انطباعات (تيتانيك) الأولى.. تدوم - خالد محمود - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 7:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انطباعات (تيتانيك) الأولى.. تدوم

نشر فى : الجمعة 13 أبريل 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 13 أبريل 2012 - 9:15 ص

فى دنيا المشاعر.. الانطباعات الأولى تدوم، ولأن السينما هى عالم خاص من القصص المليئة بالأحاسيس والمشاعر، فمشاهدها وحكاياتها تبقى فى مخيلتك، تؤثر فى وجدانك، بل وتستدعى تلك المشاهد ــ أحيانا ــ حينما يمر أمام عينيك فى شريط الحياة والواقع موقف مشابه، أو جملة تتلقنها من مخزونك المرئى لتعبر بها عن حالك.

 

هنا أقصد بالتحديد القصص الرومانسية على الشاشة المقرونة فى نفس الوقت بالكوارث أو الأحداث العظمى، وكما هى الحياة أصبحت الآن خليطا من هذه الأحداث المؤلمة والمشاعر الفياضة.

 

وأعترف فور مشاهدتى النسخة الجديدة من فيلم «تيتانيك» أو لغز السفينة تيتانيك ــ الذى قدمه المخرج العبقري جيمس كاميرون بطريقة تكنولوجيا الـ«3D» ــ أننى لم أتفاعل معه بنفس قدر مشاهدتى الأولى لنسخته السابقة رغم كثافة عناصر الإبهار الجديدة التى غلفت صناعة الفيلم، فتلك العناصر والمؤثرات التى اقتحمت العرض بطريقة الـ3D، لم تشأ أن تزيد من جرعة انفعالاتى واندماجى وأن تستحوذ على مشاعرى مثلما حدث معى فى العمل الذى قدم عام 1997 ويعيد النسخة الأم والأفضل من الفيلم الأمريكى الشهير.

 

 

فالقصص الرومانسية حتى وإن كانت مغلفة بحادث بشع ومدمر، لا يمكن أن يزيد من عمقها الإنسانى مؤثرات تكنولوجية حديثة، وإن كانت ربما تصلح فى قصص أخرى مليئة بالمفاجآت. هنا أنا أختلف مع السيد كاميرون مخرج العمل الذى حقق نجاحا مبهرا فى تلك المحطة وغيرها، فالواقعية الشفافة التى غلفت قصة ومأساة غرق السفينة تيتانيك كانت من نجاح الجزء الأول، كانت العلاقة بين بطليها عبر قصة الحب الجميلة والرائعة التى نشأت على متن السفينة وانتهت بدراما مؤسفة، لا تحتاج إلى تذويقه ثلاثى الأبعاد فقد تعاطفنا وغامرنا بعواطفنا وبكينا مع الشابين المفعمين بالحيوية جاك داسون «دى كابريو» وروزدويت «كيت وينسلت» وهما يكافحان من أجل البقاء معا.. لهذا حقق الفيلم نجاحا تاريخيا وتخطت إيراداته العالمية 1.8 مليار دولار، وظل على قمة الإيرادات منذ عرضه فى عام 1997، وحتى عام 2010 عندما استطاع أخيرا فيلم «أفاتار» أن يحتل القمة بعد 13 سنة عاشها الفيلم منفردا بقمة الإيرادات، ليصير الفيلم نفسه لغزا لا يعرف أى شخص سر هذا النجاح والذى جعله يحصد 11 جائزة أوسكار رغم أنه فيلم درامى مأساوى ويقوم ببطولته وجوه جديدة فى ذلك الوقت.

 

واقع الأمر أن النسخة الجديدة من تيتانيك عادت إلى الشاشة بمناسبة مرور مائة عام على انطلاق السفينة يوم 10 أبريل حيث وقعت المأساة عام 1912 وهى الكارثة الغامضة التى لم يفك الزمن أسرارها إلى الأبد ليقوم المخرج بتحويل الفيلم فى تجربة ثلاثية الأبعاد من أجل إثارة الجمهور، وهنا تبدو الحسنة الكبرى هى تذكر مأساة تلك السفينة.. الأكثر من التعلق بالفيلم فقط تفاعل المشاهد مرة أخرى بمشاهد الغرق القوية، وبالعلاقة بين روز وجاك، وتذكر خلال 3 ساعات تقريبا قصة غرق السفينة ومعها 1500 شخص من ركابها الذين كان عددهم 2200 لتتحول إلى أغرب حادث إنسانى فى التاريخ.

 

كان دافعى للذهاب لمشاهدة الفيلم ثلاثة أشياء هى أغنية سيلين ديون الرائعة واستحضارها فى مشهد النهاية (سيواصل قلبى المشوار) والتى قالت فى بعض كلماتها: كل ليلة فى أحلامى أنا أراك، وأشعر بك، هكذا أعلم أنك يا قلبى ستواصل المشوار لكن بعيد عبر المسافات، لقد جئت كى تكشف لى أنك ما زلت مستمرا فى الحياة.. الحب يلامسنا مرة واحدة، ويدوم طوال الحياة، ولا يتركنا أبدا حتى نموت. لكننى لم أجد الأغنية مثلما لم أجد المشهد الرائع لرسم جاك لحبيبته روز وهى عارية ويبدو أن الرقابة حذفته دون أن تدرى أنه يمثل بعدا دراميا رائعا فى تلك العلاقة.

 

الشىء الثانى هو أداء دى كابريو وكيت وينسلت الذى كشف عن موهبة مبكرة لهذا الثنائى، ورأينا كم حققا نجاحا كبيرا فى مشوارهما فيما بعد، وشاهدنا كيت تتآلف فى «مخلوقات متوحشة، وهاملت، ودخان مقدس، والطريق الثورى، والقارئ»، ووجدنا دى كابريو فى أدوار عظيمة مثل «جيلبرت جراى»، «روميو وجوليت»، و«ذو القناع الحديدى»، و«عصابات نيويورك»، و«أمسكنى إذا استطعت»، و«ج. إدجار» و«البداية».

 

وثالث ذلك الديكور الهائل للسفينة تيتانيك وبراعة جيمس كاميرون فى استخدامه.. كنت أريد أن أشاهد البدايات الرائعة لأتذكر كم كان هؤلاء جميعا بارعين فيما بعد، تأكدت مرة أخرى أن نجاحهم لم يأت من فراغ، وأنها لم تكن مصادفة أن تحيل دى كابيرو وكيت مكانة رائعة فيما بعد، وأن يتربع كاميرون على عرش السينما المثيرة وليكن لنا فى تيتانيك الأول وأفاتار وأفلام أخرى مثالا.

 

لقد تفوق الأداء على التكنولوجيا.. أعاد الحادث آلامه لتسبح فى الوجدان دون تأثر أكثر بالتلاعب بالصورة ومؤثرات الصوت وإذا كان صناع الفيلم يرون أنهم يعطون فرصة لجيل القرن الواحد والعشرين لمشاهدة الفيلم فى السينما مع تقديمه بخاصية ثلاثى الأبعاد، فإنهم محقون، فالجيل الجديد يتفاعل أكثر مع التكنولوجيا والمؤثرات الحديثة، وخاصة الذين لم يكونوا قد ولدوا قبل 15 عاما، فإننى أحتفظ ببكارة اندهاشى فى النسخة العادية وغير العادية الأولى التى تأثرت وكثيرون معى.. بل وأتذكر جيلى تبادل كل تلك المشاعر فى مشهد الغرق الأخير والحب والضياع والإحساس ببعض الأشياء، وكم كانت ضخامة السفينة ومشاهد تصادمها مع الجبل الجليدى ومكافحة الركاب مليئة بالحيوية وقوية ومشوقة.

 

كثير من الأفلام أعيد تقديمها لكنها لم تكن بروعة الصورة والانطباع الأول، وإن كنت اعتبر أن منتجى هذا الفيلم قدموه مرة أخرى فهو لم يكن سوى تحية كبيرة لطموح مخرجه الرائع جيمس كاميرون وتخليدا للذكرى المئوية لواحدة من أكبر مآسى تاريخ البشرية.

 

تعددت الأفلام.. والكارثة واحدة

 

 نجحت السينما فى إحياء قصص حقيقية ووهمية عاشها ركاب السفينة فى لحظاتهم الأخيرة عبر مائة عام، ووجد الغرق المأساوى للسفينة هى خاصا لدى صناع الأفلام خاصة الأمريكية ــ كما ذكر الباحث والناقد السينمائى محمود قاسم فى دراسته الجديدة «100 عام تيتانيك.. الفيلم والحدث» حيث إن استعراض المأساة بشخوصها وقوتها من خلال إنتاج أفلام ضخمة الإنتاج تجعل الناس يشعرون بمدى الخسارة الفادحة التى مُنيت بها البشرية، لذا ظهر «تيتانيك» سينمائيا بصور عديدة منها أفلام تدور فوق سطح السفينة قبل أن تغوص، ومنها أفلام عن محاولات العلماء انتشالها وسط ظروف صعبة. ومن هذه الأفلام «تيتانيك» إخراج الألمانى هربرت سلبين عام 1943، وفيلم آخر أخرجه جان ينجو لسكو عام 1953 بطولة بربارا استانويك وروبرت واجنر، وفيلم «ليلة للذكرى».

 

وفى عام 1995 عادت السينما إلى مزج التسجيلى بالمتخيل فى فيلم يحمل اسم السفينة أخرجته ميليسا بلتيه مدته 200 دقيقة وهو يقوم على تسجيل أقوال الشهود الباقين على قيد الحياة وعلى الصور الباقية، كما جمع فيلم «انتشار تيتانيك» إخراج جيرى جامسون عام 1980 الكثير من العاملين فى السينما وهناك أيضا الفيلم الفرنسى «وصيفة السفينة تيتانيك» إخراج أندريه كونراك.

 

وبعد نجاح الفيلم الذى قدمه جيمس كاميرون، سارعت شركات عديدة لعمل أفلام عن المصير المأساوى للسفينة، كما ذكر محمود قاسم، ففى عام 2000 قام المخرج الإيطالى كاميليو تبتى بإخراج فيلم تحريك عنوانه «تيتانيك.. الأسطورة تذهب»، وفى عام 2010 قدم شون فان وايك فيلما عنوانه «تيتانيك ح».

 

كما سعى قاسم فى دراسته أيضا إلى عمل تفسير لغرق تلك السفينة من ناحية ولنجاح فيلم تيتانيك ونجومه من ناحية أخرى، وكيف أن هذا النوع من الأفلام يجدد نفسه دوما.

خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات