أموال وآمال 6ــ الأرض مورد حياتنا «الحاجة الملحة والمتجددة» - جمال قطب - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 6:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أموال وآمال 6ــ الأرض مورد حياتنا «الحاجة الملحة والمتجددة»

نشر فى : الجمعة 12 سبتمبر 2014 - 7:25 ص | آخر تحديث : الجمعة 12 سبتمبر 2014 - 7:25 ص

الأرض مستقرنا وبيتنا الذى لا نستطيع مفارقته، ولا الاستغناء عنه، فما يستطيع البشر وتوابعهم الاستقرار إلا فى الأرض، وإذا لم تنل الأرض الاهتمام بها والعدل معها ودوام الحوار المقنع لها، وحسن استخدامها واستثمارها، إذا لم تنل الأرض كل هذه الرعاية فلن يجد الإنسان منزلا ولا قصرا ولا كوخا، ولا يستطيع ان يرفع خيمة، إذ كيف تقام الخيمة أو تثبت بغير أرض؟!

والحوار مع الأرض حوار بين طرفين: خليفة خلقه الله وكلفه بالإعمار، والطرف الثانى هو الأرض وهى أسبق خِلقة من الإنسان، بل أسبق عبادة لله جل جلاله. كما أن الأرض أكثر طاعة لله من الإنسان فهى مسخرة لا تملك إلا الطاعة، وقد بين القرآن طاعة الأرض وانضباطها التام منذ خلقها الله. (..خَلَقَ الْأَرْضَ فِى يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادا ذَلِكَ رَبُ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِى أَرْبَعَةِ أَيَامٍ سَوَاء لِلسَائِلِينَ* ثُمَ اسْتَوَى إِلَى السَمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعا أَوْ كَرْها قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ).

وطاعة الأرض لربها هى حسن قيامها بما كلفها الله به على خير وجه. فها هى الأرض مذ خلقها الله وإلى ما شاء تتسع لكل المخلوقات. فهل استطاع البشر رد جميلها وإحسان التعامل معها والانتفاع بها؟! هل تستطيع أن تتبين معى حجم جريمة «هجران الأرض» وترك مساحاتها الشاسعة دون استخدام؟ وفوق ذلك تعانى الأرض من شديد العدوان على بعض أجزائها وسوء استخدامها وإجهادها وسوء حيازتها، ثم «صرف الناس عنها» بل «تحريم وتجريم» من يحاول الحوار معها والانتفاع بها وتيسير المنفعة للآخرين. نعم لابد أن يكون هناك «نظام وقانون وعدالة» بين الناس لكن هذا هو القانون لابد وأن يفتح الأبواب واسعة «لإعمار الأرض»، ويبدأ الحوار الجاد معها وذلك مع تقنين وتقييد «عدم الاحتكار» و«عدم الحيازة والترك» و«عدم الإنفراد بالنتائج»... إلـخ.

(2)

والمسلمون جميعا يوقنون بقوله تعالى (..وَلِلَهِ خَزَائِنُ السَمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ..) فكيف تبقى تلك الخزائن مهجورة ؟ وكيف يبقى الإنسان فى فقر وحاجة؟! إن السلطات والتشريعات والسياسات غير الرشيدة التى تسببت فى تكدس البشر فى بقع محددة وضيقة من الأرض، مع هجران بقية الأرض بما تحتويه من خزائن لا تفهم على أنها «جهل أو سوء تصرف أو قلة إمكانيات» فكل هذا له أساليب وحلول تجعل السلطة مهيمنة وتتيح للبشر التنفس والحراك. فمن حق الأجيال التى حيل بينها وبين الإعمار سواء بالمنع أو بإشاعة اليأس أو باختيار مشروعات ضخمة لا تنشرح لها الصدور، فمن حق تلك الأجيال أن تتهم السلطات والسياسات الممعنة فى المباعدة بين البشر وبين حسن استخدام الأرض اتهامات قانونية عادلة، واتهامات سياسية ترقى إلى مستوى المحاسبة والمحاكمة.

ودعوتنا هذه لا تزيد على دعوة المسئولين للمسارعة فيما ييسر على الناس سكنا مريحا فى حدود ما يملكون، أو فى حدود ما يقدرون على فعله. فالأرض ينبغى أن تبقى كثرتها ملكا عاما للأمة مع حق كل نفس فى قدر محترم من المساحة يستخدمه ويرعاه.

إن عدوان الحائزين على الأرض وجعلها غابات أسمنتية لهو رد فعل طبيعى لسوء السياسات الرسمية. فها هى الحكومات طوال ستين سنة تنشئ مصالحها فى الأرض الطينية المؤهلة والجاهزة للزراعة مثلما رأينا «حلوان وشبرا الخيمة» فكان من الطبيعى أن يقتدى الناس بحكامهم فيفعلون بالأرض مثلما فعل الحكام، ثم ينشئون مساكنهم قريبا من عملهم، فأصبحت الأرض الزراعية ــ ثروة الأمة ورصيدها ــ أصبحت حجرا محجورا لأصحاب الحظوة يبيعون ويبنون ويجمعون الأموال وتحولت تلك الارض نكبة على السكان أنفسهم فيما يدفعونه من مقابل ضخم وكذلك على سائر المواطنين سواء من التلوث أو من عدم توافر الطعام النظيف، أو فتح باب الاستيراد الهزيل لاستيراد الخضراوات والبقول حتى تجرأ السفهاء على استيراد معلبات «الفول المدمس» و«البصارة»... إلـخ. رحماك ربنا بقوم فقدوا رشدهم فانطلقوا يقتلون أنفسهم بأيديهم قبل أيدى الأعداء!!

فهل نتقى ربنا نحن المصريين فى أنفسنا وفى بلادنا وفى حقوق الأجيال المنتظرة؟! اللهم إنا نستعينك ونستهديك، فافتح الأعين والقلوب على ما ينفع ويُنجح إنك على ما تشاء قدير.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات