع الحيوانات هى ظاهرة معروفة فى التاريخ البشرى وتُعرف بالاسم العلمى،«zoophile» ولكنها لا تظهر إلا فى مجتمعات الجهل والخلل النفسى للبشر، كما هو الحال بالنسبة للشذوذ الجنسى وما يطلق عليه تخفيفا وتورية «المثلية»، وفى هذا تسعى مجتمعات الحرية «المُنفلتة» أن تشرعها وتنشرها فى العالم أجمع، فتُسيء للحرية من حيث لا تعلم وتنحرف بمفهومها السامى لتصبح «الفوضى الخلاقة»!

***

هكذا نلاحظ أن التطرف فى الدين الذى يسود المجتمعات الشرقية له نفس نتائج التطرف فى العداء للدين باسم الحرية «المنفلتة»، والذى تقوده المجتمعات الغربية، كلاهما انحراف عن العقل وعن الطبيعة البشرية السوية التى خلقنا الله عليها وأمرنا بالالتزام بها، كما أن غياب «الحريات» ــ دون تطرف ــ وفقدان «العدل» داخل الأوطان، أو بين بلدان العالم أجمع، كلها تؤدى إلى نتيجة واحدة هو انتشار «الإرهاب» فى العالم أجمع، وهو ما يحدث فى عصرنا الحاضر، فغياب العدل والعقل والمنطق وهدم الديانات السماوية باسم الحرية المنفلتة كلها يؤدى إلى هدم الحضارة الإنسانية السوية التى توارثها الإنسان على مر الزمان من تاريخ البشرية منذ أن خلقها الله، فليس كل ما هو من الماضى خطأ ولا كل ما هو من الحديث صحيح. 
أستاذ الأدب واللغويات بقسم اللغة الفرنسية بجامعة الملك سعود بالرياض.

 

أكرم السيسى أستاذ متفرغ بكلية اللغات والترجمة (قسم اللغة الفرنسية)– جامعة الأزهر
التعليقات