الشنق وبتر الأطراف لن يجعلا مصر أكثر أمانًا - كريم مدحت عنارة - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 1:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشنق وبتر الأطراف لن يجعلا مصر أكثر أمانًا

نشر فى : الخميس 12 أبريل 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 12 أبريل 2012 - 8:00 ص

ما أن تراجع الجدل حول مشروع قانون حد الحرابة الذى طرح فى البرلمان مؤخرا حتى خرج علينا وزير التموين والتجارة الداخلية جودة عبدالخالق بمشروع قانون لتغليظ عقوبات الجرائم التموينية لتصل إلى الإعدام شنقا لمن يتورط فى «الإضرار العمدى بالاقتصاد». ولا يختلف مشروع الوزير فى فلسفته كثيرا عن مشروع قانون حد الحرابة المقدم من نائب سلفى. فالمشروع الأخير بدوره يطرح مجموعة من العقوبات البدنية المغلظة على جرائم السرقة بالإكراه وقطع الطرق بغية السرقة والقتل، وما يشار إليه بـ«البلطجة» بصفة عامة. وإذا تجاوزنا الجدل الدائر حول ربانية التشريع وآدمية التنفيذ، فإن دفاع حزب النور عن القانون الذى تقدم به نائبه ارتكز فى الأساس على مبرر يتطابق مع ما طرحه مشروع وزير التموين، وهو الإيمان بأن تغليظ العقوبات سيؤدى حتما إلى انخفاض معدلات الجريمة. أما فيما يتعلق بآليات التنفيذ فلا يختلف المتحمسون للعقوبات المغلظة مع توجسات البعض من سهولة إساءة استخدامها ولكنهم يدفعون بأن التشريع فى مضمونه جيد أما صعوبات التطبيق بحيادية وضمانات عدم إساءة الاستخدام من الأجهزة الأمنية فهى محلها نقاش آخر، وهو تقدير خاطئ فالمشرع لا يعمل فى الفضاء، والتشريعات التى يصدرها البرلمان ليست نظريات فقهية تدرس فى كليات القانون وإنما أدوات قانونية تتفاعل مع وتستجيب لحاجات المجتمع، مما يحتم على المشرع أن يدرس جميع الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أثناء إعدادها. وعلى المشرع كذلك أن يقيم الآليات التنفيذية المتوافرة ومدى قدرتها على تطبيق القوانين بجدية، والأنسب هو أن الوضع الحالى لا يسمح بإعادة النظر فى قوانين العقوبات دون أن يتوازى معها تمرير تشريعات لخلق آليات قوية ومستقلة لمحاسبة ومراقبة عمل الأجهزة الأمنية وإصلاح المؤسسات القضائية.

 

●●●

 

عادة ما يربط المؤيدون لتشديد العقوبات فى سياسة التجريم والعقاب ما بين غلظة العقوبة وقدرتها على الردع، إلا أن الحقائق لا تقف فى صف هذه الحجة. وهناك سببان رئيسيان للوقوف ضد العقوبات المشددة والمغلظة. أولهما أن تعدد وتعقيد أوجه الجريمة بالإضافة إلى التغييرات الجذرية فى علاقة الدولة بالمجتمع والمجتمع ببعضه فى عصر ما بعد الثورة الصناعية زاد من صعوبة عمل القضاة وأجهزة التحقيق، وازدادت تحديدا صعوبة إثبات الإدانة بما لا يدع مجالا للشك. كما ازداد حجم القضايا التى تتعامل معها منظومة العدالة الجنائية الحديثة فكثرت الأخطاء والإدانات للأبرياء. ثانيا فإن تشديد العقوبات لا يؤدى إلى الردع فى أغلب الأمر، ولم تثبت الأبحاث الجنائية وجود علاقة بين التشديد فى العقوبة على جريمة ما وانخفاض معدلات حدوث تلك الجريمة، على عكس الأبحاث التى أثبتت وجود علاقة طردية بين «حتمية» العقوبة وانخفاض معدلات الجريمة ــ وهو ما يعنى أن المجتمع إذا استشعر جدية منظومة العدالة الجنائية فى إنفاذ القوانين وقدرتها على إدانة المجرمين تزداد فيه فرص تخفيض معدلات الجريمة.

 

ونستطيع أن نلقى نظرة على دولة متوسعة فى استخدام عقوبات الإعدام والحدود البدنية مثل قطع اليد وهى إيران. فقد توسعت إيران فى العقد الأخير تحديدا فى استخدام العقوبات المغلظة فأصبحت ثانى أكثر دولة فى العالم تنفذ الإعدامات بعد الصين، واتبعت إيران سياسة عقابية متشددة للحد من الإتجار فى المخدرات وتعاطيها تحديدا ومع هذا لم تفلح فى تقليل نسبة الجرائم المتعلقة بالمخدرات بل إنها ارتفعت طبقا لمكتب الأمم المتحدة للجريمة والمخدرات والذى أقر فى 2007 بأن إيران من أكثر دول العالم التى تعانى من تسارع شديد فى الارتفاع فى إدمان الأفيون. وهذا مثال واحد على عدم وجود علاقة وثيقة بين الردع وتشديد العقوبة.

 

●●●

 

كما من السذاجة أن نتعامل مع الجريمة على أنها خروج غير مبرر على القانون وأن نفصلها عن الواقع الاجتماعى والاقتصادى. ولعل هذا هو أحد أضرار خطاب «الانفلات الأخلاقى» الذى تسيد الإعلام المصرى عند تناوله للجريمة فى العام الماضى. ومن قصر النظر أيضا ألا نرى أن معدلات الجريمة قد تزيد فى السنوات القادمة فى مصر فى فترة ستتسم بالتقلبات السياسية وتناقص فرص تضييق الفجوة الاقتصادية والاجتماعية. ولا يعنى هذا أن علينا ألا نحاول ردع الجريمة ولكن من الضرورى أيضا أن يحرص صانع القرار على ألا تؤدى سياساته إلى تدهور الأوضاع وزيادة الاحتقان وخلق دائرة مفرغة من العنف والعنف المضاد، وهو ما لا يبدو أنه يشغل كثيرا وزير التموين أو نائب الحزب السلفى. ومن المهم أن نتذكر أن مصر أيضا قد مرت بتطورات اجتماعية مماثلة فى أعقاب ثورة 1919، وفى أوائل الثلاثينيات فى فترة أزمة الكساد العالمية. ومن المفارقات أن نفس نوعية الجرائم ومعدلاتها المرتفعة التى يعتبرها الكثيرون غريبة على مصر بدأت فى الانتشار فى هذه الفترة، مثل السطو المسلح والقتل والسرقة بالإكراه وسرقات المواشى والمحاصيل والأشخاص وردها مقابل دفع فدية.

 

أما المشكلة الأكبر فهى مشكلة الفساد المؤسسى فى منظومة العدالة الجنائية فى مصر، بداية من الشرطة مرورا بالنيابة وانتهاء بالقضاء. وهى مشكلة لن تنتهى بانتخاب رئيس واكتمال تسليم السلطة لجهة مدنية. وكم من برىء اعتقل وحوكم فى مصر فى العام الماضى بتهمة البلطجة أو حيازة الأسلحة وبعضهم صدر فى حقهم براءات منذ وقت قريب. وبخلاف إمكانية إساءة استخدام القانون سياسيا ضد المعارضين والنشطاء، فالأجهزة الأمنية فى مصر وخاصة أجهزة البحث الجنائى بالشرطة تتعامل مع الجريمة بفلسفة قائمة على التمييز الطبقى والاجتماعى، فتزيد فرص الاشتباه والإدانة للفئات الأكثر فقرا.

 

●●●

 

أغلب الظن أن العقوبات المغلظة لن تنفذ إلا على الطبقات الفقيرة والمهمشة مما سيؤدى إلى تداعيات اجتماعية مستقبلية لن يستطيع ورثة المجلس التشريعى الحالى أن يجدوا حلا لها. هل يؤمن وزير التموين أو النائب السلفى حقا بإمكانية تطبيق حد الحرابة أو عقوبة الإعدام بتهمة الإضرار العمدى بالاقتصاد على أصحاب النفوذ أو رجال الدولة؟ هل نستطيع تخيل أن أحد رجال النظام السابق إذا أدين فى جرائم قتل وسرقة ستقطع أيديه وأرجله من خلاف؟

كريم مدحت عنارة باحث بقسم العدالة الجنائية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية
التعليقات