دون الدخول فى جدل استخدام مصطلح «شهداء» لوصف ضحايا، وهم كثر فى بر المحروسة لأسباب كثيرة منها مواجهة الإرهاب، أو حوادث الطرق، والتظاهر، وأضيف لهم أخيرا التعليم فى المدارس نتيجة جدار يتداعى أو بوابة تسقط أو عصا تهوى على رأس طفل صغير. منعت وزارة التعليم فى عهد الدكتور حسين كامل بهاء الدين منذ ما يقرب من عقدين «الضرب» فى المدارس، لكن لا يزال هناك مدرسون يلجأون إليه. بالتأكيد المدرس المدان بقتل تلميذ الابتدائى ــ نحيل الجسد ــ فى السيدة زينب لم يمارس الضرب للمرة الأولى، بل يمارسه باستمرار، شهد بذلك التلاميذ أنفسهم، فلماذا انتظرنا حتى استمرأ ممارسة الضرب حتى سقط طفل ضحية؟ لماذا لم يوقف هذا المدرس منذ شهر أو شهرين أو أكثر؟.
فى رأيى ينبغى محاسبة القائمين على إدارة المدرسة، وعدم الاكتفاء بمعاقبة المدرس المحال إلى الجنايات، لأنهم كان بوسعهم أن يتخذوا إجراءات مبكرة لوقف ممارسة الضرب فى المدرسة، وإبلاغ الإدارة التعليمية بممارسات المدرس المذكور، دون انتظار سقوط ضحية حتى يوقف المدرس عن العمل، ثم يُحال إلى النيابة التى أمرت بحبسه، ثم قدمته للمحاكمة بعد أن قامت بتعديل «القيد والوصف» من جنحة إلى جناية بعد وفاة التلميذ الضحية.
نحن مجتمع «يخشى الفضيحة ولا يخشى الرذيلة»، ليس مشكلة أن يضرب المدرس التلاميذ، ولكن المشكلة فى الفضيحة التى تحدث حين يقع أحد ضحاياه ميتا، ولا يمكن «لملمة» القضية بعد أن تحولت إلى جناية لا يشفع معها ترضية حتى لو كان والد الطفل رقيق الحال مثل حالة ضحية السيدة زينب. ألم تكن ممارسة رذيلة الضرب تكفى لإيقاف هذا المدرس عن العمل، ولا ننتظر أن تسقط على يديه ضحية بريئة. قد يكون الطفل مخطئا لأنه لم يذاكر دروسه أو يقوم بأداء الواجب المدرسى أو حتى كثير الحركة والضوضاء، لكن كل ذلك ليس مبررا لتعرضه إلى الضرب المبرح، أو فقدان الحياة.
فى كل أنظمة التعليم الحديثة هناك ثواب وعقاب، لكنه ليس عقابا بدنيا بقدر ما يعتمد على أساليب تربوية فى التقويم والتهذيب. وقد رصدت شبكة الدفاع عن الأطفال بنقابة المحامين عشرين ألف حالة تعدٍ بالضرب على أطفال داخل المدارس فى الفصل الدراسى الأول لعام 2012 فقط. ومن يتجول فى الانترنت سيجد العشرات فى الفيديوهات المصورة لحالات ضرب التلاميذ فى المدارس، خلال هذا العام، والعام الفائت، وغيرهما.
المسألة ليست فقط احترام لكرامة الطفل، لكنها فى الأساس قانون يحرم الاعتداء على الطفل، ويقضى بحبس من يعتدى على الطفل، ويحدث به إصابة ثلاث سنوات، فى حين تكون عقوبة المعتدى الذى لم يحدث إصابة هى السجن ستة أشهر، باعتبار أنه ارتكب جريمة تعريض الطفل للخطر فيما تكون عقوبة التعذيب المتعمد للأطفال خمس سنوات سجن.
هناك وزير جديد للتربية والتعليم، عليه أن يشكل فرق تفتيش بالمدارس خارج السياق البيروقراطى، ويخصص خطا ساخنا بالوزارة لتلقى شكاوى التلاميذ وأولياء الأمور من العنف الذى يمارس فى المدارس، ويتخذ إجراءات جادة لإيقافه، لأنه لا يصح أن يسقط ضحايا من التلاميذ بسبب عنفوان مدرسين، ينفثون عقدا، وكراهية، وغباء فى التعامل مع أطفال فى عمر الزهور.