العمارة والمجتمع - سامح فوزي - بوابة الشروق
الإثنين 2 ديسمبر 2024 6:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العمارة والمجتمع

نشر فى : الثلاثاء 12 ديسمبر 2017 - 10:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 12 ديسمبر 2017 - 10:20 م
الحديث فى العلوم الاجتماعية عن المساحات المشتركة ممتع، لكنه يحتاج إلى جهد ودأب. دراسة العلوم السياسية تجتذب جاذبية ــ مثلا ــ إذا اقترنت بعلم الاجتماع، والإدارة العامة تكتسب بعدا إنسانيا ديناميكيا إذا ارتبطت أيضا بعلم الاجتماع، والملفت أن يقدم الدكتور خالد عزب كتابا مهما عن عمارة مقر الحكم فى مصر يرتبط أيضا بإشارات اجتماعية مهمة. 

فى رأيه أن عمارة مقر الحكم تعكس طبيعة المجتمع والتغيرات الاجتماعية فيه. العمارة ليست مبانى، بل تعبير عن صراع هوية وتغيير فى الأنماط الاجتماعية وطرائق العيش فى المجتمع. تقليديا كانت بيوت المصريين عبارة عن غرف منازل متعددة الوظائف، فهى أماكن للاستقبال والطعام والنوم، لكن مع عصر أسرة محمد على، خاصة مع الخديوى إسماعيل، طرأت تغيرات على المجتمع، انعكست على الأثاث وتصميم المنزل، فقد أدخل إسماعيل عادات معيشية غربية، حملت الكثير من المصريين على استبدال أساليب أجدادهم فى العيش، والآخذ فى المقابل بطرق جلوس الغربيين وأكلهم ونومهم واستقبالهم لضيوفهم. هذا أدى إلى أن تصبح لكل غرفة وظيفة واحدة، وظهر تبعا لذلك أنماط جديدة من الأثاث.

ومن الملاحظات الاجتماعية الممتعة أيضا التى يشير إليها خالد عزب هى بدء اختفاء وتضاؤل وظيفة بعض الأبنية، فمع دخول خطوط مياه القاهرةَ فى عصر إسماعيل تضاءلت تدريجيا بنايات الأسبلة وأهميتها، مما يثبت أهمية عامل التكنولوجيا والمبتكرات الحديثة التى لها تأثير ليس فقط على العمارة، بل أيضا على السلوك العام فى المجتمع، فالعربات التى تجرها الخيول انتشرت فى مصر، لكن ظهور الترام والسيارات أدى إلى توسع القاهرة شرقا، حتى باتت صحراء شرق القاهرة ذات قيمة كبيرة اجتذبت الوجهاء، من هنا نستطيع أن نفسر تشييد السلطان حسين قصرا له فى مصر الجديدة. هنا يتحرر المصريون نتيجة سهولة وسرعة الحركة بالسيارة مع بدايات القرن العشرين من فكرة العيش إلى جوار السلطة بحكم الوظيفة أو الارتباط العضوى، ليذهبوا إلى مصر الجديدة ثم مدينة مصر، ويتحركوا عبر شوارع المدينة، حتى صار السكن فى أطراف المدينة للأثرياء وليس للفقراء (القاهرة الجديدة مثلا).

ويرصد الكاتب مظهرا آخر للتغير الاجتماعى بالنظر إلى العمارة الإسلامية التى اعتمدت بصورة كبيرة على تعزيز الداخل على حساب الخارج وعلى مبدأ الخصوصية المطلقة، لكن مع التغير فى أنماط العمارة، صار الخارج واجهات غير معبرة أحيانا عن التركيب الداخلى، فالأعمدة الزخرفية على واجهات البنايات أوروبية الطراز لا تقدم وظيفة بل تقدم شكلا زخرفيا، فى حين كانت المشربيات والكوابيل الحاملة والأبواب فى الظرز المعمارية السابقة تعبر عن وظائف الداخل. ويشير الكاتب إلى اختفاء المدخل المنكسر فى العمارة القاهرية، هذا المدخل الذى كان يفصل تماما الداخلَ عن الخارج، ويعطى فرصة لأهل المنزل للتستر من الغرباء، لنجد أن المداخل التى أصبحت مباشرة إلى وسط الفيلا أو الشقة السكنية هى العلامة البارزة، لكن مع نهايات القرن العشرين بدأت الأنماط السكنية تفضل تطوير نوع ما من الخصوصية بعزل غرف السكن على مصر خاص بعيدا عن مناطق الاستقبال، كمطلب اجتماعى.

كتاب ممتع يقدم محاولة لفهم تحولات المجتمع من زاوية العمارة.

 

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات