المصالحة بين عنف الإخوان وقصر نظرهم الاستراتيجى - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 8:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المصالحة بين عنف الإخوان وقصر نظرهم الاستراتيجى

نشر فى : الخميس 12 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 12 سبتمبر 2013 - 8:00 ص

مازلت أذكر ذلك اليوم رغم أن أحداثه قد وقعت وأنا فى السابعة من عمرى. كنت فى المرحلة الابتدائية، وكان أخى الأوسط فى المرحلة الثانوية يدرس فى مدرسة شبرا الثانوية، وكانت تشغل قصر الأمير طوسون، وتطل على فناء فسيح، وكان الطبيعى أن أعود من المدرسة قبل أخى، وفى ذلك اليوم عاد أخى مبكرا على غير المعتاد، وأصابنى فضول شديد لمعرفة السبب، وبادر أبى وأمى بسؤاله فسمعته يقول إن إدارة المدرسة قد صرفتهم على وجه السرعة لأن الإخوان المسلمين احتلوا مبانى المدرسة، ويتبادلون إطلاق النار مع قوات الأمن، ولا أدرى فى أى ظروف سُمح لأخى بالخروج أو كيف استجاب لإصرارى بأن يصحبنى معه. وصلنا إلى المدرسة فقد كانت على مسيرة أقدام من المنزل، وكان صوت إطلاق النار متقطعا لكنه مسموع، وفى لحظة ازداد إطلاق النار بغزارة، وكذلك ردت قوات الأمن وبدا وكأننا صرنا جزءا من المعركة فانصرفنا من فورنا.

عندما كبرت قليلا وبدأ اهتمامى بالسياسة يظهر علمت أن أحداث ذلك اليوم كانت مرتبطة بالأزمة بين عبدالناصر والإخوان المسلمين، التى سبقت، وأعقبت محاولة اغتياله فى 1954، وعندما بدأت دراستى الجامعية، وقرأت فى تاريخ مصر المعاصر عرفت أن العنف جزء من نسيج حركة الإخوان. يشهد على ذلك سجلهم فى العهد الملكى فقد نجحوا فى الاقتراب من الملك وكسب ثقته غير أن مراميهم فى اختراق السلطة تمهيدا للاستيلاء عليها اتضحت وتصدى لهم النقراشى باشا بالاعتقالات وغيرها فاغتالوه، وفى عهد عبدالناصر زج بالآلاف منهم فى السجون فى أعقاب أزمة 1954، ولما أفرج عنهم فى منتصف الستينيات ردوا بتكوين تنظيم إرهابى كان يهدف إلى القيام بعمليات تخريب واسعة النطاق فأعيدوا إلى السجون، ومكثوا فيها إلى أن أخرجهم أنور السادات وأعطاهم حرية الحركة لمواجهة المد الناصرى واليسارى المتصاعد، لكن لم يمنع هذا محاولة الانقلاب العسكرى الساذجة التى بدأت بالسيطرة على الكلية الفنية العسكرية أو اغتيال السادات فى 1981، وأنا أعلم بطبيعة الحال أن الحدثين الأخيرين ليسا من تنفيذ الإخوان مباشرة، ولكنهم التنظيم الأم لكل التنظيمات الصغيرة التى تتبنى العنف، كما أن الأزمة الأخيرة قد علمتنا أن ثمة تنسيقا واضحا بين الإخوان وجميع هذه التنظيمات، وقد كان تصريح محمد البلتاجى قاطعا عندما تحدث عن قدرة الإخوان المسلمين على وقف العنف فى سيناء بمجرد إعادة رئيسهم المعزول. وبعد اغتيال السادات انتهت رخصة العمل السياسى بالنسبة للإخوان، وبدأت مرحلة جديدة من العنف من جانبهم والتنظيمات الشقيقة، وحدثت مواجهات دامية بينهم وبين النظام، وتعددت محاولاتهم لاغتيال كبار المسئولين وبالذات وزراء الداخلية، وعاد الكثير منهم إلى السجون.

●●●

وقدمت ثورة يناير فرصة ذهبية لهم، فقد تشتت قوى الثورة بعد الإطاحة بمبارك، وكان هذا هو المناخ الأمثل للسيطرة على مؤسسات الثورة، فحصلوا على أكبر عدد من مقاعد السلطة التشريعية، وانتُخب مرشحهم لرئاسة الجمهورية ليبدأ واحد من أسوأ الأعوام التى شهدتها مصر المعاصرة بحكم عاجز غير قادر على إدارة الدولة أظهر علامات مبكرة على نزوع «فاشى»، وبدا هذا واضحا من محاولة إخضاع القضاء لهيمنة السلطة التنفيذية وممارسة العنف فى مواجهة الخصوم والاهتمام أكثر من أى شىء آخر بالسيطرة على مفاصل الدولة، فظلت هذه الأمور تتفاقم حتى وقعت تطورات 30 يونيو التى انتهت بخلع رئيس الجمهورية، وقد كانت هذه الحالة مختلفة عن كل ما سبقها لأن الإخوان كانوا فى السلطة ــ حلمهم القديم ــ وأخرجوا منها، ولذلك كان استخدامهم العنف وعمليات الإرهاب أكثر من أى مرة سابقة. فلقد كانت جماعات العنف تخرج من بين صفوف المعتصمين احتجاجا على عزل رئيسهم، وتقوم بشل مفاصل الدولة من خلال قطع الطرق الرئيسية وهدم منشآت الدولة خاصة أقسام الشرطة وقتل أفرادها ومهاجمة المواطنين وتدمير ممتلكاتهم بالأسلحة النارية وحرق الكنائس فى محاولة لإسقاط الحكم الجديد.

●●●

تعمدت أن أذكر هذا السجل الطويل للجوء الإخوان للعنف فى محاولة السيطرة على الحكم، وهى محاولة تنبع من فكر جامد قصير النظر يتصور إمكانية أن تنجح جماعة فى السيطرة على السلطة فى دولة قوية لها مؤسساتها القوية المحترفة وقواتها المسلحة المتماسكة المنحازة لجموع الشعب. وبعد أن هدأ الغبار نسبيا بدأ حديث المصالحة كون الإخوان يمثلون فى المجتمع قوة لا يستهان بها قادرة على إرباك الدولة وصرف انتباهها عن مشاكلها الحقيقية كما يتمثل الآن فى محاولة اغتيال كبار المسئولين وزرع المتفجرات فى كل مكان، لكن هذه المصالحة تواجه مصاعب نكتفى الآن بالإشارة العابرة لها، فالمصالحة لا يمكن أن تتم مع جماعة الإخوان أو حزب الحرية والعدالة بصفتهما لأننا نسعى لمجتمع لا يعرف الأحزاب الدينية، ويثير هذا معضلة مصير المنتمين إليهما وهؤلاء إما أن يتفرغوا للعمل الدعوى أو تكوين أحزاب غير دينية أو النشاط كأفراد بشرط عدم التورط فى أعمال عنف أو إرهاب، ثم هناك معارضة نخبة واسعة للمصالحة، والأهم من ذلك الرفض الشعبى لها بعد المعاناة التى تسبب فيها حكم الإخوان للشعب انتهاء بأعمال العنف والإرهاب بعد خروجهم من السلطة، وأخيرا يستحيل إنجاز المصالحة مع الجيل الحالى من قيادات الإخوان وبالتالى فإن ثمة احتياجا لجيل جديد يحمل الراية من الجيل الذى أخفق فى أدائه طيلة ما يزيد على ثمانين عاما وإلا فإنها النهاية لتنظيم الإخوان إذا استمر تمسكه بالعنف وتخيل أنه وسيلة للاستيلاء على الحكم الحلم العزيز الذى ضيعوه من بين أيديهم.

 

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

ومدير معهد البحوث والدراسات العربية

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية