إعلام الاستبداد العربى - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 1:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إعلام الاستبداد العربى

نشر فى : الخميس 12 مايو 2011 - 8:39 ص | آخر تحديث : الخميس 12 مايو 2011 - 8:39 ص

 أكثر من حكومة عربية، إن فى الخليج أو فى المشرق العربى، تتوجس من نجاح ثورة 25 يناير فى بناء الدولة والمجتمع الديمقراطى فى مصر. والسبب بإيجاز هو الطبيعة الاستبدادية لهذه الحكومات وتخوفها من ديمقراطية تستقر دعائمها فى وطننا وتصبح نموذجا جاذبا للمواطنين فى بلدان عربية أخرى.

بعض هذه الحكومات، كما هو الحال فى سوريا، يواجه اليوم ثورة مواطنيه الديمقراطية بعنف وقمع مرعبين. البعض الآخر، فى الخليح، يخشى امتداد موجة الديمقراطية إلى أراضيه ويعمل جاهدا على احتوائها. الحكومات العربية هذه دأبت على توظيف أجهزة الإعلام التابعة لها، بالإعلام الرسمى أو من خلال رأس المال الموظف بقنوات فضائية، لصناعة صورة مخيفة لمصر بعد الثورة عمادها الفوضى والعنف.

بمبالغة واضحة تحول الغياب الجزئى للأمن عن الشارع المصرى إلى فوضى كاملة وانفلات غير مسبوق رتبهما، فى قراءة إعلام الاستبداد العربى، إسقاط نظام مبارك الذى حمى الاستقرار.

إجراءات مساءلة ومحاسبة الرئيس السابق (أول رئيس عربى سابق يحقق معه قانونيا) والمؤثرين فى نظامه، وعلى الرغم من اعتيادية الإجراءات وعدم اللجوء إلى القضاء الاستثنائى، اعتبرها إعلام الاستبداد العربى همجية وممارسة للثأر والانتقام ونكرانا لجميل الرئيس السابق وقبل كل هذا «خروجا على آداب العرب القاضية باحترام الكبير وتبجيل القائد». وكأن الأمر بقتل المصريين وانتهاك حقوق الإنسان وتزوير الانتخابات والفساد المالى، إن ثبتت، جرائم لا تستحق المحاسبة!

ثم وجد إعلام الاستبداد العربى ضالته فى أحداث العنف الطائفى المؤسفة فى إمبابة. فعالجها على نحو يجعل المجتمع المصرى يبدو وكأنه على شفا حرب أهلية وتسيطر عليه قوى تطرف ظلامية. وسعت بعض القنوات الفضائية، والتى تصمت اليوم بالكامل أو إلى حد بعيد عن عنف الحكومات ضد شعوبها فى سوريا واليمن وقبلهما فى البحرين بينما تفرد مساحة زمنية واسعة للأحداث المصرية، جاهدة إلى توظيف أحداث إمبابة لصناعة صورة سلبية عن مصر الغارقة فى الفوضى ولمواطنيها المفتقدين للأمن والأمان فى دور عبادتهم ومنازلهم.

لهذه الحكومات وأجهزة إعلامها أقول إن مصر فى لحظة تغيير كبرى بعد ثورتها الديمقراطية وإن لحظات التغيير دوما ما تحمل بعض الأخطار. نحن واعون لخطر العنف الطائفى، وندرك تدهور الظروف المعيشية للكثير منا على خلفية الغياب الأمنى وسوء الأوضاع الاقتصادية. إلا أننا أيضا نعلم أن لحظة التغيير الراهنة تحمل فرصا غير مسبوقة لبناء الدولة والمجتمع الديمقراطى فى مصر وسنتمسك بفرصنا هذه إلى الرمق الأخير.

جميع الشعوب التى نفضت عنها نير الاستبداد وتحولت إلى الديمقراطية عانت، أمنيا واقتصاديا واجتماعيا، ولم تتوازن حياتها السياسية الجديدة إلا بعد سنوات. مصر ليست استثناء على هذه القاعدة، وإعلام الاستبداد العربى لن يغير من ذلك فى شىء تماما كما تخفق مؤتمرات الديمقراطية وجمعيات حقوق الإنسان فى هذه الدولة الخليجية أو تلك فى الإلهاء عن الجوهر الاستبدادى للحكم هناك.

للمواطنات والمواطنين المصريين أقول لا تقلقكم مبالغات إعلام الاستبداد العربى وسنمضى فى مسار بناء الديمقراطية فى مصر بعيدا عن الأحاديث المتهافتة لبعض العواصم العربية عن الاستقرار. إلا أن علينا ايضا أن نستمر فى القيام بمسئولياتنا تجاه الوطن بالعمل على احتواء العنف الطائفى ومعالجة أسبابه، وبالإسهام فى تنشيط الحياة الاقتصادية والحد من المعاناة المتصاعدة لمحدودى الدخل من خلال العمل الخيرى.

نحن اليوم فى أمس الاحتياج لهبة شعبية سلمية تحاصر الطائفية وتضع الإنتاج والتنمية فى صدارة المشهد الوطنى، بجانب قضايا السياسة والانتخابات والدستور.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات